حوار الطرشان: عجينة الطين

نشر في 11-05-2013
آخر تحديث 11-05-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان إن ما يحصل في سورية هو شبيه لما حصل لعجينة الطين بيد الأطفال، فالأخيرون يشكلون الطين بسذاجة كما أسلفنا، أما الغرب فتشكيله مدروس ومنظم يخفي خلفه خبثاً وسوء نية، ستكون نتيجته كتلك التي ظهرت في يوغسلافيا الاتحادية، عندما تآمر عليها الشرق والغرب تآمراً أثمر عن تفتيتها في نهاية المطاف.

عندما كنت طفلاً صغيراً كنت مولعاً بمادة الرسم، لأنني من العاشقين لعجينة الطين الهينة اللينة التي تجعلك تشكلها بأي شكل أنت تريد ومتى تريد، من دون اعتراض أو تذمر.

وأتذكر أنه ما إن تبدأ حصة الرسم حتى تبدأ أصابعي بتشكيلها على شكل جمل مرة، وحصان مرة أخرى، وأحياناً خروف، وأكثر الأحيان حمار، وما إن تنتهي الحصة حتى أكون قد عجنت بقسوة الحمار الذي شكلته لأرجع الطينة إلى سيرتها الأولى، استعداداً للحصة القادمة لأعيد تشكيلها من جديد.

والغريب في الأمر أنني وتشكيلي للعجينة لا أخرج عن أشكال الحيوانات، وعلى الدوام أنتهي بشكل الحمار الذي أعجنه من غير رحمة في نهاية المطاف.

* وبداعٍ من سذاجة الطفولة كنت أظن ظناً يصل إلى درجة اليقين، أن العجين وتشكيله لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخرج من حصة الرسم، لأنني اعتقدت خطأ أنه مجرد عجين تشكله أنامل الأطفال للتسلية حيناً ولتتعلم تحديد الأشكال تنظيماً للعقل وترتيباً للأفكار حيناً آخر.

ولكن الواقع الأليم الذي أعيشه في صحوتي وغفوتي، قال لي غير ذلك، حيث تبيّن لي وبكثير من الوضوح أننا كبشر، أو نظن أننا بشر، مجرد عجين طين بيد ذاك الرابض خلف البحار، فذاك يشكلنا كيفما أراد، فمرة على شكل جمل، وأكثر الأحيان على شكل حمار، لأن الأخير يحتمل من المشقة ما لا يحتمله غيره من الحيوانات، كما أنه- أي الحمار- لا يسعى إلى تغيير واقعه، بل إنه لا يفكر في تغيير الواقع الذي يعيشه.

والرابض خلف البحار يفعل بنا ما كنا نفعله بالطين في سنين الطفولة- وكأنه ينتقم للطين- إلا أن الفرق بيننا وبينه أننا كأطفال نشكل العجين من أجل التسلية ليس إلا، وهو يشكل العجين لمزيد من التفتيت تحقيقاً لمصالحه التي لا تنتهي.

* انظر من حولك إلى المآسي الإنسانية التي يندى لها جبين الإنسانية وتبكي على تفاصيلها عيون الإنسانية، لتدرك تمام الإدراك أننا مجرد عجين طين يشكله الغرب كيفما يريد.

فهذه سورية العربية أو التي كانت عربية، على مدى ثلاث سنوات أيامها طوال ولياليها أطول، لم يتبق بيت إلا طاله الدمار، فتشرد من جراء الدمار شعبها ومات أطفالها ونساؤها وشبابها وكهولها... استعرت النار فيها من أقصاها إلى أقصاها، من جراء المؤامرة الكبرى التي تتحكم بخيوط لعبتها دول الغرب، لتنتج لنا لعبة تسمى- لعبة الأمم- التي بدأت فصول مسرحيتها أمامنا وعلى أرضنا ونحن ننظر إليها كما ينظر الدجاج إلى صاحب دكان الدواجن الذي يمد سيخه المعكوف ليخرج دجاجة من بين الدجاج ليذبحها، والدجاج ليس لديه من أسلحة المقاومة غير الصراخ المزعج الذي لم ولن يثمر عن نتيجة.

نعم، إن ما يحصل في سورية هو شبيه لما حصل لعجينة الطين بيد الأطفال، فالأخيرون يشكلون الطين بسذاجة كما أسلفنا، أما الغرب فتشكيله مدروس ومنظم يخفي خلفه خبثاً وسوء نية، ستكون نتيجته كتلك التي ظهرت في يوغسلافيا الاتحادية، عندما تآمر عليها الشرق والغرب تآمراً أثمر عن تفتيتها في نهاية المطاف.

* بقي أن أقول... إن عجينة الطين التي بدأ الغرب تشكيلها لن يتبين لنا شكلها النهائي إلا بعد عقدين من الزمن، وبناء عليه ستكون الفترة بين بداية التشكيل ونهايته، فترة اضطرابات وعدم استقرار، يكثر فيها الفقر ويزداد البؤس، ومن حيث إن الغرب يريد أن يصل إلى ما يرجوه من نتائج، فإنه وفي سبيل ذلك لن يكترث لتلك المآسي ولن يستمع إلى ذاك الأنين، وشواهد التاريخ كثيرة وكثيرة جداً لن يسعفنا المقام لشرح تفاصيلها.

عموماً سنبقى مجرد عجينة طين يشكلها الغرب كيفما يريد ومتى يريد... والسلام.

back to top