نهاية بلد يشيعه أبناؤه!

نشر في 04-05-2013
آخر تحديث 04-05-2013 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر لم تنته قصة شعبي مع الزعماء، فمازال في الجعبة هتافات كثيرة ومازال شعبي متعطشاً لإثبات ولائه بالشعارات، فجاء أخطر وآخر «منقلب» ليكون زعيماً وملهماً وقائد ضرورة ونعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، فكما أن شعب بلدي فُتن بالهتافات كان القائد الضرورة مفتوناً بأن يهتف له، فما كان منه إلا أن يلبي رغبة الشعب في التمجيد ويقتل من يقتل ليظل الشعب يهتف له.

سنحكي قصة شعب لم يفهم من الحياة إلا التطبيل والتمجيد، والخضوع لكل من تسلم كرسي الحكم فيه، وبلد لم يُعلِّم أبناءه إلا كيف يأخذ منهم دون أن يعطيهم فتحول إلى ركام.

بلد لا يشبه بقية البلدان في شيء... فكل شيء فيه مختلف عما سواه وكأن الله قد قدر له أن يكون كذلك. سماؤه تختلف وأرضه تختلف والناس فيه مختلفون. فمع أن شعبه لم يحكم نفسه على مدى ألفي سنة فقد ظل يتغنى بالأمجاد والبطولات.

وعندما سنحت له الأقدار أن يفعلها فعلها بقرار آخرين وبخيارات آخرين ويمحو ذاكرته ليقول إنها كانت ثورة، وإنه أزاح ملكاً عضوضاً جاء له من دولة جارة، هتف الشعب وهلل لقيام الجمهورية مع أنه لم يعرف ما هي مساوئ الملكية ولا محاسن الجمهورية ولم يؤخذ برأيه في كيفية الحكم الذي يريد، فاكتفى بإظهار قبوله بالهتافات والشعارات والرقص للجمهورية العتيدة التي لا يعرف عنها شيئاً.

لا يهم إن كان "المنقلب" دكتاتوراً أم لا، فكل ما يهم شعبي أنه "الزعيم" الذي يرون صورته على القمر. وعندما زُحزِح الزعيم على يد آخر وبقرار من آخرين أيضاً، هتف الشعب لمنقذه الجديد، ولا يهم ثانية إن كان الجديد دكتاتوراً المهم أنه ملهم.

لم تنته قصة شعبي مع الزعماء، فمازال في الجعبة هتافات كثيرة ومازال شعبي متعطشاً لإثبات ولائه بالشعارات، فجاء أخطر وآخر "منقلب" ليكون زعيماً وملهماً وقائد ضرورة ونعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، فكما أن شعب بلدي فُتن بالهتافات كان القائد الضرورة مفتوناً بأن يهتف له، فما كان منه إلا أن يلبي رغبة الشعب في التمجيد ويقتل من يقتل ليظل الشعب يهتف له. قاتل دولاً مجاورة نيابة عن دول أخرى فتحول إلى ضرورة تاريخية وتحول البلد إلى بوابة شرقية لإخوة جعلوه بواباً، وظل الشعب يهتف مع أنه لم يعرف يوماً لماذا قاتل؟ ومن أجل ماذا؟ وبتحول الضرورة التاريخية هذا إلى فرعون تاريخي تعالت الهتافات أكثر وكاد الشعب أن يعبده تلبية لرغبتهم في الاستعباد.

وعندما جاء الآخرون "الكبار" وأزاحوا الفرعون قال الشعب لقد تحررنا ليقول الآخرون الكبار نحن احتلال، فيرد عليهم شعب الهتافات إذن لقد قمنا بثورة على فرعوننا وأهلاً بالاحتلال. رويداً رويداً أصبح الاحتلال احتلالين وأصبح الشعب شعبين... شعب يهتف لهذا وشعب يهتف لذاك  ويحتضن أحد الاحتلالين هذا ويحتضن الثاني ذاك، لينقشع الضباب ويدرك الشعبان ألا شيء جمعهما يوماً غير الهتافات.

هكذا هو شعب بلدي هتف لكل شيء ومجد كل شيء وزيّف كل شيء وفقد كل شيء.

وانهمرت ثورات الربيع العربي على المنطقة كالسيل ليحاول أحد "الشعبين" محاكاتها... وما الضير من ذلك؟ فربما تنفع الهتافات في ثورات كهذه، فبدأ يهتف واستمر في الهتاف ليكتشف أن الانتصار لا يأتي بالشعارات والطنين، وأنه قد وقع في حضن من كان لهم بواباً قبل سنين.

فهل تنفع الهتافات وهذه الترهات في أحضان الأشقاء والشقيقات؟ أم أن هناك ضريبة يجب أن تدفع من قبل "الشعبين"؟ إن ضريبة مفارخ الدكتاتوريات والفراعنة لا تكون كضريبة من يقاومونها، فضريبة الثائر قد تكون حياته لكنه يدفعها مرة واحدة، أما ضريبة الهاتفين والمطبلين فتدفع مرات ومرات، وأتصور أسفاً ان شعبي المفتون بالشعارات والقابل للاستعباد عليه أن يدفع ضريبة المفارخ.

حكاية بلدي لم تنته بعد، فمايزال في الأحداث بقية، لكن هل بقي من هذا البلد بقايا تقاوم السيناريوهات؟

* كردستان العراق- دهوك

back to top