لعبة المالكي تضاعف المخاطر الطائفية

نشر في 13-01-2013
آخر تحديث 13-01-2013 | 00:01
مع تواصل تهميش السنّة والأكراد واستفزازهما، سيلجأ المالكي إلى قاعدته الشعبية الشيعية بحثًا عن الدعم، وقد تعتبر هذه القاعدة الشعبية معارضة السنّة أو أي تمرد آخر تحدياً لمكانتها في المجتمع.
 ذي ناشيونال عام 1964، احتشد الشيعة في مدينة كربلاء في جنوب العراق للتظاهر ضد حكومة عبدالسلام عارف الطائفية ذات الأغلبية السنّية.

تشير روايات الشهود، فضلًا عن برقيات الدبلوماسيين الأميركيين والبريطانيين، إلى أن عشرات الآلاف أو ربما 100 ألف تظاهروا ضد النظام، الذي كان قد استلم زمام السلطة في العراق عقب انقلاب عسكري في السنة السابقة. وخلال ستينيات القرن الماضي، تفاقم هذا التوتر بين الحكومة المستبدة ذات الأغلبية السنّية والمجتمع الشيعي، بعد أن تعرض الشيعة للتهميش نتيجة مجموعة من السياسات الحكومية التي صعبت عليهم حياتهم.

في العقود التي تلت، عانى الشيعة ظلماً متفاقماً وعنيفاً في ظل حكم البعث العراقي وقائده المستبد صدام حسين.

لكن اليوم، بعد مرور نحو خمسين سنة، انقلبت الموازين، فصار المجتمع السنّي في العراق يشتكي بالطرق السلمية والعنيفة مما يتعرض له من تهميش وتمييز وإجحاف.

فقد نزل أخيراً نحو 60 ألف شخص إلى شوارع مدينة الأنبار في الفلوجة، كذلك شهدت الأسابيع الأخيرة تظاهرات مماثلة كثيرة في الأنبار والمحافظات ذات الأغلبية السنّية في الشمال، تلك المنطقة التي شكلت قلب التمرد السنّي عقب الإطاحة بصدام حسين.

يتظاهر هؤلاء السنّة منددين بتهميشهم سياسياً، وغياب الخدمات الأساسية، والمداهمات وعمليات التوقيف العشوائية المناهضة للإرهاب، على حد تعبيرهم.

انطلقت هذه التظاهرات بعد الاعتقالات المثيرة للجدل لحراس وزير المالية العراقي رافي العيساوي، وهو سياسي سنّي، وجاءت هذه العملية بعد سنة فحسب من صدور مذكرة اعتقال مثيرة للجدل بحق نائب الرئيس العراقي، طارق الهاشمي، الذي يقيم راهناً في تركيا.

تعكس كل هذه التطورات سياسات بغداد غير الفاعلة. فقد أخفق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تشكيل ما قد يشبه، ولو من بعيد، حكومة جدية فاعلة وناجحة. كذلك أفسد العلاقات مع الأكراد (إلى حدّ بات معه إصلاحها مستحيلًا على الأرجح) من خلال سلسلة تصادمات بين الحكومة والقوات الكردية في المنطقة الشمالية الشرقية العراقية المتنازع عليها. وكان من الممكن لهذه المواجهات أن تؤدي بسهولة إلى حرب أهلية مدمرة.

أوقع رئيس الوزراء العراقي نفسه بعد ذلك في مأزق باستهدافه العيساوي، مستفزًا السنّة ودافعًا بهم إلى الشارع.

كان السنّة، الذين يفوقهم الشيعة عددًا بمعدل واحد إلى اثنين في بلد يعد نحو 31 مليون نسمة، قد ارتضوا على مضض بأنهم ما عادوا الأقلية المسيطرة في دولة العراق الجديدة، مع أنهم خاضوا حرباً أهلية دموية وحركة تمرد لا طائل فيها قبل أن يقبلوا بوضعهم الجديد هذا. قد تكون شكواهم هذه محقة، ولكن إن تأملنا في الوضع عن كثب، نلاحظ أن ثمة تطورات أكثر تعقيداً تدور في العراق اليوم.

على غرار السنّة، تستطيع مجموعات أخرى الادعاء أنها تتعرض للتهميش بسبب مناورات المالكي ومحاولاته تعزيز سلطته. على سبيل المثال، يشتكي الأكراد وبعض اللاعبين الشيعة الأساسيين، خصوصاً مقتدى الصدر، من محاولات المالكي إبعادهم عن السلطة.

سارع الصدر، الذي يملك تاريخاً طويلاً من المواجهات الشرسة مع المالكي، إلى استغلال تظاهرات الأنبار، معتبراً إياها الربيع العربي في العراق، إلا أن ذلك لم يمنح السنّة أي دعم يُذكر من أتباع الصدر ولا من المجتمع الشيعي الأشمل. صحيح أن بعض المتحدثين باسم الصدر من الجنوب زاروا الأنبار وعبروا عن دعمهم للسنة، إلا أن هذه كانت مجرد خطوات رمزية.

تكشف تظاهرات الأنبار أن العراق ما زال يعاني، رغم مرور 10 سنوات على سقوط صدام حسين، انشقاقات عشائرية وطائفية، وأن هذه تفاقمت أخيراً بسبب الصراع الدائر في سورية.

فقدت تظاهرات الأنبار أي فاعلية سياسية منذ انطلاقها، إذ سيطرت عليها الشعارات المناهضة للشيعة وأعلام عهد صدام حسين التي تحمل عبارة "الله أكبر" المكتوبة بخط يد هذا الحاكم المستبد. بالإضافة إلى ذلك، تضمنت التظاهرات في الأنبار عنصراً مناهضاً لإيران، عنصراً يعتبره مراقبون كثر أحد مظاهر المشاعر المناهضة للشيعة، فقد حمل بعض المتظاهرين صور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.

من الواضح أن هذه التظاهرات تعكس انقساما متناميا بين السنّة والشيعة داخل العراق وفي أرجاء المنطقة المختلفة، انقساما عززه الصراع السوري، ولكن لم يتبين بعد، في العراق على الأقل، مَن سيخرج منتصراً من كل هذه التطورات.

مع تواصل تهميش السنّة والأكراد واستفزازهما، سيلجأ المالكي إلى قاعدته الشعبية الشيعية بحثًا عن الدعم، وقد تعتبر هذه القاعدة الشعبية معارضة السنّة أو أي تمرد آخر تحدياً لمكانتها في المجتمع.

علاوة على ذلك، يبدو مستقبل العراق متقلباً نظراً إلى الغموض الذي يلف ما ستؤول إليه الأحداث في سورية، فقد تدور المعركة من أجل السيطرة على دمشق وما بعدها في جزء منها على الأراضي العراقية.

لا شك أن تنامي قدرات القوات السنّية وبروزها في المنطقة يعنيان أن الصدر ربما كان محقًّا في وصفه تظاهرات الأنبار بأنها النسخة العراقية من الربيع العربي، فما نراه اليوم هو، على نحو أدق، ربيع سني بدأ يبرز في العراق والمنطقة.

Ranj Alaaldin

back to top