الوحيدة في الكرة الأرضية!

نشر في 29-04-2013
آخر تحديث 29-04-2013 | 00:01
 مجدي الطيب لم أكن أتوقع، وأنا في طريقي لحضور {منتدى ليالي الخليج}، الذي يُعقد عند منتصف الليل على هامش فعاليات الدورة السادسة لمهرجان الخليج السينمائي، بأنني سأكون على موعد مع مناقشة مثيرة ومحاولة جريئة للإجابة عن السؤال الذي يُحيرنا جميعاً: {هل يمكن أن تكون هناك سينما في دولة تخلو من صالات العرض؟}!

الدولة المعنية بالسؤال هي المملكة العربية السعودية، التي تُعد الدولة الوحيدة في الكرة الأرضية، التي تحظر إقامة صالات تجارية للعروض السينمائية، حسب تأكيد أحد المتحدثين السعوديين في المنتدى. ورغم البحث عن أسباب ودواعي الحظر, فإن الإجماع كان كبيراً على أن التيار الديني المتشدد أدخل في روع الناس هناك أن {السينما شرٌ مستطير} وأنها {رجسٌ من عمل الشيطان}، وأن {صالات العرض التجارية ستسهم في شيوع الفاحشة نتيجة الاختلاط بين الرجال والنساء}!  

المفاجأة أن الكاتب الصحافي السعودي رجا المطيري قدم، في المناقشة التي أدارها المخرج السعودي عبد الله العياف، ما يشبه الدراسة التاريخية التي تؤكد أن عروض الأفلام السينمائية المصرية والأميركية العامة في النوادي كانت مُتاحة للمواطنين السعوديين في فترة مبكرة، لكنها اختفت بعد زيادة سطوة التيار الديني، والهجوم على الحرم المكي (فجر يوم 1 محرم 1400 الموافق 20 نوفمبر1979)، الذي أربك حسابات أصحاب القرار السياسي، حسب المطيري، وزاد من سطوة التيار الديني المحافظ، فضلاً عن الخوف الذي قال المطيري إنه يلازم المجتمع السعودي حيال كل طارئ وجديد، كما فعل مع الإذاعة والتلفزيون، اللذين واجها رفضاً قاطعاً في فترة الستينيات، وصل إلى حد المواجهة المسلحة قبل أن يُصدر الملك فيصل قراراً سياسياً بإباحتهما، تماماً مثل قراره السياسي بتعليم الفتيات السعوديات، وهو الرفض الذي يتكرر الآن مع السينما والحفلات الغنائية بما يعني أن رفع الحظر عنهما في حاجة إلى قرار سياسي آخر جريء وشجاع!

المفارقة أن المتحدثين، وكان من بينهم المؤلف عبد المحسن ضبعان والمخرجان بدر الحمود وطلال عايل، فجروا قنبلة بتأكيدهم أن السوق السعودي يُعد الأكبر في مجال بيع شرائط الفيديو والأقراص المدمجة التي تحتوي على أفلام سينمائية، والجمهور هناك متعطش للسينما بدليل المليون مشاهد الذي حرص على متابعة الفيلم الروائي القصير السعودي  {مونوبولي}، من تصوير بدر الحمود وإخراجه، عند بثه عبر {اليوتيوب}، فضلاً عن ظاهرة نزوح السعوديين إلى دول الخليج لمشاهدة أحدث الأفلام السينمائية؛ حيث يمثل الجمهور السعودي نسبة 90% من مشاهدي السينما في البحرين، حسب ما ذكر عبد الله العياف. لكن هذا الإقبال العريض على اقتناء الأفلام ومتابعة أحدثها في المنازل السعودية، والترحيب بالسفر لمشاهدتها في الدول الخليجية، ينقلب إلى رفض قاطع إذا كان الأمر يتعلق ببناء صالات عرض تجارية على أرض المملكة؛ حيث يرى كثيرون أن في الخطوة {نوع من المجاهرة بالمعصية}، بينما يرى المخرج السعودي الشاب بدر الحمود أن التيار الديني المتشدد ينظر إلى المسألة بوصفها {معركة وجود}، وفي حال انتصار السينمائيين السعوديين في بناء الصالات، والسماح بقيادة المرأة السعودية للسيارات، فإن هذا يعني سقوط هيبته وسلطته وانتفاء السبب في استمرار بقائه!

تفسير آخر ساقه شاب سعودي، جدير بالوضع في الاعتبار، قال فيه إن الخوف من التأثير القوي للسينما في نفوس الناس هو الذي يثير رعب وقلق التيار المحافظ، ويدفعه إلى التشبث بحظر بناء الصالات، والحيلولة دون إقامة المهرجانات السينمائية على أرض السعودية؛ بدليل نجاحهم في إجهاض أكثر من محاولة لافتتاح عروض سينمائية، مثل فيلم {مناحي}، وتعطيل مسابقة الأفلام السعودية، وتجميد مهرجان {جدة}، ومن قبله المهرجان الذي أقيم في الدمام وحضره وزير الإعلام والثقافة أنذاك!

بالطبع تطرق الحديث، في تلك الأمسية الممتعة، إلى الدور الغائب للمستثمر السعودي، الذي تجاهل دعم حركة شباب السينمائيين السعوديين، وتخاذل عن بناء صالات عرض تجارية، وعجز، ومعه الدولة نفسها، عن استثمار نجاح فيلم {وجدة} للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، وفوزها بجوائز في المهرجانات الإقليمية والدولية، في إعادة الاعتبار إلى السينما، ومواجهة جماعة {الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر}. إلا أن ثمة رأياً استنكر التركيز على قضية الربط بين غياب الصالات وعدم وجود صناعة سينما في السعودية، وطالب بإنتاج أفلام تتوافق والثقافة المجتمعية، وتحفز المواطن السعودي على الدفاع عن حق السينما في الوجود. لكن الرأي الذي اتفق عليه الجميع أن {وجود صالات السينما ضرورة لأنها تشكِّل صناعة، أما المهرجانات فهي تصنع تجارب}، وأن من حق السعوديين، كما قال المخرج السعودي طلال عايل، {امتلاك صالات سينما نشاهد فيها الأفلام لنسعد ونبتهج كالبشر}.

back to top