الكبار... في دائرة الاتهام (2-2)

نشر في 27-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 27-07-2013 | 00:02
بعض الجرائم لا يمكن الوصول إلى فاعليها، فتظل عالقة في الهواء، لا القانون استطاع أن يكشفها ولا الشهود توصلوا إلى الفاعلين. على الرغم من ذلك يبقى الانتقام الإلهي قادراً، دون غيره، على تحقيق القصاص من المجرمين معدومي الضمير، الذين ساعدتهم الظروف في الهروب من فخ القبض عليهم، ناسين أن العدالة الإلهية لا تعرف عبارة «ضد مجهول».
اختفى الكاتب الصحافي المعروف رضا هلال منذ عصر يوم 11 أغسطس 2003... غادر مكتبه في  {الأهرام} بعدما طلب عبر الهاتف كيلو كباب من مطعم مشهور، ثم توجه عبر سيارة الصحيفة التي يقودها السائق سيد عبد العاطي إلى شقته في العمارة رقم 34 بشارع إسماعيل سري المتفرع من شارع قصر العيني... وشاهده السائق للمرة الأخيرة وهو يدخل من باب العمارة، بعدها انقطعت أخبار رضا تماماً..

أحضر عامل المطعم الوجبة المطلوبة فلم يفتح له أحد الباب... وأعلن البواب أنه لم يكن موجوداً لحظة وصول رضا لأنه كان يتسوق لسكان العمارة... لكن شقيق رضا عندما حضر لفتح الشقة، بعد يوم كامل من اختفاء رضا ،فوجئ بقفل موضوع على الباب وهو أمر غريب، فالشقة لم تغلق بالقفل من قبل... كذلك أفاد أحد المواطنين أنه شاهد رضا يغادر العمارة عند الثالثة و25 دقيقة ويمشي مسرعاً في شارع قصر العيني.

بمرور الأيام والأسابيع تحول اسم رضا هلال إلى عنوان كبير للغز غامض يحير البوليس والرأي العام المصري والعربي... أكدت التحريات أن رضا لم يغادر مصر وأن له خصومات فكرية مع بعض الصحافيين بسبب مبادئه الليبرالية وحبه للرئيس السادات.. وأنه رفض تأييد الغزو العراقي للكويت حينما كان في بغداد ما دفعه إلى الهرب بجواز سفر أردني خوفاً من تصفيته جسدياً على يد رجال صدام... وظل اللغز قائماً حتى ظهر بريق أمل عندما أعلن شقيق رضا أنه توصل إلى معلومات مهمة تفيد أن رضا على قيد الحياة، وفي سجن برج العرب في الإسكندرية.

توالت المفاجآت: الأولى مع البلاغ الجديد الذي قدمه شقيق الصحافي الكبير المختفي رضا هلال... أولها مطالبته بالتحقيق في المعلومات التي وصلت إلى الأسرة بوجود رضا في سجن برج العرب بالإسكندرية بعد ست سنوات من اختفائه... أما المفاجأة الثانية فكانت مطالبة النيابة بالتحقيق مع المرأة صاحبة الصوت المسجل على جهاز  {الآنسر ماشين} في الهاتف الأرضي في منزل رضا والتي كانت تهدده، في المكالمة، بعلاقتها بأسرة الرئيس السابق حسني مبارك... أما المفاجأة الثالثة فكانت اتهام جمال مبارك نفسه بالتخلص من رضا بسبب المقالات الصحافية النارية ضده وحملاته ضد توريث الحكم... والمفاجأة الرابعة ظهور ثالوث الأسماء الذي دخل ملف القضية وضمّ إلهام شرشر وزوجيها السابق أشرف السعد والحالي – وقت البلاغ – حبيب العادلي...  وكانت المفاجأة الخامسة إشاعات حول لتخلص من جثة رضا بعد قتله بإذابة عظام الجثة بمواد كيماوية أو دفنها داخل عمود خرساني، وإن كان حياً بإدخاله بعد تعذيبه مستشفى الأمراض العقلية... وراء كل مفاجأة كانت حكاية مثيرة!

 

سجن برج العرب

تقدّم أسامة عبد الرحمن هلال، مدير في التربية والتعليم بالسنبلاوين وشقيق رضا ببلاغ قال فيه إنه وردت معلومات شبه مؤكدة إلى الأسرة عن وجود شقيقه رضا في أحد سجون الإسكندرية... وبسؤال النيابة له عن مصدر المعلومة أجاب أن الأسرة تلقت مكالمة هاتفية من أحد الأشخاص تفيد بوجود رضا في سجن برج العرب... لكن عندما ذهب إلى السجن للسؤال عن شقيقه، لم يصل إلى أي معلومات... كذلك أكد أنه تلقى ثلاث مكالمات أخرى في أبريل 2009 على هاتفه المحمول تفيد أن شقيقه لن يظهر إلا بعد تغيير النظام... موضحاً أنه تردد على جهات أمنية مثل المخابرات وأمن الدولة والمباحث ومنظمات حقوق الإنسان، وغيرها من دون أن يتوصل إلى أي معلومة عن شقيقه، لافتاً إلى أنه لم يتعرّف إلى الشخص المتصل ولم يحتفظ برقم هاتفه.

حمل البلاغ رقم 15362، ومع ذلك انتهت التحقيقات إلى عدم وجود رضا في سجن برج العرب أو أي سجن آخر، لكن البلاغ تضمن واقعة أخرى خطيرة تؤكد أن الأسرة عثرت على رسالة مسجلة على جهاز الآنسر ماشين في هاتف رضا الأرضي، بصوت امرأة تهدده... وأنها تشك بأن صاحبة هذا الصوت هي الصحافية إلهام شرشر زوجة وزير الداخلية آنذاك، اللواء حبيب العادلي، وأشيع أنها ترتبط بعلاقة قرابة مع سوزان مبارك زوجة رئيس الجمهورية المخلوع حسني مبارك، إنما لم تكن معلومة  {القرابة} هذه حقيقية ولا تمت إلى الواقع بصلة من قريب أو بعيد.. إلا أن اسم إلهام شرشر صار على كل لسان بعد هذا الاتهام... فمن هي إلهام شرشر؟ وكيف قفزت إلى الأضواء بهذه السرعة؟

إلهام صحافية ممتازة مهنياً وفوق مستوى الشبهات إنسانياً... وليس في زواجها من رجل الأعمال أشرف السعد أو وزير الداخلية حبيب العادلي ما يسيء إليها... لكن ضريبة زواجها من شخصيات عامة وضعتها في دائرة الضوء وجعلت حياتها الخاصة مستباح الخوض فيها في حدود التحقيقات وما يفيد الصالح العام، ويبرئها شخصياً...أو يدينها...

كان الزواج الأول لإلهام عندما تعرفت إلى رجل الأعمال أشرف السعد أثناء تغطيتها الصحافية لقضية توظيف الأموال المتهم فيها، ولأن الحب لا زمان له ولا مكان، فقد وقع أشرف في غرام إلهام وطلب يدها، وتزوجا يوم الخميس 26 يناير 1995 الموافق 25 شعبان 1415 هجرية بمسجد رابعة العدوية بمدينة نصر في تمام الرابعة عصراً... وتضمنت وثيقة الزواج المعلومات التالية:

... تم عقد قران رجل الأعمال أشرف السعد – مصري الجنسية – والمولود في 1 يناير 1954 بالقاهرة، ويحمل بطاقة رقم 595295 على الآنسة إلهام سيد سالم شرشر – مصرية الجنسية – والمولودة في 23 يناير 1963 والمقيمة في 112 شارع النزهة الجديدة وتحمل بطاقة رقم 25771 وعلى الصداق والحال المؤجل بينهما... وبشهادة كل من الدكتور عبد المنعم إسماعيل محمد (أستاذ جامعي)، والطبيب سامي محمد سعيد عبد العزيز...

سرعان ما انفصل الزوجان، وكما كان الزواج مفاجئاً كان الطلاق أيضاً، بعدما قرر أشرف الإقامة في لندن ورفضت إلهام مغادرة مصر أو ترك وظيفتها الصحافية في  {الأهرام}... واتجهت عين الحسود إلى إلهام التي حققت ثروة طائلة خلال أشهر زواجها القليلة، بالإضافة إلى شقتها التي تجاوز ثمنها مليون دولار وتقع أمام حديقة الأسماك بحي الزمالك، أحد أرقى أحياء القاهرة.

زوجة وزير الداخلية

ويبدو أن الحظ اعتاد أن يلعب مع إلهام لعبته الشهيرة سواء بالابتسامة العريضة، أو التكشيرة المؤلمة!... فقد أسندت جريدة {الأهرام} إليها تغطية أخبار وزارة الداخلية، وبعد فترة وجيزة عيّن اللواء حبيب العادلي وزيراً للداخلية... وكان طبيعياً أن يكون ثمة لقاء أو أكثر بين الوزير والصحافية التي تتمتع بجمال فائق... وفوجئت إلهام بأن الوزير المرعب الذي بدأ يشتهر بأنه يحكم بالحديد والنار قد وقع في غرامها، وبأن الأسد المخيف تحول أمامها إلى عصفور رقيق...

 كانت الظروف مهيأة أمام الأسد الأمني والغزال الصحافي... هو رحلت زوجته عن الحياة تاركة له ثلاث بنات، وكانت أمنية عمره أن ينجب ولداً... لكنه ظل وفياً لزوجته وبيته حتى توفيت أم البنات، وهي مطلقة وجميلة وفي ريعان الشباب... وزواجها من وزير الداخلية سوف يصعد بها إلى قمة الشهرة، وبالتالي ستتباهى مستقبلاً بأنه لم يدخل حياتها من الرجال سوى الكبار.

عرض وزير الداخلية ظروفه على زوجة الرئيس مبارك ليستأذن في الزواج من إلهام، خصوصاً أن سوزان مبارك سبق أن اعترضت على زواجه من حسناء مغربية، مؤكدة له أنه لا يجوز لوزير داخلية مصر أن يتزوج من أجنبية... لكنها وافقت، هذه المرة، على زواجه من صحافية في  {الأهرام} شرط أن تبعتد زوجته عن الأضواء منعاً لإحراجه أو إحراج الرئيس.

لم يمر زواج العادلي وإلهام مرور الكرام، فقد بدأت الهمسات تعلو في الأوساط التي تسرب إليها خبر الزواج عام 2000، وكان الانتقاد كله موجهاً إلى الوزيرأولا لأنه تزوج من مطلقة شخص مفروض أنه مطلوب للعدالة، بينما هو وزير الداخلية! وثانياً لأن الوزير عاش مع إلهام في الشقة التي أهداها إياها مطلقها أشرف السعد...

لكن الوزير لم يعبأ بهذه الانتقادات، خصوصاً أن إلهام حققت له حلم العمر وأنجبت له ولداً... وبسرعة البرق صار اسم المولود على كل لسان في وزارة الداخلية... عرف الجميع شريف على رغم صغر سنه ولقبوه بولي العهد... بينما شعرت إلهام بأهميتها ومتانة موقفها، فللمرة الأولى هي زوجة وأم وتتربع في قلب الرجل الذي يحكم مصر من خلف ستار.

علاقة رضا هلال

لكن ما علاقة الصحافي المختفي رضا هلال بكل هذه التفاصيل؟! الإجابة تأتي في أعقاب طلاق إلهام من حبيب العادلي وقبل عودتها إلى عصمته مرة أخرى... ففي مثل تلك الفترات تتداخل الإشاعات بالحقائق... وتختلط الأمور... فالسبب المعلن للطلاق كان غضب الوزير من خروج زوجته إلى الأضواء... وظهورها في المناسبات باعتبار أنها زوجة الرجل المهم... لكن يكتشف الوزير بعد الطلاق أن حبه لإلهام ليس فقط حب رجل لامرأة... وإنما حب رجل لأم ابنه الوحيد... فيعيدها إلى عصمته...

 إنما السبب غير المعلن الذي تردد على شفاه البعض فكان الغرام القديم لرضا هلال بزميلته في {الأهرام} صاحبة الحسن والجمال والدلال إلهام شرشر... ومحاولة رضا الاتصال بها هاتفياً... إلا أنها لم ترد عليه... وعلى رغم ذلك، كما يقولون، وضع الوزير رضا هلال في رأسه، بل قرر التخلص منه عندما تحين الفرصة.

 وتردد أن العادلي وجد في الحملة التي شنها رضا هلال ضد التوريث ونشر مقالاته الساخنة ضد جمال مبارك، فرصته الذهبية فقصد سوزان مبارك، أكبر مؤيدة لتوريث ابنها حكم مصر، وأقنعها بأن رضا هو أخطر عدو لوصول جمال مبارك إلى الحكم... بالتالي تغض حرم الرئيس النظر عن انتقام الوزير من رضا!

إلهام في التحقيقات

فور قيام ثورة يناير 2011، وبالتحديد في 30 مارس قدم شقيق رضا بلاغاً آخر اتهم فيه إلهام شرشر بأنها صاحبة الصوت المسجل على جهاز  {الأنسر ماشين} الذي هدد رضا، وقالت له في نهاية المكالمة ساخرة:  {عيد سعيد.. باي.. باي}... كذلك اتهم شقيق رضا في بلاغه ما يسمى بالتنظيم السري لوزارة الداخلية باختطاف أخيه، وقدم وثيقة سرية – صورة ضوئية منها – تفيد بأن الرائد حسين صلاح المشرف على التنظيم هو الذي خطف رضا ونقله إلى مقر التنظيم في فرع أمن الدولة بجابر بن حيان، وبعدما كتفوه وعذبوه إلى أن فقد الوعي، نقلوه باسم مستعار إلى مستشفى الأمراض العقلية، عنبر الخطرين.

واستمعت النيابة إلى شهود كثيرين، كما استدعت إلهام شرشر التي أقرت بالآتي:

* اسمي إلهام سيد سالم شرشر... العمر 48 سنة... كاتبة صحافية، ونائب رئيس تحرير جريدة  {الأهرام}... رضا هلال مجرد زميل مثل باقي الزملاء... لم يسبق أن قابلته، لأنه يعمل بجريدة  {الأهرام} الاقتصادي... ولا علاقة لي معه مباشرة أو غير مباشرة.

* وما رأيك بما نسبه إليك شقيق السيد رضا هلال؟

** غير صحيح على الإطلاق وليس لديه أي دليل... صلتي بـ  {الأهرام} مقطوعة منذ عام 2000 لأنني أخذت إجازة من دون مرتب لمدة ثماني سنوات عقب زواجي ولم أتردد على الجريدة منذ ذلك الحين.

* وما رأيك بالمكالمة المتروكة على جهاز  {الأنسر ماشين} التي أسمعتك إياها النيابة؟

** ليس صوتي... ولا أعرف صوت من... وأنا لم أتصل برضا على الإطلاق.

* وما رأيك بما نسبه إليك أحد الشهود من أن سبب طلاقك مكالمة هاتفية بينك وبين رضا دفعت زوجك وزير الداخلية إلى الانتقام من رضا وقتله؟

** هذا كذب وافتراء... وسب وقذف بحقي... وسوف أقاضي صاحب هذا الاتهام جنائياً ومدنياً لأن لا دليل على الإطلاق على صحة هذه المزاعم.

 وهكذا وجدت إلهام شرشر نفسها داخل جملة مفيدة في واحدة من أخطر الحوادث الجنائية في مصر... لكنها تحدت أن يقدم أي شخص دليلاً على المزاعم التي تتردد... وفوضت أمرها إلى الله... وعادت إلى بيتها... والتزمت الصمت... وأغلقت هواتفها...

المهم أن التحقيقات انتهت إلى لا شيء... وقيد الحادث ضد مجهول... ولم يبقَ سوى الإشاعات والاجتهادات والاحتمالات ومنها:

* تم قتل رضا وإذابة جثته بالجير الحي والمواد الكيماوية ودفن ما تبقى في مكان مجهول!

* دفنت جثة رضا في عمود خرساني لأحد الأبراج السكنية ما يستحيل الوصول إليه ذات يوم.

* وجود رضا داخل مستشفى الأمراض العقلية بعد أن أفقدوه عقله!

* ما زال اللغز قائماً حتى الآن على رغم مرور 10 سنوات.

(البقية في العدد المقبل)

back to top