فرصة الليبراليين العرب «الذهبية»

نشر في 14-08-2013
آخر تحديث 14-08-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي -1-

لا شك أن دولة "الإسلام السياسي"، في مصر الكبرى، قد انهارت،

وربما كان هذا الانهيار من الضخامة، والقوة "المزلزلة"، ودقة الظرف، قد أدى بدولة "الإسلام السياسي"، إلى زوال من غير رجعة.

فمن الصعب على دولة يتولاها "الإخوان المسلمون" أو "حزب النور" السلفي، أو حتى بعض شيوخ الأزهر من الطامعين بالسلطة السياسية إلى جانب السلطة الدينية، أن تقوم في مصر ثانيةً، بعدما عانى المصريون المُرَّ من حكم "الإسلام السياسي" المُزوَّر، والمُختَطف، على حد تعبير المفكر الليبي الراحل الصادق النيهوم في كتابه "إسلام ضد الإسلام"؛ وكان يعني بذلك معنى صحيحاً، من أن إسلام "الإسلام السياسي" الذي شهدته مصر في السنة الماضية، كان ضد الإسلام النقي والقويم.

إذن، فقد انهارت دولة "الإسلام السياسي" المزيف، والمُختَطف في مصر، وعاد بعض الليبراليين المتنورين العصريين، ليحكموا مصر، ويعيدوها إلى المسار الليبرالي المتعثر، والمتواضع، والشاق كذلك.

-2-

ولا أظن، أن مصر يمكن أن تُكرر تجربة حكم "الإسلام السياسي"، المتمثل بـ"الإخوان المسلمين" في المستقبل القريب.

والمؤشرات السياسية، والإعلامية العربية، والعالمية، الأولية، تقول إن "الإخوان المسلمين" خسروا اليوم في مصر وخارجها، خسارة أكبر من الخسارة التي خسروها في الأربعينيات من القرن الماضي، والتي راح ضحيتها مجموعة من كبار المسؤولين المصريين، وعلى رأسهم النقراشي باشا (1888- 1948) رئيس وزراء مصر لمرتين. كما راح ضحيتها الشيخ حسن البنا (1906- 1949) نفسه بعد ذلك.

وكانت كل الظروف الدولية والإقليمية تختلف عما هي عليه الآن من حيث:

1- لم يكن الإعلام بهذه القوة والتنوع اللذين هو عليهما الآن، بحيث يستطيع المتلقي متابعة ما يجري أولاً بأول، ولحظة بلحظة.

2- لم يكن الوعي السياسي الإسلامي والعربي، بالقدر الذي هو عليه الآن.

3- لم تكن الأحزاب السياسية الدينية الأصولية والسلفية كـ"الإخوان المسلمين" وحزب "النور" السلفي، بمثل هذه القوة وهذا التنظيم، كما هما الآن.

4- لم يكن الإرهاب العنيف قد انتشر في العالم بعد، ولم تكن كارثة 11 سبتمبر 2001 قد وقعت.

5- لم تكن الجماعات الدينية المسلحة قد نشأت، بعد أن خرجت من عباءة "الإخوان المسلمين".

6- لم يكن الشقاق والصدام بين المسلمين والمسيحيين في مصر، قد بلغ الحد الذي بلغه الآن.

7- لم تكن السلطة المصرية العسكرية، قد طاردت، وعذَّبت، وسجنت، وشرَّدت "الإخوان المسلمين"، كما فعلت بهم في عهد عبدالناصر، والسادات، ومبارك.

8- لم يكن "الإخوان المسلمون"، قد نكبوا نكبتهم الكبرى في سورية عام 1982، في مذبحة حماة، حيث قُتل أكثر من عشرين ألف قتيل.

9- لم يكن "الإخوان المسلمين" بالقوة والانتشار والتمركز الذي هم فيه الآن في العالم العربي، والإسلامي، والدولي.

10- وأخيراً، لم تكن السلطات العربية ضعيفة وهزيلة كما هي الآن، ولم يكن الشارع العربي واعياً وقوياً كما هو الآن، من خلال ما يُطلق عليه "الربيع العربي".

-3-

لقد أصبح الرأي العام العربي والإسلامي مستعداً لسماع الليبراليين العرب الآن، كما لم يكن في أي وقت مضى، بعد أن جرَّب حُكم من ركبوا موجة "الإسلام السياسي"، ورأى هذا الشارع- بأم عينه- الاختلاف الفظيع والشنيع بين الشعارات الدينية والتطبيق على أرض الواقع. فعلى الليبرالية العربية، أن تغير فوراً من طروحاتها وتتبنى الخطوات التالية إذا أرادت أن تنفذ فعلاً في العالم العربي وتفوز بما تحلم أن تحققه: 1- من الواضح أن الإسلام النقي والقويم قد اختُطف من الأصوليين والسلفيين الذين حكموا باسم "الإسلام السياسي"، وعلى الليبرالية العربية أن تُعيد هذا الإسلام المختَطف إلى المسلمين، نقياً وطاهراً وقويماً. 2- أصبحت الأصولية والسلفية الدينية، تدَّعي أنها، هي الوصية على الإسلام، والحافظة له، والناقلة لأفكاره وآثاره، فعلى الليبرالية العربية أن تعلم عن الإسلام أكثر مما تعلم الآن. وعليها أن تثقف نفسها وكوادرها دينياً. 3- إن ما يُقنع الشارعين العربي والإسلامي المتدينين تديناً شعبياً، هو التبسيط والتوضيح، فعلى الليبراليين العرب أن يكونوا بسيطين وواضحين في مخاطبتهم للجمهور. 4- على الليبرالية العربية أن تقتفي خطوات الزعيم التونسي الأكبر الحبيب بورقيبة حين أصلح المجتمع الإسلامي التونسي، من داخل الإسلام، وليس من خارجه، وأشرك معه جماعة من شيوخ جامع الزيتونة (أزهر المغرب العربي) في إنتاج (مجلة الأحوال الشخصية)، عام 1957، والتي جرى تطبيق الكثير من بنودها في المغرب فيما بعد. وأعطت المرأة خصوصاً حقوقها الدينية والمدنية، التي كانت مهضومة. 5- على الليبراليين العرب أن ينفوا نفياً تاماً أي علاقة لهم بالليبرالية الغربية، التي تُرمى عادة بالدعارة والانفتاح الاجتماعي الجنسي الإباحي. 6- على الليبراليين العرب التركيز على أن ليبراليتهم ليبرالية إسلامية، ففي الإسلام جوانب ليبرالية كثيرة مخفية بحاجة إلى باحثين ومنقبين. فكما أن الأصولية والسلفية وجدتا في الإسلام ما يخدم أغراضهما السياسية ويؤيد طروحاتهما، فالليبرالية العربية سوف تجد كذلك ما يخدم أغراضها، ويؤيد طروحها. فالإسلام كما قيل "حمّال أوجه"، وسبق للمفكر المصري حسن حنفي أن قال، في محاضرة له في مكتبة الإسكندرية "إنك تجد في الإسلام كل ما تريد من الشمال إلى الجنوب". 7- يجب الرد على طروح الأصولية والسلفية من نصوص إسلامية، وما أكثرها. وقد كان الليبراليون العرب في الماضي، يردون على الأصولية والسلفية في أقوال عمر بن الخطاب مثلاً، وغيره من الصحابة الكرام، بأقوال لماركس، وأنجلز، وهيغل، وديكارت. وهذا خطأ كبير وفادح، فالرد الليبرالي العربي، في مثل هذه الحالة يجب أن يتم بأقوال لأبي حامد الغزالي، وابن رشد، ومحمد عبده على الأقل؛ أي من داخل الإسلام المستنير، وهو ما فعله الزعيم المنفتح بورقيبة في عام 1957، وما بعد ذلك، كما يقول لنا الباحث التونسي لطفي حجي، في كتابه عن بورقيبة "بورقيبة والإسلام... الزعامة والإمامة". 8- على الماركسيين العرب، ألا يتحدثوا عن الليبرالية، ويجب ترك الحديث والدعوة إلى الليبرالية إلى كتّاب ومفكّرين ليبراليين معتدلين كطه حسين، ومحمد عابد الجابري "مغربي"، والصادق النيهوم "ليبي"، ورجاء بن سلامة "تونسية"، وفاطمة المرنيسي "مغربية"، وعزيز العظمة "سوري"، وعبدالمجيد الشرفي "تونسي" ومحمد أركون "جزائري"، وهاشم صالح "سوري"، ونصر حامد أبو زيد "مصري"، وحسن حنفي "مصري"، وإبراهيم البليهي "سعودي"، ويوسف أبا الخيل "سعودي"، وغيرهم.

(وللموضوع صلة، فإلى الأسبوع القادم إن شاء الله)

* كاتب أردني

back to top