وجهة نظر: خصخصة البورصة... استحقاق مؤجل!

نشر في 02-03-2013
آخر تحديث 02-03-2013 | 00:01
 د. عباس المجرن سوق الكويت للأوراق المالية، مؤسسة مهمة تتولى تنظيم عملية تداول أدوات التمويل طويلة الأجل، أي الأسهم والسندات التي تصدرها الشركات المدرجة في السوق، وهي أدوات تتسم بمعدل مخاطرة عالية نسبياً، وتتقاسم ملكيتها رؤوس أموال خاصة محلية وأجنبية اضافة الى حصص من المال العام، وهي بذلك تقوم بدور مالي واقتصادي شديد الأهمية، ويتوقف على درجة كفاءتها وحسن ادارتها استمرار عملية التمويل طويل الأجل الذي يشكل رافعة ضرورية وأساسية للنشاط الاقتصادي. فضلا عن ذلك فان غالبية رؤوس الأموال التي تساهم في ملكية تلك الأسهم والسندات هي مدخرات شخصية أو عائلية ينتمي أصحابها الى فئات دخل متوسطة ومحدودة، وهذا يضفي أهمية أخرى على هذه المؤسسة اذ ان انتعاش تداولاتها وأداء الشركات المدرجة بها يؤثران تأثيرا وثيقا في دخل ومستوى معيشة الأفراد والأسر.

ومن الطبيعي في ظل هذه الخصوصية أن تكتسب عملية خصخصة سوق الكويت للأوراق المالية أهمية خاصة، وأن تتجاذبها وجهات نظر ومصالح متباينة، وتحيط بها درجة مفرطة من الحساسية والتلكؤ، وتعترض سبيلها عقبات تشريعية ومالية وفنية. لذلك عهدت هيئة أسواق المال الى ثالث أكبر البنوك العالمية وهو بنك «إتش إس بي سي» العريق بدور المستشار المالي لعمليات خصخصة سوق الكويت للأوراق المالية والاشراف على إنشاء الشركة الجديدة التي ستمتلك السوق، وعهدت الى «آرنست ويونغ» إحدى أكبر أربع شركات محاسبة عالمية بدور المستشار المحاسبي لهذه العمليات، كما عهدت بدور المستشار القانوني الى «دي ال أيه بايبر» أكبر شركة محاماة في العالم بمقياس عدد المحامين، وثاني أكبر شركة بمقياس الدخل.

وبوجود بيوت خبرة عالمية بهذا المستوى، كانت تقديرات هيئة أسواق المال متفائلة بانجاز مشروع خصخصة البورصة الكويتية في مدة لا تتجاوز ستة أشهر حين تعاقدت مع هذه البيوت في يناير 2012.

ولكن كما هو حال مشروعات أخرى، تسبب قصور البنية التشريعية والتنظيمية المحلية في عرقلة المشروع، حيث وجدت هيئة أسواق المال من خلال المستشارين أن هذه البنية لا توفر القوانين الضامنة لحماية حقوق الأطراف المختلفة خاصة الشركات والمواطنين الذين سيمتلكون حصصا في الشركة الجديدة المالكة للبورصة، ولذلك تسعى الهيئة الى استصدار مرسوم بقانون خاص ينظم عمل شركة السوق وصلاحياتها ويضمن حقوق المساهمين. ومن يعرف دورة اجراءات صدور القوانين واقرارها ثم تفعيلها في الكويت يدرك كم سيكلف ذلك من وقت وجهد، ودع عنك الوقت والجهد الذي ستستغرقه إجراءات ترسية نصف رأسمال الشركة الجديدة في مزايدة الشركات المتقدمة من بين الشركات المسجلة في السوق وتوزيع الترسية على شرائح بنسبة 5 في المئة لكل منها.

أضف الى ذلك أن الحالة الراهنة للسوق التي تتسم بضعف نشاط التداول وانخفاض قيمته ليست هي المرحلة المواتية أو الأجدى من جانب تحديد قيمة عادلة لأصول السوق وعوائده المتوقعة. ولذا فان التوافق على تقييم مقبول من قبل مختلف الأطراف قد يتطلب هو الآخر وقتا وجهدا غير يسير.

اليوم يكون قد مر عام على الموعد الذي كانت اللائحة التنفيذية للهيئة قد حددته في الأساس لانجاز مشروع خصخصة البورصة. ويبدو أن تنفيذ هذا المشروع سيتطلب أشهرا طويلة أخرى في ظل بيئة محلية مترهلة تتسم بالتباطؤ وتأجيل الاستحقاقات، اذ مازالت تعترض خصخصة السوق عقبات قد لا تبدو كأداء بالمعايير العالمية، ولكنها كذلك في الكويت.

وأعتقد أنه بات مستحقا على هيئة أسواق المال أن تفصح بدرجة أعلى من الشفافية، وهي أي الشفافية، أحد أبرز مبررات انشاء الهيئة، عن حقيقة المشكلات والمعوقات التي تعترض مسار خصخصة السوق، لأن هذه قضية شأن عام لا خاص.

* أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت

back to top