أستاذ أصول الفقه في جامعة الأزهر

نشر في 02-08-2013 | 00:02
آخر تحديث 02-08-2013 | 00:02
No Image Caption
د. إسماعيل عبد الرحمن: الأمية الدينية سبب انتشار الجماعات المتطرفة

الإرهاب أحد الأوجه القبيحة للتطرف، وتخطئ وسائل الإعلام في الدول العربية والإسلامية بإلقاء الضوء على أصحاب الفكر التكفيري، ومَنْ لُطِخت أيديهم بالدماء باسم الإسلام، عبر استضافتهم في القنوات الفضائية وتهافت الصحف لإجراء لقاءات معهم، هذا ما يراه الدكتور إسماعيل عبدالرحمن أستاذ أصول الفقه في جامعة الأزهر، منتقداً، في حواره مع «الجريدة» هذا النهج، باعتباره يكرّس لبطولة هؤلاء الإرهابيين بين ضعفاء الإيمان، موضحاً الأسباب التي دعت الغرب إلى وصف الإسلام بالإرهاب والتطرف، على رأسها الأميّة الدينية، أحد الأسباب الرئيسة لوقوع الشباب المسلم في شراك التطرف.
لماذا ينظر الغرب إلى الإسلام على أنه دين يدعو إلى العنف والتطرف؟

يجب التنويه بأمر مهم، أن الإسلام، بوصفه ديناً سماوياً، ينظر إليه من خلال مصدريه: الكتاب والسُنّة، ولا ينظر إليه من خلال أفعال بعض المنتسبين إليه الذين قد يشوهون صورته ببعض أفعالهم، فيظهرونه بمظهر الداعي إلى التطرف، والمجافي للحضارة، والمنكر للآخر، على رغم أن الدين الإسلامي، كما تكشف تعاليمه، بريء من هذه التهم، فرؤيته للكون وللعالم تختلف تمام الاختلاف عن هذه الصورة الخاطئة التي ارتسمت عنه في أذهان البعض، خصوصاً الغربيين وترسخت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.

متى ظهر مسمى «الإرهاب» المقترن بالإسلام؟

في أعقاب نهاية الحرب الباردة، راج في الغرب قول إن الإسلام هو العدو الجديد بعد انهيار الشيوعية، وإن خطر الإسلام يرجع، في جزء منه، إلى الطبيعة المتطرفة لأتباعه، وتعصبه ورفضه أنماط الحياة الأخرى، وتضمنه تعاليم الجهاد ضد غير المسلمين، وما تضمنه القرآن من أحكام تحض المسلمين على معاداة اليهود والنصارى.

يستدلّ أصحاب هذه النظرية على صحتها بأعمال الجماعات الإسلامية التي تعرف بالأصولية، وتوصف أعمالها بأنها إرهابية بربرية همجية. يقترن عمل الأصوليين بالإسلام لأنهم يكفرون مجتمعهم، ويطالبون بالعودة إلى الإسلام الأول الذي لا يعترف بما استجد، فأوغل بعضهم واعترف فقط بالقرآن وأنكر السُنة. كذلك  يستدل أصحاب هذه النظرية على علاقة الإسلام بأعمال هذه الجماعات بإعلانها أنها تعمل باسم الإسلام، ويرتدي أعضاؤها الزي الإسلامي، ويعادون أنماط الحياة الغربية، ويدعون إلى نمط إسلامي معين للمرأة وللحياة عموماً.

ثمة مصدر آخر لترويج الإرهاب المقترن بالإسلام، دفع قدماً بنظرية العداء للإسلام، أو صورة المسلم القبيح المتطرف المخرب، وهذا المصدر هو إسرائيل، وغلاة المتطرفين من اليهود الذين اعتبروا أعمال الجماعات الإسلامية في فلسطين ولبنان والموجهة ضد إسرائيل وسياستها، ضرباً صارخاً من ضروب الإرهاب، كذلك حثوا السلطة الفلسطينية على  توفير الأمن والأمان والحماية من «الإرهاب الإسلامي  والعربي».

الأمية الدينية

هل من الممكن أن تكون الأمية الدينية أحد أسباب انتشار الإرهاب؟

تقف الجماعات الإسلامية المتشددة تحت المظلة الإسلامية، ويستخدم المنتمون إليها الآيات والأحاديث، لنشر فكرهم المسموم، ولكنهم يكسبونها تفسيرات لا تمت إلى الحقيقة بصلة.

أضف إلى ذلك أن الشعوب الإسلامية في واقعها الآن، ومنذ قرون، شعوب أمية، ومئات الملايين لا يقرأون ولا يكتبون، ومعرفتهم بالإسلام وارتباطهم به يتمان عن طريق السماع، ونتيجة للأمية لا يستطيعون التفرقة بين ما هو جوهري وما هو غير جوهري.

على سبيل المثال، يختزل الواقعون تحت سيطرة الجهل علاقتهم بالأمور كلها بمعيارين اثنين فقط هما: الحلال والحرام، لذا الأمية الدينية مسؤولة عن انتشار التطرف والإرهاب، لأن الجماعات المتطرفة والإرهابية تستغل جهل الناس العاديين بدقائق الأمور الدينية، وتقدم أمور الدين كما تريد وتشرح وتستفيض في الشرح، وتستخدم وسائل الاتصال الشخصي، والإلحاح، والتكرار وتجنيد العناصر النشطة كي تردد وتقنع الآخرين بما تريد. نتيجة للأمية الدينية لا يعرف الأميون أن المسلم الحقّ عليه ألا يُسارع بالحكم على أحد بالكفر، لأن الإيمان والكفر محلهما القلب، ولا يطلع على ما في القلوب غير الله سبحانه وتعالى.

بعض المذاهب الدينية أيضاً متهم بالتشدد الديني الذي يصل في بعض الأحيان إلى الإرهاب... فما السبب؟

المتطرفون والإرهابيون يعتمدون على مذاهب دينية متشددة نشأت في ظروف معينة، وبعضها يصل بالتشدد إلى حد الأخذ بالشبهة والظن للحكم بالكفر، وذلك يتعارض معارضة صريحة مع سماحة الإسلام الذي يأمرنا أمراً صريحاً، لا لبس فيه، بالتثبت وعدم الاعتماد على الظن، إلى جانب أن بعض أصحاب هذه المذاهب ينطبق عليه قول الله تعالى: «كل حزب بما لديهم فرحون»، ويتمسكون بنظرياتهم المتشددة لأسباب سياسية أو شخصية أو قبلية، على غرار أفكار أبي الأعلى المودودي الذي عاش وسط اضطهاد المسلمين في الهند، فكان من الطبيعي أن يحكم على مجتمعه بالكفر وأن يدعو إلى إنقاذ المسلمين من المذابح التي كانوا يتعرضون لها من «السيخ» وغيرهم من الطوائف.

التطرف الديني

هل معنى  ذلك أن التطرف الديني هو الذراع اليمنى للإرهاب؟

الإرهاب الذي يحدث في العالم الإسلامي لا ينتمي إلى التطرف الديني، ولا إلى الأصولية، ولا إلى السعي إلى إقامة حكم الشريعة الإسلامية، بل هو في الحقيقة إرهاب ولا شيء غير ذلك، وإرهاب معروف وموجود في العالم كله تقريباً وله منظمات وجماعات تتلون في كل بلد بما يناسبها.

ثمة من يقول إن الإرهاب أصبح سلاحاً دولياً وعنصراً ضاغطاً على القرار، وهذا هو هدفه الحقيقي غير المعلن، وثمة  من يرى أن الإرهاب أصبح في هذا العصر بديلاً عن الحروب التقليدية، وأن الذين يحركون جماعاته من بعيد يسعون إلى تحقيق غايات كانت تحققها الجيوش في العصور الماضية، ولا بد أن نعي أن ثمة إرهاباً بصور وأشكال مختلفة... ولكنه إرهاب!

هل يمكن اعتماد الحوار مع الإرهاب كبديل عن المواجهة؟

ليس المطلوب إجراء حوارات بين الحكومات والإرهاب، لكن المطلوب إجماع وطني بعد حوار يقوده الفقهاء وأهل العلم بالشريعة وأحكامها من ناحية، وأهل السياسة والمعبرون عن الضمير الوطني العام من ناحية أخرى، وقادة الرأي والمثقفون، وطليعة الباحثين في مختلف العلوم، وأن يصل حوارهم وحصيلته – علناً- إلى الرأي العام، ليعرف موقف الإسلام من قضايا كثيرة تطرح بشكل متيسر، مثل الشورى والحاكمية والحدود وتكفير المجتمع.

ليس المطلوب أن يقف المشاركون في الحوار موقف الدفاع أو أن يضعوا كتب الجماعات وأفكارها أمامهم، ويناقشوها بصورة يبدو معها أن عقلاء الأمة يدافعون عن أنفسهم، أو أنهم أصبحوا في موضع اتهام، أو أن حوارهم هو مجرد رد فعل لما يفعله الإرهاب، فالحقيقة أن الحوار مع الإرهابيين مستحيل، لأنه أغلق الباب، منذ البداية، بحكم تكفير الدولة والشعب، وباختيارهم القتل والعنف كوسيلتين وحيدتين لتحقيق الهدف، لكن الحوار مع الإرهاب هو الضروري، لأن الحوار له مجالات كثيرة والمواجهة إحدى أدواته.

هل تجرؤ البعض من أنصاف العلماء على الفتوى يعدّ أحد أسباب انتشار الفكر المتطرف؟

بالتأكيد، فالمتابع يرى شباباً وأشخاصاً قليلي العلم بالتفسير وعلوم القرآن والحديث والتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، يتصدون للتفسير، ويتخذون مقاعد الإفتاء والإمامة، وينصبون أنفسهم متحدثين رسميين باسم الإسلام، وهذا لا يحدث في دين آخر، فلكل دين علماؤه المتخصصون الذين ينقطعون لدراسة الأصول والمناهج، ولا يضيفون مفاهيم جديدة إلا بعد أن يصلوا إلى درجة عالية من التعمق في الدراسة، ولذا لم يكن أحد من فقهاء ومفسري ومحدثي العصور المضيئة في الفكر الإسلامي يجرؤ على القول في كتاب الله وسنة رسوله، إلا بعد أن يحصل على إجازة بذلك من الفقيه الأكبر المعتمد في عصره والذي يساوي الآن الجامعة. ومن هذا المنطق يظهر الفكر المتطرف الجامح الذي لم يجد من يتصدى له، ويتوهم أصحابه أنهم الأعلم والأصلح لقيادة الإسلام على طريقتهم.

مواجهة التطرف

من وجهة نظرك كيف يمكن مواجهة الفكر المتطرف؟

كل من تناول ظاهرة الإرهاب بتحليل العوامل والأسباب التي أدت إلى ظهورها قال إن الإرهاب يبدأ بالفكر، وبغزو العقول وغرس أفكار ومعتقدات ومبادئ عدائية في المجتمع كله من دون استثناء، مع انتشار قيم ثقافية تساند التطرف، مستندة إلى القضايا الأساسية التي يبدأ منها، وهي التشكيك بعقيدة المسلمين، والحكم عليهم بالكفر، والاستناد إلى نصوص تعطي لمن يريد أن ينصّب نفسه حكماً ومنفّذاً للشريعة أن يأخذ بيده سلطة عقاب من يحكم عليهم – هو أو جماعته – بالخروج عن جماعة المسلمين، مع ترداد أفكار بعينها تنتمي إلى عصر مختلف وإلى ظروف سياسية واجتماعية بعيدة كل البعد عن ظروف المجتمع الإسلامي الآن، والاستناد إلى تفسيرات معينة لنصوص اختلف في تفسيرها علماء الشريعة منذ قرون، ولم يروا في الاختلاف ما يستوجب القلق أو التمرد، بل رأوا فيه خصوبة وثراء وحيوية في الفكر الإسلامي كفيلة بأن توفر له التجديد والاستمرار لكل زمان ومكان.

ثمة كتب يطلق عليها «الكتب السامة» تعدّ نقطة تحوّل بعض المسلمين من الفكر المعتدل إلى التطرف، إلى أي مدى ترى خطورة هذه الكتب؟

لا بد من أن نبيّن أن فكر الإرهاب لم يكن مستوراً ولم يكن تلقينه للشباب يتم في الخفاء، لكنه – للحق – كان معلناً بأعلى صوت وأصبحت له منابره الإعلامية والإلكترونية، وبكل وسيلة لمن يستسهل المساعدة على القراءة، وللأميين محدودي الثقافة إلى جانب كتب مليئة بالأفكار التي تحارب المجتمع، وتستعدي قارئها على كل مؤسساته...

 كتب كثيرة جداً بشكل يلفت النظر، موجودة في المكتبات الكبرى والصغرى بل تملأ الأرصفة وخصوصاً أمام المساجد والمدارس والجامعات وتباع بأرخص الأسعار، وبعض هذه الكتب كان يوزع في السنوات السابقة مجاناً على أنه وقف لله تعالى، وباعتباره علماً ينتفع به، ومع ذلك لم يؤخذ إجراء حاسم لمنع هذه الكتب السامة، على رغم أنها كانت وما زالت أشد خطورة من المخدرات والسموم التي تدمر شبابنا، خصوصاً أن الشباب يتناقلونها وتسري أفكارها كالنار في الهشيم بين محدودي الثقافة وذوي التفكير السطحي وأنصاف المتعلمين، وهذا سر انتشارها الأكبر في المناطق الريفية والأحياء الشعبية، حيث يكاد ينعدم تأثير الأسرة والمدرسة على الشباب.

مناهج الإرهاب

هل الفكر المتطرّف المتستر وراء الإسلام له مناهج دراسية خاصة به؟

للجماعات المتطرفة مناهج دراسية خاصة بها، وهي مقسمة إلى مراحل، لكل مرحلة هدف يصل إليه الشاب، فيفقد جزءاً من عقله الحر ومن إرادته الواعية ومن قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ، مناهج أقرب إلى مناهج «غسيل الدماغ» التي تتبعها الأجهزة والمنظمات السرية في أنحاء العالم، وكل مرحلة تجيب عن تساؤلات الشباب الحائر والقلق الذي يبحث عنها دائماً، ويعذبه الشك والتردد ويحتاج إلى من يأخذ بيده، فهؤلاء الشباب لم يجدوا من يرشدهم في البيت أو المدرسة بل وجدوا ضالتهم في مسجد بعيد يتولى تدريس الفكر الإرهابي المتطرف المنظم، والمناهج والكتب جاهزة، والمعلمون أيضاً جاهزون.

إلى أي مدى يعتبر دور الإعلام مهماً في زيادة وعي الأمة بالتحذير من التكفيريين؟

يقع على عاتق الإعلام دور كبير، عليه ألا يجعل التكفيريين أو الذين لطخت أيديهم بالدماء باسم الدين نماذج، بل  التحذير من أفكارهم حتى يتجنبهم الناس، وفي المقابل يجب أن يركز الإعلام على النماذج المشرقة التي تمثل الإسلام الحقيقي بوسطيته واعتداله، فلا يمكن ظهور إرهابي يتحدث عن جريمته ببطولة باسم الإسلام، كأنه يمثل الإسلام الصحيح، والإسلام في حقيقة الأمر براء منه، ولا مانع من فضح هؤلاء بأن يأتي الإعلام بعالم مستنير يواجه هذا الفكر التكفيري الإرهابي بمرجعية إسلامية صحيحة وبأدب جم.

تطبيق الشريعة

لكن في المقابل نرى من ينادي بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية على أساس أنها غير ملائمة لواقعنا الآن. ماذا تقول في ذلك؟

من غير الجيد أن تطبق الشريعة الإسلامية مباشرة، خصوصاً في ظل الظروف التي نمر بها الآن من تشتت، لذا يجب تهيئة الناس نفسياً أولاً على قبول الشريعة، ومن وجهة نظري أرى أن هذا الأمر يتطلب خمس سنوات إذا قررنا التطبيق بدءاً من الآن، مع أن هذه التصريحات ربما أتت بنتائج غير طيبة.

في سطور:

- الدكتور إسماعيل عبدالرحمن من مواليد عام 1950 في محافظة دمياط المصرية (شمال القاهرة).

- أستاذ أصول الفقه في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر الشريف فرع المنصورة، ورئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر الشريف في دمياط وعميد مركز الثقافة الإسلامية في بورسعيد.

- عمل أستاذاً لعلوم الفقه والتفسير وعلوم القرآن في معهد الدراسات الإسلامية في الكويت.

- شارك في إعداد موسوعة «الفقه الإسلامي» في الكويت.

-  يتمتّع بملكة الخطابة والدعوة، لذا عمل إماماً وخطيباً في مساجد الكويت أكثر من  19 عاماً.

- ترأس جمعيات خيرية في مصر.

- صدرت له كتب وأبحاث تهتم بالفكر التكفيري وقضايا الفقه، والتحذير من مخاطر الإرهاب.

- شارك في مؤتمرات محلية وعالمية.

-  وجاء غناه الفكري والديني من خلال أسرة كان مشهود لها بالعلم، فهو شقيق المفكرة والباحثة الإسلامية عائشة عبدالرحمن، الملقبة  بـ{بنت الشاطئ»، أول امرأة تحاضر في الأزهر الشريف، إلى جانب أن جدهما لأمهما كان شيخاً لجامع الأزهر.

back to top