ما بين حروب «الاختيار» و«الضرورة»... أوباما يفشل في سورية!

نشر في 25-01-2013 | 00:01
آخر تحديث 25-01-2013 | 00:01
No Image Caption
يجب ألا يتقبل أحد قصف المدن والبلدات بهذا الشكل العشوائي أو قتل الصحافيين بشكل متعمد، ويجب ألا يكون أي شعب ضحية المعاملة السيئة التي يقررها نظام البلد، ويجب أن يعود هذا الملف المنافي للمعايير الأخلاقية إلى صلب السياسة الخارجية الأميركية!
 Richard Cohen   يتحدث الجميع عن نوعين من الحروب: الحرب الاختيارية والحرب الضرورية، إذ يجب تجنب النوع الأول وخوض النوع الثاني مع إظهار قدر مناسب من التردد. كانت الحرب العالمية الثانية حرباً جيدة وضرورية على عكس حرب فيتنام، وكانت حرب العراق اختيارية (وغبية) على عكس أفغانستان (مع أن الوضع قد يتغير هناك الآن)، ويمكن أن يتبدل مسار الحروب مع مرور الوقت. لقد تغير شكل الحرب في سورية طبعاً، فقد تحول الصراع هناك من حرب اختيارية إلى حرب ضرورية لم يقرر الرئيس أوباما خوضها، وتشكل حصيلة القتلى الهائلة أبرز مثال على سوء تقديره.

قُتل أكثر من 60 ألف شخص حتى الآن وكان معظمهم من المدنيين، وتشير التقديرات إلى وجود 650 ألف لاجئ هربوا عبر مختلف الحدود السورية، فهم يعيشون في ظروف مأساوية ويتحملون البرد القارس والسيول الجارفة نتيجة الأمطار الغزيرة خلال شتاء منطقة المتوسط. مات بعض الأطفال ومن المتوقع أن يموت عدد إضافي منهم.

تهدد الحرب بزعزعة استقرار المنطقة كلها، فلا يكفّ الأكراد في شمال سورية عن إثارة المشاكل، وأصبح الفلسطينيون اللاجئون في سورية لاجئين في الأردن مجدداً. يفيض لبنان بدوره بالسوريين، وهم يشكّلون نوعاً مختلفاً من المسلمين، ويبدو النسيج الإثني في ذلك البلد (خليط مضطرب من السنّة والشيعة والمسيحيين والدروز المختلفين) هشاً بشكل متزايد. ينشغل جميع اللبنانيين باحتساب نسبة جماعتهم في المجتمع: هل ارتفع عدد جماعتهم أم تراجع، وما معنى ذلك؟

وماذا عن بشار الأسد، الابن الضعيف لأب مرعب؟ هل سيتوجه إلى المنفى في موسكو ويقيم إلى جانب ذلك الممثل السوقي جيرار دوبارديو؟ هذا الأمر مستبعد. سينسحب الأسد نحو المعاقل العلوية وستستمر أعمال الذبح. ستتوالى حملات سفك الدماء وتصفية حسابات الماضي الحديث والماضي الغابر والمستقبل المرتقب أيضاً على قاعدة "اقتلوا قبل أن تُقتَلوا!". إنه شكل أساسي من أساليب المراوغة.

نتحدث هنا عن مأساة تفوق الوصف؛ نتحدث عن أطفال يموتون من الإسهال بينما يلفظ كبار السن أنفاسهم الأخيرة؛ نتحدث عن الأعمال البربرية التي تطبع الحرب الأهلية دوماً؛ ونتحدث أخيراً عن كارثة كان يمكن تجنبها، وكان يمكن أن تساهم المواقف الحاسمة من حلف الأطلسي، أو بالأحرى من الولايات المتحدة، في إنهاء هذه المسألة في مرحلة مبكرة. كان فرض الحظر الجوي، كما حدث في ليبيا، ليردع الطائرات والمروحيات السورية وكان سيُقنع الجيش وأجهزة الاستخبارات في مرحلة مبكرة بأن الأسد محكوم بالفشل وأن النتيجة النهائية واضحة، في تلك الفترة، كان يمكن أن يجد أماكن يقصدها.

لكن أصر البيت الأبيض على عدم اتخاذ مواقف حاسمة، فانطلقت الحملة الرئاسية ولم يكن الوقت مناسباً لأي مغامرات خارجية.

بدأت حرب العراق تتلاشى وقد يحصل الأمر نفسه في أفغانستان مع القليل من الحظ، ولم يكن للولايات المتحدة أي تأثير في الصراع السوري ولم تتمكن واشنطن من التمييز بين الصالحين والأشرار (ما يؤكد قلة كفاءتها). كان الانتظار كفيلاً بكشف الحقيقة.

اليوم، يُحكم الأشرار (الجهاديون وغيرهم) سيطرتهم على الوضع وقد خسر المعتدلون أمام المتطرفين كما جرت العادة، ولا شك أن التأجيل والمماطلة يمهدان لإدراك حقيقة الوضع في نهاية المطاف.

كانت هذه الحرب ضرورية فعلاً. لقد كانت ضرورية لتجنب كارثة إقليمية ومنع وصول أعمال العنف إلى لبنان والعراق؛ كانت ضرورية لتجنب كارثة إنسانية وتفادي معاناة كبيرة أو تخفيف وطأتها على الأقل؛ كانت ضرورية لاتخاذ موقف صارم ضد الأعمال البربرية لأن هذا النوع من المواقف هو واجب أساسي، أليس كذلك؟ كان التدخل ضرورياً لأننا كنا لنقوم به بكلفة ضئيلة. قد لا يكون القيام بالخطوات المناسبة في الوقت المناسب عقيدة استراتيجية عظمى، ولكنه تحرك منطقي. إنه موقف مقنع وفاعل. نحن نتحدث بكل بساطة عن إنقاذ حياة الناس.

أخيراً، لم تكن هذه الحرب ضرورية كي يحاسب المجتمع الدولي أشرار هذا العالم فحسب، بل إنها كانت أساسية كي يقتنع هؤلاء بأن المجتمع الدولي سيُحاسبهم فعلاً. يجب ألا يتقبل أحد قصف المدن والبلدات بهذا الشكل العشوائي أو قتل الصحافيين بشكل متعمد، ويجب ألا يكون أي شعب ضحية المعاملة السيئة التي يقررها نظام البلد، ويجب أن يعود هذا الملف المنافي للمعايير الأخلاقية إلى صلب السياسة الخارجية الأميركية، وأن يكون محور الولاية الثانية من عهد أوباما، فلم تعد هذه المسألة مجرد اختيار، بل أصبحت ضرورة قصوى!

back to top