المحامون

نشر في 22-06-2013
آخر تحديث 22-06-2013 | 00:01
 المستشار ناصر معلا المحامون- المحامي الحر أو محامي الحكومة، أو المحامي بالإدارات القانونية بالوزارات والهيئات والمؤسسات العامة- هم أشقى خلق الله في حياتهم، هم المعذبون في الأرض هم مستودع الهموم للناس، هم البئر التي نلقي فيها بخطايانا وأخطائنا ومعايبنا ونطلب منهم أن يمنحونا صك العفو والغفران، وأن يطهرونا من خطايانا أمام القانون والناس، هم نهر العطاء الذي نلقي فيه الأدران والأوجاع ونلتمس منه البراء والشفاء منها، هم وكلاؤنا في الهموم، وهم حصن الأمان حين يصيبنا الخوف والجور والمظالم، هم مثل البنك حين تذهب إلى مبنى فيه ناس لا تعرفهم وتمنحهم كل أموالك ويعطونك بدلاً من أموالك ورقة لا قيمة لها، ومع ذلك تخرج سعيداً آمناً على أموالك لدى هؤلاء الذين لا تعرفهم أكثر من أمنك عليها في بيتك!

وهكذا المحامي فأنت لا تعرفه من قبل، فتذهب إليه وتسر إليه ما لا تأمن عليه أقرب الناس إليك وتخرج من عنده آمناً مطمئناً واثقاً بحفظ الأمانة، هم ملاذنا حين يقلب لك الناس أو الدنيا ظهر المجن، هم باب الأمان حين تغلق في وجوهنا أبواب الأمان، هم من يصدقنا حين يكذبنا الناس، هم من يؤمنون ببراءتنا حين يتهمنا الناس، هم منبع الحكمة والنصيحة في أحوال قوتنا، وهم سندنا في أحوال ضعفنا وعند ضياع حقوقنا، وهم أعذر الناس لأخطائنا يضمدون جراحنا، ويحملون عنا أوزارنا يدافعون عنّا بعد أن يتخلى عنّا الناس ويتجاهلنا الأهل، ويتنكر لنا الأصدقاء والأحباب، ويشمت بنا الأعداء ولا يملكون ردنا إلا آمنين مطمئنين بعد أن أوكلنا إليهم همومنا وحملوا عنّا أوجاعنا ليسيروا في طريق عجزنا عنه، ويحملوا أمانة لم نستطع حملها وعبئاً وهماً لا نطيق الصبر على احتماله، ونوسد إليهم خصومة لرد حقوق ضائعة أو أموال سليبة أو لا نملك إمكانات استردادها ولا قدرات الدفاع عنها، ونطلب منهم إقالتنا من عثرتنا وإغاثتنا من لهفتنا وحماية أعراضنا وشرفنا وديارنا وأموالنا، وأن يواجهوا خصومنا وأن يتحملوا عنّا أوجاع الخصومة وتبعاتها سواء مع شريف نافذ، أو صاحب سلطان ظالم أو اتهام جائر أو سلطة مستبدة باغية، هم الناصح الأمين والنائب الثقات والوكيل الحصري للهم والغم والكرب للفقير قبل الغني هم وحدهم الذين نلوذ بهم إذا فسدت الأحوال واختفى الرجال وهانت الحقوق وضاعت الأمانة، هم أعقل الناس لأنهم أعذرهم للناس، كما قال الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، هم حصن الأمان والعقل والروية لكل صاحب مال أو سلطان يقدمون له النصيحة والمشورة والرأي، هم الذين يمنحونا الأمل في عودة الحق والخير والعدل، هم الذين يزرعون الأمن في قلب المفزوع والطمأنينة في نفوس حائرة يائسة، ورداء المحامي الأسود الذي يرتديه هو المظالم التي يحملها نيابة عنّا، والخط الأبيض بالرداء هو شعاع الأمل الضعيف الذي يجعله المحامي حقيقة واقعة، وهم في دار القضاء خير لسان عنّا وأبلغ حُجة وخير وكيل.

والمحامي تجده دائماً متقد الذهن، ذكياً، نبيهاً، فطناً، مهموماً ليل نهار بهمومنا ومعالجة أخطائنا فيقرأ الكتب والمراجع والأحكام ويتحرى المستندات ويجلب الشهود ويناقش الخبراء، ويرد الحجج ويفند الدفاع بكلمات تبث الاطمئنان في القلوب الحائرة بحلاوة اللسان وسحر البيان، وقوة الحجة والبرهان فتعتدل كفة الميزان، وبه تستنير المحاكم وتتجلى الحقائق ويزول اللبس والإبهام  ويضيء الطريق لبزوغ نور الحق وإرساء وإقرار العدل، والمحامي هو أسعد الناس ببلوغ الحق لغيره، وحين نذهب إليه نكون مستعدين لوضع كل ثرواتنا تحت قدميه ليخلصنا مما نحن فيه، وحين نسترد حقوقنا يصبح المحامي أول ضحايا استردادنا لعافيتنا وقوتنا وحقوقنا!

والمحامي مغبون من الحكومة، إن كان محامياً للحكومة إذا كسب الدعوى فالربح لغيره، وهو المسؤول إن خسر الدعوى، وكأنه هو الذي ارتكب الواقعة موضوع الدعوى أو كأن عليه أن يقدم خطاب ضمان بصدور الحكم لمصلحة الجهة الحكومية، وهو مغبون إن كان محامياً بالإدارات القانونية؛ فالكسب والربح لرئيس الجهة والخسارة مسؤولية المحامي، وكأنه هو الذي أصدر القرار الذي قضت المحكمة بإلغائه، ويصدق في شأنه القول إن النجاح له ألف أب والفشل لقيط ليس له نسب.

والمحامون... هم الضمير الحي اليقظ للأمة وهم روادها في حمل مشاعل النور والدفاع عن الحريات وصون واسترداد الحقوق والدفاع عن الدستور، وهم قادة المجتمع في التنوير وأوقات الكوارث والشدائد، وقد وصف القاضي دو جيسو قاضي قضاة فرنسا- في عهد الملك لويس الخامس عشر- مهنة المحاماة قائلاً، إن المحاماة عريقة كالقضاء، مجيدة كالفضيلة، ضرورية كالعدالة، هي المهنة التي يندمج فيها السعي إلى الثروة مع أداء الواجب، حيث الجدارة والجاه لا ينفصلان، فالمحامي يكرس حياته لخدمة الناس دون أن يكون عبداً لهم، ومهنة المحاماة تجعل المرء نبيلاً بغير ولادة، غنياً بلا مال، رفيعاً من غير حاجة إلى لقب، سعيداً بغير ثروة.

وقال عنهم قاضي قضاة مصر المستشار عبدالعزيز باشا فهمي رئيس محكمة النقض المصرية عند افتتاح أولى جلساتها سنة 1931 إنك إذا وازنت بين عمل القاضي وعمل المحامي، لوجدت أن عمل المحامي أدق وأخطر، لأن مهمة القاضي هي الوزن والترجيح، أما مهمة المحامي فهي الخلق والإبداع والتكوين.

حفظ الله قضاءنا ومحامينا وأرشدهم إلى سبيل الحق والعدل.

back to top