حوار الطرشان: العقرب

نشر في 23-02-2013
آخر تحديث 23-02-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان المثل هو ترجمة للتجربة السيئة أو الجميلة التي يمر بها الإنسان، ومن الأمثلة الجميلة التي تدل دلالة واضحة على الصعوبة التي تواجه الإنسان وهو يحاول جاهداً التغيير من طباعه التي جُبل عليها، المثل القائل "الطبع يغلب التطبع".

وبرمزية في غاية الروعة كتب عبدالله بن المقفع عن هذا الطبع، الذي على الدوام يغلب التطبع، أن هناك عقرباً يقف على حافة النهر يريد عبوره، وحيث إنه لا يجيد السباحة، قال للضفدع، الذي يقفز في الماء مرحاً، هل باستطاعتك أن تقلني على ظهرك لتعبر بي إلى الضفة المقابلة من النهر؟

فقال الضفدع: لكنك ستلدغني، فرد العقرب قائلاً: إذا لدغتك ستموت وبالتالي سأموت تبعاً لذلك.

اقتنع الضفدع بمنطق العقرب وحمله على ظهره وفي منتصف النهر قام العقرب وبدافع من غريزته بلدغ الضفدع، فقال الأخير وهو يحتضر سنموت فرد العقرب إن "الطبع يغلب التطبع... يا سيدي".

ولو تخيلنا الديمقراطية التي ندعيها زيفاً، ونرفع شعارها كذباً، ونتشدق بمبادئها بهتاناً هي الضفدع. والانتهازيون والوصوليون وأصحاب الياقات البيضاء، كما قال لومبروزو، هم بمجموعهم العقرب، لوجدنا هؤلاء قد قالوا للديمقراطية: نريد أن نمتطي ظهرك الجميل لتنقلينا من عصر الجمود والتخلف، إلى ذاك العصر الحديث الذي تنعم فيه الشعوب الحية، حيث الحرية المساواة وتكافؤ الفرص، تنقلينا ونحن نستظل "بهودج" القانون الذي نصبتيه على ظهرك.

فتقول الديمقراطية: "من يريد أن يمتطي ظهري ويستظل بهودجي، عليه أولاً أن يؤمن بي إيماناً صادقاً، وعليه أن يقوم أيضاً بفتح مغاليق عقله، من أجل تطوير فكره، ولن يتأتى ذلك ما لم تقوموا بتقبل الآخر من ناحية، والقضاء على الأنانية وحب التملك المدفونين في صدوركم من ناحية أخرى.

فيرد الانتهازيون وغيرهم قائلين: لقد آلينا على أنفسنا أن نرسخ مبادئ الديمقراطية في المجتمع الذي نعيش في حاراته، غايتنا الكبرى رفعة المواطن والرقي به، لأن رفعته حتماً من رفعة الوطن.

عندها قالت الديمقراطية: مادمتم كذلك، وأنا أشك في ذلك، هيا امتطوا ظهري لأسير بكم نحو ساحات الحرية ومواطن التقدم.

امتطى الانتهازيون وغيرهم ظهر الديمقراطية وتمددوا عليه، إلا أنه ومع طول المسافة، أخذوا بأكل المبادئ التي أقسموا عليها أمام حضرة الديمقراطية، وقاموا بتحطيم "هودج" القانون الذي يستظلون به، فاستهانوا بمؤسسات الدولة، واعتبروها ملكاً خاصاً لهم ولذويهم، كما شرعوا في استعمال النفوذ لجمع الأموال عن طريق الأعمال غير المشروعة، وبسطوا سيطرتهم على أجهزة الدولة من أجل الاستئثار بكل شيء.

عندها قالت الديمقراطية بحسرة: لقد أرهقتموني بسوء فعلكم وثقل أوزانكم، الأمر الذي لم تعد معه أقدامي قادرة على الصمود، فأنا حتماً سأنهار وستنهارون معي أنتم وأطماعكم.

فرد الانتهازيون بصوت يردده الوصوليون وأصحاب الياقات البيضاء: "الطبع يغلب التطبع... يا سيدتي الجميلة"!

... والسلام.

back to top