علم الارتجاع العصبي... أنا أفكر إذاً أستطيع الشفاء

نشر في 30-04-2013 | 00:01
آخر تحديث 30-04-2013 | 00:01
No Image Caption
لنتخيل أن تكون معالجة المرض العقلي بسيطة بقدر لعبة الفيديو، لكن يكون العقل في هذه الحالة هو المسيطر على الوضع. هذه الفكرة ليست حقيقية فحسب بل إنها ركيزة علاج بدأ يكسب اهتماماً متزايداً في الأوساط الطبية وبين المرضى الذين يؤكدون على آثاره الشافية، ويحمل اسم الارتجاع. التفاصيل من كاتي دروموند في the verge.
بعدما صُنّف علم الارتجاع العصبي طوال عقود في خانة العلوم الكاذبة، يأمل المدافعون عنه الآن أن تتمكن الأبحاث الجديدة من إحداث ثورة فعلية من شأنها أن تحوّل العلاج إلى معيار نموذجي للعناية بآلاف المرضى.

يصف مزاولو الارتجاع العصبي الأمر بالعملية التي تحفّز نشاط الموجات الدماغية من أجل معالجة مختلف الحالات الصحية. بحسب رأيهم، يمكن معالجة الأمراض عبر تفعيل إمكانات الارتجاع العصبي: فضلاً عن معالجة الاضطراب النفسي ما بعد الصدمة والإدمان، يمكن أن يرتاح المصابون بالتوحد، واضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه، والاكتئاب، والقلق، والصداع النصفي، والأرق، والتراجع المعرفي المرتبط بالسن، وحتى عوارض ما قبل الدورة الشهرية، بعد سلسلة من الجلسات. بعبارة أخرى، إذا أثرت أي مشكلة على الدماغ، يمكن أن يساهم الارتجاع العصبي في حلها.

إنه ادعاء مبالغ فيه لكن يشيد عدد من المرضى الذين جربوا الارتجاع العصبي وتحدثوا مع مجلة The Verge بالعلاج لأنه ينجح في تحديد طبيعة أمراضهم. كذلك، تشيد به مريضة تعمل في مصرف استثماري وكانت تشكك بالارتجاع العصبي سابقاً، وذلك بعدما ساهم العلاج في تعافيها من المشاكل المزعجة التي واجهتها غداة جراحة لاستئصال ورم دماغي (رؤية مزدوجة، صعوبة في المشي، اختلالات حادة في الذاكرة). جذبت هذه الممارسة الاهتمام تدريجاً في الأوساط العسكرية أيضاً: يستعمل الأطباء في قاعدة {فورت هود}مقاربة الارتجاع العصبي كجزء من برنامج لعلاج الاضطراب النفسي ما بعد الصدمة ويقوم الباحثون في مركز البحرية الطبي في سان دييغو بتجربة عيادية حول الارتجاع العصبي لمعالجة تلك الحالة نفسها. اعتمد طبيب مختص بعلم النفس العسكري، هو الرائد مايكل فيلانويفا (يلقّبه الجنود الذين يعتني بهم بـ{الساحر})، على تلك المقاربة خلال مهمة دامت 12 شهراً في أفغانستان في السنة الماضية.

قال فيلانويفا لمجلة The Verge: {يمكن أن يكون الجيش على مستوى عالٍ من التشكيك والتحفظ. لكن إذا نجحت أي مقاربة لا يتردد باستعمالها، وقد نجح الارتجاع العصبي. لا أشك في أن الجيش سيتبنى هذه المقاربة}. أكد فيلانويفا على أنه استكمل أربعة آلاف جلسة من الارتجاع العصبي في أفغانستان، وكان معظمها يهدف إلى محاربة الصدمات والاكتئاب والأرق. وصفت 12 شهادة أدلى بها المرضى وذكرها فيلانويفا في The Verge تقنية الارتجاع العصبي بعبارات مثل {مدهشة} و{كفيلة بتغيير الحياة}.

عملية بسيطة

ظاهرياً، تبدو عملية الارتجاع العصبي بسيطة بما يكفي: يضع الطبيب أقطاباً كهربائية متنوعة على فروة رأس المريض، ويهدف موقعها هذا إلى تحفيز الموجات الدماغية المرتبطة بأي نوع من الأمراض التي تتم معالجتها. ثم يلعب المريض لعبة فيديو معدة خصيصاً لجلسة الارتجاع العصبي عبر استعمال الدماغ حصراً. تُسجَّل نتائج إيجابية في تلك اللعبة (تحلّق سفينتك الصاروخية بسرعة أكبر في الكون مثلاً) حين تبلغ ترددات الموجة الدماغية النطاق المستهدَف. صرّح الطبيب سيغفريد أوثمر الحائز شهادة دكتوراه في The Verge: {لنتخيل أن الأمر يشبه حلقة ارتجاعية. يتجاوب الدماغ مع التعزيزات الإيجابية وينشط بطريقة تضمن أن يقدم الأداء الأمثل. مع مرور الوقت، يؤدي الوضع إلى تغييرات دائمة}. ترك أوثمر الذي تدرّب كعالِم فيزيائي مهنته الناشئة في الأوساط الأكاديمية في عام 1989 لإطلاق عيادة متخصصة بالارتجاع العصبي تحمل اسم {معهد رسم الدماغ الكهربائي}، بعدما لاحظ فاعلية العلاج في تحسين حالة ابنه المصاب بالصرع.

لكن حتى الفترة الأخيرة، لم يصدق معظم الخبراء في مجال علم الأعصاب والطب النفسي فاعلية هذه التقنية الغريبة التي تركز على إعادة تدريب الموجات الدماغية. في البداية، أوصى علماء الأعصاب في جامعة كاليفورنيا- لوس أنجليس وفي جامعة شيكاغو بهذه العملية خلال حقبة الستينيات ولكنهم فشلوا في كسب الدعم. وفي كل مرة كان الارتجاع العصبي ينجح في جذب انتباه الجهات المعنية، كانت النتائج الإيجابية تبقى ضئيلة: حذر بعض التحليلات الحديثة من أن هذه المقاربة تحمل إمكانات ضعيفة أو حتى معدومة وأن الدراسات التي تشيد بمنافع الارتجاع العصبي تفتقر إلى التصميم المناسب وتقيّم أعداداً صغيرة من المرضى. ذكر تحليل نُشر في مجلة {العلم والعلوم الكاذبة}: {إذا أراد المدافعون عن الارتجاع العصبي تسويق علاجهم، فيجب أن يفعلوا ذلك استناداً إلى تجارب فاعلة تشمل اختبارات تجريبية قوية}.

لكن انطلقت دراسات أدق الآن وتبدو النتائج مثيرة للاهتمام. في إحدى الدراسات التي نُشرت حديثاً، أجرى فريق من جامعة مونتريال تجربة عن الارتجاع العصبي وكانت تهدف للمرة الأولى إلى تحليل التغييرات في بنية الدماغ غداة العلاج. خلال فترة امتدت على 13 أسبوعاً، خضع 15 مريضاً لجلسات الارتجاع العصبي ثلاث مرات أسبوعياً بهدف تعزيز مستويات الانتباه لديهم، بينما خضع 15 مريضاً آخر لجلسات مزيفة. لوحظ تحسن في مستويات الانتباه البصري والسمعي عند المرضى الذين خضعوا لجلسات حقيقية من الارتجاع العصبي، وقد كشفت فحوصات الرنين المغناطيسي أن أدمغة هؤلاء المرضى سجلت تغييرات بنيوية في مناطق مرتبطة بمهارات الانتباه.

قال جيمي غزيري، الذي شارك في إعداد الدراسة ويعمل على كسب شهادة الماجستير في علم الأعصاب من جامعة مونتريال، لمجلة The Verge: {إنها أول دراسة تدقق بالتغييرات في بنية الدماغ غداة جلسات الارتجاع العصبي. بالنسبة إلي، إنها نتيجة مهمة وآمل أن يدقق الأطباء الذين يشككون بالارتجاع العصبي بالدراسة وأن يعيدوا النظر بآرائهم}.

خطوة واعدة

بعد تحليل نتائج الدراسة الجديدة، بدأ بعض المشككين السابقين على الأقل يعيد النظر. قال أندرو لوشتر، أستاذ في قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة كاليفورنيا- لوس أنجليس لـ The Verge: {يشير ذلك إلى أن الارتجاع العصبي يؤثر فعلاً على الدماغ ويحسن المسارات في المناطق التي نريد تحسينها. إنها خطوة قوية ونتيجة واعدة}.

لكن لا يبدي آخرون القدر نفسه من التفاؤل في أن تساهم الأبحاث في تغيير قواعد اللعبة. صرح جون كونيوس، أستاذ حائز شهادة دكتوراه في جامعة دريكسل ومتخصص في علم الأعصاب المعرفي: «لن تساهم تلك الأبحاث في إقناع العلماء». يذكر كونيوس أن الدراسة لم تشمل عدداً كافياً من المشاركين ولم تطبّق ما يعتبره العلماء «معياراً ذهبياً» للبحث عن علاجات محتملة جديدة، ما يعني ضرورة أن تكون التجربة عشوائية من دون أن يدرك فيها أي مشارك أو طبيب هوية من يتلقى الدواء الوهمي. في الدراسة، وحدهم المشاركون لم يعلموا بطبيعة العلاج. يوضح كونيوس: «حين يصبح وقت الناس وأموالهم وصحتهم على المحك، من الضروري أن نقوم بأدق الأبحاث الممكنة».

لكن لا أحد يعلم حتى الآن متى سيحصل هذا النوع من الأبحاث الشاملة. لا شك في أن التجارب في مجال الارتجاع العصبي تكون مكلفة بسبب المعدات المستعملة وهي تتطلب التزاماً طويلاً من المرضى والأطباء معاً. الأهم من ذلك بحسب رأي المدافعين أنّ بروتوكولات الأبحاث التي يفرضها كبار الأطباء تهدف إلى إجراء تجارب دوائية حيث يسهل عدم إبلاغ جميع الأطراف بهوية المرضى الذين يتناولون الدواء الوهمي. يقول أوثمر: «تكون الطريق أطول وأصعب حين نريد كسب قبول واسع من دون اتباع المقاربة التقليدية. لكن تبقى هذه الدراسة الحاسمة بعيدة عن متناول الأطباء».

حتى كونيوس نفسه يعترف بأن الارتجاع العصبي واعد. لكن قد لا يفك العلم رموزه في وقت قريب: {الإمكانات كبيرة، لكننا قد لا نعلم مطلقاً حجم المتوافرة منها».

back to top