الدول الصغيرة في الخليج... كيف تعوّض صغرها؟!

نشر في 07-02-2013
آخر تحديث 07-02-2013 | 00:01
 أ. د. محمد جابر الأنصاري ينبغي عدم الاستهانة بالدول الخليجية الصغيرة المطلة على الجانب العربي من الخليج، إذا توافرت لها قيادة حازمة تعمل بجد على تطويرها. أقول ذلك وفي ذهني دولة الإمارات العربية المتحدة التي تستمد من مؤسسها زايد بن سلطان آل نهيان روح العزم والتصميم والإرادة، ويتمسك مواطنوها بالاتحاد وبقيادته للإمارات، لأنهم لمسوا خيراته وإنجازاته.

والبذرة الطيبة تثمر في شجرة طيبة، وهو أن قادة الاتحاد كالشيخ خليفة بن زايد، رئيس الدولة، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، وحاكم دبي، المدينة المزدهرة في الاتحاد، والذي لا يألو جهده في إغناء الدولة، وليس إمارته وحدها، بكل الأنشطة الحيوية لما لها من آثار نفسية إيجابية على سائر المواطنين. والشيخ محمد بن زايد ولي عهد إمارة أبوظبي وقائد جيشها.

وفي الآونة الأخيرة لوحظ أن التدريب الذي يشرف أيضاً عليه الشيخ محمد بن زايد قد أتى بثمراته، وهو كقائد للجيش مهيأ من مواقعه أن يوجه هذا التدريب تدريباً صادقاً، خصوصاً أن المنطقة الخليجية مقبلة على حرب لا ندري متى تشتعل؟

ودولة الإمارات العربية المتحدة كيان اتحادي، فهي تقدم "نموذجاً اتحادياً"، وقد حقق زايد حلم الأجيال بتوحيد إمارات الساحل، وكان شعب الاتحاد مصرّاً على تلك الخطوة التاريخية التي حققت أعمق رغباته، وهي إذ حققت تلك الرغبة، فإنما جسّدت في الواقع شكلاً من أشكال الوحدة العربية التي تلقى تيارها في تلك اللحظة التاريخية أقسى الضربات والهزائم. ولكن زايد بن سلطان احتفظ بإيمانه الوحدوي وتمسك به، وذلك على إيمانه هذا، مدافعاً عن عروبته دون تشنج، خائضاً بحار السياسة الدولية باعتدال وتوسط، مقدماً نموذجاً يحتذى في ذلك، وعندما قامت حرب أكتوبر المجيدة ونهض العرب من أجل حقوقهم كانت لزايد كلمة سجلها التاريخ: النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي.

وعندما رحل زايد إلى ربه، وبكاه شعب الاتحاد كما يبكي ابناً من أبنائه، وجاء أبناء زايد يحملون الأمانة، ووقف جميعهم وراء خليفة بن زايد ومحمد بن زايد، ومعهم أخوهم محمد بن راشد آل مكتوم. وكان راشد شريكاً لزايد في المسيرة الاتحادية، وعلى قاعدة الشراكة بينهما رست سفينة الاتحاد.

ولو كان زايد وراشد حيين لتقبلا نداء العصر وقالا نعم للفكرة الاتحادية التي طرحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، الذي يسابق الزمن في إصلاح ما ورثه عن أبيه، الملك المؤسس المصلح.

إن تقسيم العرب إلى أكثر من عشرين كياناً أمر غير منطقي، وذلك ما يسعى المخلصون من أبناء الأمة إلى تجاوزه وتصحيحه بالعودة إلى وحدة العرب التي كانت قائمة بالفعل، وإلا ما استقوى الآخرون عليهم، وما استطاعوا هم القيام بنهضتهم العلمية وتحقيق الأمجاد التي حققوها. فالاتحاد قوة، والتفرق أقرب طريق إلى الهزائم.

لقد استجاب زايد بن سلطان لمتطلبات عصره، وها هو ذا الملك عبدالله بن عبدالعزيز ينادي إخوانه قادة دول الاتحاد للاستجابة لنداء الوحدة.

التنوع البيئي: يمتد ساحل الإمارات من دبي إلى خور فكان في تخوم سلطنة عُمان، ولا تتشابه المواقع الساحلية كلها، فأبوظبي تحتفظ بطابعها، وكذلك دبي، وفي عجمان يفرض التنوع البيئي نفسه، فبين عجمان ودبي يلمس المرء الفارق بين أجواء "القرية" والأرياف البحرية وأجواء المدينة الصاخبة، وفي إمارة عجمان هناك مصائد للأسماك بكميات تفوق سكانها مما يدل على وفرة المصادر الغذائية في الدولة وكثافة السكان مشكلة تكتب عنها الصحافة متحدثة عن خلل سكاني بين العمالة الوطنية، والعمالة الوافدة، وتبرز هذه المشكلة (الخلل السكاني) في بعض الإمارات أكثر منها في إمارات أخرى.

ولا حل لهذه المشكلة المستعصية والمزمنة إلا بالاتحاد مع الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي، وإذا حللنا مشكلة أي دولة من دوله فالاتحاد والقبول به هو "الحل".

وفي الإمارات شعب عربي الشعور لا تشوب شعوره العربي شائبة... وذلك ما يمثل الصحافة في التمسك بالاتحاد وفي قبول الفكرة المطروحة الآن من قبل المملكة العربية السعودية. وكذلك في مسألة تحرير الجزر الإماراتية من الاحتلال المفروض من جانب واحد، وتطرح الإمارات على إيران فكرة التفاوض المفتوح أو القبول بمبدأ التحكيم الدولي، ولكن طهران ترفض كل ذلك. ويطالب مجلس التعاون الخليجي الجارة المسلمة إيران بالاحتكام إلى نداء العقل، وذلك في كل اجتماع من اجتماعاته، ولا نرى في الأفق ما يوحي بانجلاء هذا الإشكال نظراً لتمسك إيران باحتلال الجزر الإماراتية.

الاستعداد الدفاعي: وأمام "التهديدات الإيرانية" والإعلانات عن إنتاج الأسلحة الفتاكة، لا خيار للإمارات إلا بالتسلح الجيد والاستعداد الدفاعي للتمكن، ومن حسن الحظ أن الشباب الإماراتي متناغم مع قائده محمد بن زايد ويستمع إلى نصائحه. وقد اتضح ذلك في خليجي (21) حيث حققت دولة الإمارات العربية المتحدة البطولة، وكان واضحاً مدى قوة الشباب الإماراتي في كرة القدم.

إن اختصار الزمن بحسن الاستعداد والتدريب الممتاز هو المفتاح السحري الذي لابد منه.

التنمية المستدامة: تهتم دولة الإمارات العربية المتحدة بالتنمية، لذلك فهي تركز جهدها في الميدان الاقتصادي. وتشهد الإمارات ازدهاراً اقتصادياً غير مسبوق. وعلى طول الساحل الإماراتي ترى تأسيساً للمشروعات الجديدة، فالزائر يمكن أن يرى بدايات "دانة غاز" والمشروع النووي الإماراتي السلمي، كما أن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أسسه الشيخ محمد بن زايد، سابقاً بذلك تقريباً الجميع. ومثل هذه المراكز البحثية تأتي مع مشروعات التنمية يضيف لبنة أخرى إلى الصورة العامة، حيث يستقطب مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي الباحثين من أنحاء العالم المختلفة بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، وهو يطبع البحوث الجديدة في شؤون المنطقة، خصوصاً الجوانب الدفاعية، بحكم أن الشيخ محمد بن زايد من المهتمين بشؤونها، هذا بالإضافة إلى "بُنية تحتية" حافلة بالمعاهد والمدارس والطرق والمدن الجديدة.

وقد اهتم الشيخ زايد، رحمه الله، بالزراعة، ويلاحظ الزائر لأبوظبي أنها أصبحت غابة من النخيل. وعلى أساس وجود هذا العدد الكبير من النخيل أنشأت الدولة مسابقات وصناعات تهتم بما يمكن استخراجه من التمور... وهو ليس بقليل.

* أكاديمي ومفكر من البحرين

back to top