«الحكماء يتكلمون»... شذرات الحكمة الصينية من مختلف المدارس القديمة

نشر في 22-08-2013 | 00:01
آخر تحديث 22-08-2013 | 00:01
No Image Caption
لاقت سلسلة «الحكماء يتكلمون» الصادرة عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» نجاحاً لافتاً بأجزائها الخمسة التي تتمضن أعمالاً كلاسيكية لعدد من حكماء الصين والنظريات الفلسفية والمدارس الفكرية، بالإضافة إلى كثير من الحكم والأمثال التي تفوّه بها حكماء من مختلف مدارس الفكر التاريخية القديمة.
يقول المثل الصيني: «عندما ينبح الكلب، فإنه يحاول إعطاءك مشورة». فأولئك الكبار في السن، الذين ساروا في دروب وعرة أكثر منا، وتناولوا من الأرز مقادير أكثر منا، وقرأوا من الكتب أعدادًا أكثر منا هم أكثر معرفة وعلمًا منا، وأسعد منا، وأكثر خبرةً منا. لذا يعد ما يقولونه نصحيةً حكيمةً، وعلى الشبان الاستماع إليهم.

تطلع الذين أعدوا سلسلة «الحكماء يتكلمون» فوجدوا أغماراً من الشذرات التي تفوه بها حكماء من مختلف مدارس الفكر التاريخية، فنسّقوها وأضافوا إليها ملاحظات توضيحية ثم تمّ نقلها إلى اللغة العربية لمنح القراء المولعين بالحضارة الصينية التقليدية فائدة أعمّ وأشمل.

لاقت السلسلة الأولى والمؤلفة من خمسة عناوين نجاحًا باهرًا مما دفع بالقيمين على المشروع إلى إعداد وترجمة خمسة عناوين أخرى يتصدرها كتاب الحكم التي تفوّه بها الفيلسوف سونزي.

الفكر والتاريخ

كانت حقبة الربيع والخريف (770-476 قبل الميلاد) وحقبة الولايات المتحاربة (475-221 قبل الميلاد) تشكلان العصر الذهبي للفكر الصيني القديم. في هاتين الحقبتين، ظهرت الكثير من المدارس الفكرية، بالإضافة إلى حكم وأمثال عدة حملت اللواحق الشرفية Zi، وتنافست مع بعضها، بما في ذلك المدرسة الحربية ومدرسة الطاوية، والكونفوشيوسية، والموهستية والمنطقيون، ومدرسة ين- يانغ؛ وكانت هذه المدارس بمثابة الكواكب والنجوم الرائعة التي تزيّن درب التبانة.

لاحقًا، تجمّع ممثلو تلك المدارس في أكاديمية جيكسيا لولاية Qi، وكان حاكم تلك الولاية مستنيرًا اشتهر بزواجه من امرأةٍ قبيحة لكنها متقدة الذكاء. منح هذا الحاكم لمواطنيه السكن والمستلزمات، بالإضافة إلى المساعدات المالية الحكومية للخبراء والدارسين القادمين لإلقاء المحاضرات، ولم يستعلم عن خلفياتهم قط. وبالنسبة إلى أولئك الطامحين إلى مناصب رسمية، فقد عينهم الحاكم بتعيينهم في مناصب رسمية فخرية، وبنى لهم القصور ودفع لهم رواتب سخية. أما الذين لم يطمحوا إلى مثل هذه المناصب، فقد بقوا في مناصبهم كمستشارين. وكانت تلك الفترة هي الفترة التي {تم فيها افتتاح مئة مدرسة فكرية منافسة وأينعت فيها مئة زهرة}.

فضائل الحكمة

تبادل الدارسون جلسات النقاش، وكتبوا الكتب لنشر تعاليمهم، وقد بشّر بعضهم بالصدقات، أما بعضهم الآخر فبشر بالعفة والطهارة، وغيرهم بالكسل والخمول، بينما بشّر آخرون بالحرية المطلقة، وقد هاجم بعضهم الآخر الحيل والخدع الحربية كرهًا منهم للحرب، ووعظ بعضهم بطبيعة الإنسان المحبة للخير، ووعظ غيرهم بطبيعة الإنسان الميّالة إلى الشر. لقد قال البعض إن الأقارب ليسوا أقارب، وقال آخرون إن الأحصنة ليست أحصنة في الحقيقة، وجادل البعض بأهمية معرفة الذات ومعرفة الأعداء، وقال آخرون إن الهداية والصلاح لا يعرفان أعداءً... وقد خلفوا جميعًا الكثير من الأعمال الكلاسيكية الرائعة.

إحراق الكتب

لسوء الحظ، لم يستمر هذا الوضع لمدةٍ طويلةٍ، فعندما وحَّد كين شوانغ (حكم في الفترة ما بين 221-210 قبل الميلاد) جميع ولايات الصين، وحكمها كأول إمبراطور للصين، أمر رئيس وزرائه، لي سي، بإحراق جميع الكتب باستثناء كتب الطب وقراءة الطالع وزراعة الأشجار، فدمّر بذلك جميع المدارس الفكرية. وقد حوَّل الإمبراطور وو (حكم في الفترة ما بين 140--88 قبل الميلاد) دستور البلاد إلى الكونفوشيوسية في حين آل مصير المدارس الفكرية المتبقية، كالطاوية والشرعية وغيرها إلى الزوال.

سونزي الفيلسوف

كان سونزي يُعرَف باسم كوانغ، ولقبه النبيل هو كينغ. وكان من مواطني مدينة زاو خلال الفترة الأخيرة لحقبة الولايات المتحاربة (475--221 قبل الميلاد). كان مفكرًا ورجل دولة وكاتبًا رائدًا.

في الخمسين من عمره. سافر سونزي ودرس في ولاية كي، ثم تولى التدريس لثلاث مرات في أكاديمية جيسكي، وهي إحدى أشهر الأكاديميات الفكرية في الصين القديمة. وقد منحه الملك إكسيانغ كي مرتبة الشرف كمعلّم. وفي نهاية الأمر تم الافتراء عليه في محكمة كي، والتي قام بعدها بالانسحاب إلى ولاية تشو حيث تم تعيينه قاضيًا على مدينة لانلنغ، وقد استقر هناك للكتابة ونشر تعالميه. وقد كان كلٌّ من لي زي (رئيس وزراء إمبراطور كين الأول) وهان فيزي (فيلسوف ذائع الصيت) من بين أتباعه الأكثر شهرة. ذات مرة سافر غربًا إلى كين، حيث نصح فان جو، رئيس الوزراء قائلاً: «لا تحكم البلاد بقبضة من حديد، أعطِ أوامر بسيطة ولكنها مدروسة جيدًا في الوقت نفسه، اصنعِ الإنجازات في أمور الدولة بلا جهد، فهذه هي مثاليات إدارة الدولة».

توجيه نحو الخير

اعتقد سونزي أن طبيعة الإنسان مجبولة على الشر، ودعا إلى استخدام الطقوس والإرشادات القديمة لتوجيه النفس نحو الخير. وقد اعتقد أن الإنجازات هي نتيجة تراكم الأفعال الحسنة.

أيد فكرة أنه يجب على الدارسين تسجيل أفكارهم الفلسفية في الكتب، والسماح لأفكار جديدة باستبدال الأفكار القديمة لصالح رحلة متقدمة نحو المعرفة. إن هذا الاعتقاد تم التعبير عنه بأفضل أشكاله في كتابه «الرجال الشرفاء» حيث يقول: «التعليم لا نهاية له. ورغم أن اللون الأزرق يأتي من نبتة النيلة، إلا أنه أكثر زرقة منها. والثلج مصنوع من الماء، ولكنه أكثر برودة من الماء الذي تشكّل منه».

من أقواله الحكيمة

• يعم الرخاء الدول التي تحكمها حكومة رشيدة.

• رحلة الألف ميل تتطلب كل خطوة منها.

• اسأل عندما تواجه أمراً يتعدّى معرفتك، وادرس عندما تواجه ما يتعدّى قدراتك.

• في الطبيعة وفي الذكاء لا يختلف الإنسان الغني عن الفقير.

• الحاكم القدير يدرك جيداً كيف يقنع رعيته.

• المياه العميقة تجذب إليها الأسماك والسلاحف.

• تتواجد الدولة بتواجد الدستور، وتزول بزواله.

• مهما قربت المسافة، فلا يمكن لأحد الوصول إلى غايته إلا ببذل الجهد اللازم للسفر.

• الناس جميعاً يتشاركون السمات نفسها.

• إن دعم الشعب للجيش في الحرب أمر أساسي.

• الذين ينتقدونني بإنصاف هم أساتذتي.

• حتّى تُتوَّج كإمبراطور وتحمل على عاتقك ثروات البلد بأكملها...

• حتّى تنجح في أن تكون أبًا لولد صريح، عليك ألا تعظه بآداب السلوك.

• الموضوعية تولّد الوضوح والجهل إلى حدٍّ ما.

• الشريف يدرس لتهذيب نفسه، والنذل (التافه) يدرس لتعظيم نفسه.

عندما تُهَدّد الدولة لا يمكن لملكها أن يستكين ويهدأ، وعندما تنعم الدولة بالهدوء والسلام، يمكن لملكها وشعبها أن يستكينا ويعيشا بهدوء.

back to top