حمد بن جاسم: إصلاح العالم العربي يبدأ بإصلاح الأوضاع الداخلية لكل دولة
أكد رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ان العالم العربي بحكم موقعه وموارده وتاريخه واسهاماته الحضارية، وبحكم كثافته البشرية وثقله الاقتصادي ووزنه الاستراتيجي مؤهل ليكون كياناً فاعلاً في هذا العالم.وأضاف الجاسم في كلمته خلال المؤتمر الأول لمجلس العلاقات العربية والدولية إن الخطوة الأولى لإصلاح حال عالمنا العربي وجعله أكثر تفاعلاً وتأثيراً في العالم من حوله تبدأ بإصلاح الأوضاع الداخلية لكل دولة عربية، مشيرا الى أن الاصلاح الذي يعنيه لا يشمل فقط الجوانب السياسية بل يمتد ليتناول أيضاً الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
وبين الجاسم ان تطوير العلاقات العربية مع الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً يقتضي بالضرورة التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية، لافتا الى أن العلاقات العربية - الإيرانية علاقات قديمة وثابتة رسخها التاريخ وعمقتها الجغرافيا ولذلك فهي قادرة على الصمود في وجه الأزمات. وفي ما يلي نص الكلمة:سمو الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح رئيس مجلس وزراء دولة الكويت الشقيقةأصحاب السمو والمعالي والسعادةالسيدات والسادةالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،أولاً أشكر الاخ الكريم السيد محمد جاسم الصقر على دعوته لي للمشاركة في هذا المؤتمر المهم والذي أثق بأن مناقشاته ستفتح آفاقاً جديدة على صعيد الرؤى والأفكار تجاه واقع عالمنا العربي ومستقبله ومستقبل علاقاته الإقليمية والدولية، خاصة في ظل هذه التحولات والمتغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة وتداعياتها وانعكاساتها وتأثيراتها في الداخل العربي وأصدائها في الخارج.وبغض النظر عما يجري حالياً في العالم العربي من ثورات وانتفاضات ومن تغيير لأنظمة الحكم في بعض الدول العربية ومن توجه دول عربية أخرى لإصلاح وتطوير أنظمتها السياسية بحيث تواكب روح العصر وتنسجم مع التطلعات الشعبية وتتيح فرصاً أكبر للمشاركة السياسية، بغض النظر عن كل ذلك فإن عالمنا العربي بحكم موقعه وموارده وتاريخه وإسهاماته الحضارية، وبحكم كثافته البشرية وثقله الاقتصادي ووزنه الاستراتيجي مؤهل ليكون كياناً فاعلاً في هذا العالم ومركز ثقل مهما ولاعبا مؤثرا لا يمكن تجاوزه في معادلات السياسة والاقتصاد.في العالم العربي نشأت وازدهرت أعظم حضارات العالم، وفي العالم العربي هبطت الأديان السماوية الثلاثة، وفي العالم العربي توجد أهم الممرات الدولية، وفي العالم العربي تتركز أكبر احتياطيات العالم من مصادر الطاقة.باختصار تتوافر في العالم العربي مقومات النهوض والتقدم والمكانة العالمية ومكامن القوة الاقتصادية والسياسية وعوامل التأثير والفاعلية على الساحة الدولية.العالم العربيولكن لابد هنا أن نحدد بدقة ماذا نعني بالعالم العربي؟ هل نعني مجموعة الدول العربية التي تفصل بينها الحدود وتمزقها الخلافات وتهدر مواردها المنازعات والحروب، أم نعني بالعالم العربي هذه المساحة الجغرافية الواسعة والتي تتوسط العالم وتمتلك القدرة الكافية لتكتفي ذاتيا بكل احتياجاتها الضرورية فلديها القوة البشرية والمياه الوفيرة ومصادر الطاقة والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، ثم إنها بعد ذلك تمتلك عوامل التكامل وحتى الوحدة الشاملة، فاللغة واحدة والدين واحد بالنسبة لمعظم السكان وكذلك التاريخ والثقافة والموروثات الاجتماعية؟وإذا لم تجمعنا اللغة والدين والتاريخ والأرض فلتجمعنا المصلحة المشتركة على الأقل.وفي اعتقادي فإن الخطوة الأولى لإصلاح حال عالمنا العربي وجعله أكثر تفاعلاً وتأثيراً في العالم من حوله تبدأ بإصلاح الأوضاع الداخلية لكل دولة عربية. ليس بالضرورة أن تقوم ثورة أو انتفاضة في دولة ما ليتم الإصلاح بل إن الإصلاح المدروس والمتدرج والمواكب للتطلعات الشعبية قد يكون أجدى وأنفع وأرسخ من إصلاحات متعجلة تفرضها الضغوط وفورات الحماس.والإصلاح الذي أعنيه لا يشمل فقط الجوانب السياسية بل يمتد ليتناول أيضاً الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وخاصة أنظمة التعليم المتكاملة التي تحتاج إلى نفض عنيف يزيل الغبار عنها.الخطوة الثانية والضرورية لإصلاح حال العالم العربي تكمن في إصلاح جامعة الدول العربية حتى تكون قادرة على تحقيق أهدافها داخل العالم العربي وعلى حماية المصالح العربية في الخارج وعلى تطوير وتمتين العلاقات العربية مع دول العالم ومع الاتحادات والتجمعات القارية، وهنا فإنه قد يكون مفيداً أن تسعى جامعة الدول العربية لتأسيس آلية مشتركة تجمعها مع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي ومنظمة "الآسيان" واتحاد دول أميركا الجنوبية على أن يسبق ذلك كله إعادة النظر في النظام الأساسي للجامعة العربية بما في ذلك الانتقال من مبدأ الاجماع إلى الأغلبية.العلاقات العربيةكذلك فإنه من المهم ألا تقتصر العلاقات العربية مع دول العالم على الجوانب الاقتصادية والتجارية والأمنية وأن يكون هناك بعد ثقافي لهذه العلاقات، ولذلك فإنني أعتقد أنه من الضروري أن تقود الجامعة العربية بعد تطويرها وإصلاح مناهجها وهياكلها تحركاً ثقافيا مدروساً تجاه دول العالم وأن تهتم بإنشاء مراكز ثقافية عربية في الولايات المتحدة وفي العواصم الأوروبية كمرحلة أولى فكثير من شعوب العالم، خاصة في أميركا وأوروبا يجهلون ثقافتنا العريقة والراقية ودورنا الحضاري المتميز في حقب التاريخ المختلفة، وهم عرضة للتأثر بالحملات المعادية التي تشوه صورة العرب وتقلل من شأنهم.وما دمنا نتحدث عن الرؤية المستقبلية للعلاقات العربية مع دول العالم فلابد من الحديث عن الإعلام العربي وضرورة تطوير وابتكار الوسائل التي تجعله قادرا على مخاطبة العالم وجذب اهتمام العالم بقضايانا ونقل أحداث العالم العربي إلى العالم بمنظور عربي ومن الواقع وليس بمنظور الآخرين الذين قد يجهلون الحقائق أو يتجاهلونها.لقد أصبح الإعلام صناعة وفنا وعلما تتفاعل فيه الأفكار والاجتهادات على أساس الاستيعاب والتفهم وليس الاقصاء والإدانة، وكلما أطلقنا الإعلام على سجيته دون حسيب أو رقيب كلما ازداد فهم العالم واحترامه لقضايانا وكلما تواضعنا في الاستماع إلى الغير اضطر الغير إلى الاستماع لنا. فالكلمة الحرة هي صلب حوار الشعوب في داخل البلاد وخارجها.كذلك فإنني لا أرى ما يمنع إنشاء وكالة أنباء عربية تبث إرسالها باللغات الرئيسية في العالم وتتبع للجامعة العربية وتكون بعيدة عن التدخلات الرسمية وبذلك نضمن وصول أخبار العالم العربي إلى العالم بموضوعية ومصداقية ونحد من تأثير الأخبار العربية التي تبثها بعض وكلات الأنباء العالمية ولا تخلو من التحريف والتشويه. الدور الدبلوماسيإلى جانب كل ذلك فإنني أرى ضرورة تفعيل دور الدبلوماسية الشعبية تجاه العالم لتكون دعما وسندا للدبلوماسية العربية الرسمية على أن يكون ذلك تحت مظلة الجامعة العربية بحيث تنشأ جمعيات للصداقة العربية مع دول العالم، إلى غير ذلك من آليات العمل الدبلوماسي الشعبي والذي سيكون له بلا شك مردود إيجابي لصالح العرب.وهنا تبرز مرة أخرى أهمية الإعلام المنفتح الذي يسعى للوصول إلى الجماهير وليس فقط إلى الحكومات وصانع القرار. وكفانا في هذا المجال مكاتب إعلامية بالية وموظفين بلا كفاءات وأساليب إعلامية روتينية متخلفة فشلت في اللحاق بركاب ثورة الإعلام التي تنفجر يومياً محدثة أثراً جديداً.سمو الشيخ جابر مبارك الحمد الصباحأصحاب السمو والمعالي والسعادةالسيدات والسادة،،،إن تطوير العلاقات العربية مع الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً يقتضي بالضرورة التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية يتم في إطاره قيام دولة فلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية، وأرجو أن تشهد المرحلة القادمة تفهماً أميركياً أكثر حياداً وموضوعية وتحركاً أسرع تجاه هذا الحل فقد تضاعفت قناعة العالم بعدالة القضية الفلسطينية وبضعف الحجج الإسرائيلية الواهية والتي لا يسندها منطق ولا يدعمها قانون وتتنافى تماما مع المواثيق والأعراف الدولية، ولعل حصول دولة فلسطين على عضوية الأمم المتحدة بصفة مراقب وبأغلبية ساحقة أبلغ دليل على تأييد العالم لقيام الدولة الفلسطينية.القضية الفلسطينيةعندما تُحل القضية الفلسطينية فسوف تُحل عقد وعقبات كثيرة وسيدخل العالم العربي في حقبة جديدة وسيصبح أكثر قدرة على تنمية موارده واستثمار طاقاته وتطوير علاقاته الخارجية، ولا شك أن للعرب دوراً كبيراً ومهماً في الوصول إلى هذا الحل عن طريق دعم الشعب الفلسطيني مادياً وسياسياً وبذل الجهود لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية.وعلى إسرائيل أن تدرك أن دوام الحال من المحال وأنه لا يمكنها الاستمرار في احتلال الأراضي العربية إلى ما لا نهاية، لقد تغير العالم وتطورت المفاهيم ولا مجال لشهوة الاحتلال والعنصرية في يومنا هذا.الحديث عن علاقات العالم العربي المستقبلية يقود للحديث عن قارتي آسيا وإفريقيا فهما يمثلان بحق العمق الاستراتيجي للعالم العربي ولذلك فلابد من منظور جديد لعلاقاتنا الآسيوية والإفريقية يرتكز على تبادل المصالح المشتركة والارتقاء بالتعاون الاقتصادي وتطوير التنسيق السياسي والأمني.القارة الإفريقية بالذات توفر أفضل الفرص للاستثمار العربي خاصة في المجال الزراعي وفي قطاع التعدين. صحيح أن الاستقرار السياسي والأمني أمر ضروري للاستثمار ولكن الاضطرابات التي تشهدها بعض مناطق افريقيا ينبغي ألا تكون سببا لصرف النظر عن الاستثمار في هذه القارة فهناك دول مستقرة نسبياً في شرق افريقيا وغربها ثم هناك جمهورية جنوب افريقيا التي تتمتع باستقرار سياسي وانفتاح اقتصادي.بالنسبة لإيران فمن المؤكد أن العلاقات العربية الإيرانية علاقات قديمة وثابتة رسخها التاريخ وعمقتها الجغرافيا ولذلك فهي قادرة على الصمود في وجه الأزمات والتوترات الطارئة، ولا بديل للطرفين عن التعايش والتعاون والتحاور لحل المشاكل وتجاوز العقبات.منطقة الخليجصحيح أنه توجد قضايا عالقة بين إيران ودول عربية خاصة في منطقة الخليج ولكن بالحوار البناء وانتهاج السبل الدبلوماسية وتعزيز الثقة بعيداً عن الغلظة يمكن التوصل إلى حلول لهذه القضايا.واقترح في هذا الخصوص إنشاء منظمة للدول المطلة على الخليج للتعاون.دولة أخرى مهمة في الجوار العربي هي تركيا التي تربطها بالعالم العربي علاقات تاريخية، وفي تصوري فإن هذه العلاقات ستشهد في المرحلة القادمة مزيدا من التفاهم والتعاون خاصة في المجال الاقتصادي وكذلك في الجوانب السياسية، ومن الواضح أن تركيا مؤهلة لتصبح شريكاً اقتصادياً وسياسياً مهماً للعالم العربي وذلك بفضل ديناميكية قيادتها ووضوح رؤيتها ورسوخ نظامها السياسي.لا شك أن العامل الاقتصادي محرك أساسي في العلاقات الدولية ولذلك فمن المهم بالنسبة للعرب ومن أجل الحفاظ على علاقاتهم القائمة الآن مع الدول الرئيسية المستوردة للنفط والغاز أن يستمروا في سياسة تنويع مصادر الدخل وفي زيادة استثماراتهم الخارجية وأن تكون لعلاقاتهم مع هذه الدول أبعاد استراتيجية بعيدة المدى وألا تنحصر هذه العلاقات في الجانب الاقتصادي وحده لأنه لا توجد ضمانات لاستمرار اعتماد الدول الصناعية الكبرى على استيراد النفط والغاز من منطقة الشرق الأوسط لعقود طويلة قادمة، وعلينا أن نكون مستعدين لأي مستجدات أو متغيرات في سوق الطاقة العالمية.الأمم المتحدةوبالتأكيد فإن العالم العربي وفي سبيل تطوير وتفعيل علاقاته الدولية المستقبلية يحتاج مثل مناطق العالم الأخرى إلى إجراء اصلاحات واسعة في منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لأن واقع العالم الآن يختلف جذرياً عن واقعه عام 1945 عندما تأسست الأمم المتحدة، ولذلك ومن أجل عالم يسوده الأمن والسلام والاستقرار والثقة المتبادلة والتفاهم المشترك بين دوله وشعوبه، فلابد من إجراء هذه الإصلاحات الملحة والضرورية.الإخوة الكرام،،،لقد حان الوقت لينتهج العرب الخطط الاستراتيجية المدروسة والرؤية المستقبلية الشاملة في علاقاتهم الإقليمية والدولية واضعين في الاعتبار أن المنطقة تتغير والعالم يتغير وأن مواكبة المتغيرات والمستجدات لا تكون بالانفعالات العابرة وردود الأفعال ولكن بالفعل الجاد والمؤثر وبالتخطيط السليم والفكر المنفتح والقدرة على التفاهم والتحاور مع الآخرين وتغليب المصلحة العليا على المصالح الضيقة، وإذا أردنا أن يحترمنا العالم فعلينا أولاً أن نحترم أنفسنا ونحترم شعوبنا ونستجيب لتطلعاتهم المشروعة لا أن نزهق أرواحهم ونستبيح دماءهم كما يفعل النظام السوري حالياً، والذي قدم للعالم صورة شائهة ومشينة عن العرب قد يصعب محوها قريباً من الذاكرة، حيث يموت آلاف الأبرياء بنيران الدبابات والطائرات ويتشرد الأطفال وتترمل النساء وتزدحم المخيمات بالنازحين واللاجئين، وكل ذلك من أجل أن يبقى شخص واحد في الحكم.وفي الختام أشكركم وأشكر القائمين على أمر هذا المؤتمر سائلا الله لكم النجاح والتوفيق في مداولاتكم ومناقشاتكم والتي تصب دون شك في مصلحة عالمنا العربي ومستقبل أجياله القادمة.