حقوق الأقليات في «الربيع العربي»

نشر في 03-04-2013
آخر تحديث 03-04-2013 | 00:01
كثرت في الآونة الأخيرة، التحليلات والتصورات المستقبلية، لوضع المسيحيين في لبنان، من حيث العدد، أو التأثير السياسي. وما آلت إليه أحوالهم، خاصة خلال السنتين الأخيرتين من «الربيع العربي»، والثورة السورية العارمة ضد نظام الحكم القائم. كما طُرحت جملة من الحلول، ولكن بقيت جميعها في حالة من التمترس.
 د. شاكر النابلسي -1-

قضية الأقليات في العالم العربي قضية تشغل حيزاً واسعاً لما تواجهه هذه الأقليات من مضايقات تدفعها إلى التفكير في الهجرة خارج الوطن العربي، وخاصة في البلاد التي اعتاد أهلها الهجرة، وجربوها، وخبروها كبلاد الشام (سورية، لبنان، الأردن، وفلسطين). ولنبدأ من لبنان، حيث كانت فيه أكبر أعداد الطوائف المختلفة، ولا يعرف كثير من القراء الكرم تفاصيلهم. وحيث من لبنان انطلقت أكبر نسبة من الهجرة العربية إلى الغرب– وخاصة إلى الأميركتين الشمالية والجنوبية- في القرون الماضية.

-2-

تميز لبنان على مر التاريخ، بتعدد طوائفه ومذاهبه، التي لجأ أبناؤها إليه، إما هرباً من اضطهاد، أو توقاً إلى الحرية، أو صداً لهجمات الإفرنج، وكان عدد هذه الطوائف المعترف بها رسمياً، حتى الأمس القريب، 17 طائفة ومذهباً، فأصبحت 18 بعد ضم طائفة "الأقباط"، إلى القائمة الرسمية.

1- كان "الموارنة" أكثر الطوائف عدداً، عند تأسيس دولة "لبنان الكبير"، في عام 1922، لكن أعدادهم تراجعت نتيجة الهجرة. ومرجعيتهم الدينية بطريرك بكركي.

2- السنّة، وهؤلاء تركزوا في شمال لبنان، ووسطه، ومدن الساحل (بيروت، طرابلس، صيدا) لحماية الثغور من هجمات "الإفرنج". وهم يلعبون دوراً أساسياً في السياسة والتجارة. وهم رواد في العروبة والقومية، وتعود مرجعيتهم الدينية إلى (دار الإفتاء) وعلى رأسها مفتي الجمهورية.

3- الشيعة، وهؤلاء يتوزعون بين جبل عامل في الجنوب، وسهل البقاع، ولاسيما في منطقة بعلبك- الهرمل. وتزايد حضورهم في ضاحية بيروت الجنوبية بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في الجنوب والحرمان التي تعانيه منطقة البقاع. ومرجعيتهم الرسمية حالياً نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وهناك مرجعية روحية لهم في لبنان.

4- الدروز، وهؤلاء سكنوا وادي التيم، والجبال اللبنانية الوعرة، خصوصا في الشوف وعاليه، مثلهم مثل الموارنة الذين جمع بينهم الاضطهاد. ومرجعيتهم الروحية مشيخة العقل الذي لا يعترف به "الإرسلانيون" الذين اختاروا لأنفسهم شيخ عقل آخر.

5- الروم الأرثوذكس، وهم مسيحيو المشرق وأكثر المسيحيين تعلقا بالعروبة، ويكثر حضورهم في منطقة الكورة "شمال لبنان" ومنطقة الأشرفية في العاصمة اللبنانية. ومرجعيتهم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق و(مقره في سورية).

6- الروم الكاثوليك، وهؤلاء يُعرفون بـ"الملكيين"، والذين انفصلوا عن روما، ثم عادوا إليها، وهم يختلفون عن الروم الأرثوذكس بكونهم تابعين عقائدياً إلى كرسي روما (الفاتيكان). ومرجعيتهم بطريرك إنطاكية وسائر المشرق، الذي يتخذ من لبنان مقرا له.

7- الأرمن الكاثوليك والأرثوذكس، وهؤلاء سكنوا في لبنان، بصورة خاصة، في برج حمود (ساحل المتن) وزحلة، وعنجر (البقاعيتين). مرجعية الأرمن الكاثوليك المحلية هي الكاثوليكوس نرسيس بدروس التاسع عشر، ومرجعية الأرمن الأرثوذكس الكاثوليكوس.

8- السريان الكاثوليك والأرثوذكس، وهم من الأقليات التي سكنت لبنان منذ أقدم العصور، ومرجعيتهم بطريرك إنطاكية وسائر المشرق.

9- الكلدان، وهم طائفة أقلية مشرقية وفدت من العراق، وهم موجودون في العاصمة اللبنانية بصورة خاصة، مرجعيتهم البطريرك في بغداد.

10- اللاتين، ويعتبرون من المتحدرين عن الصليبيين في لبنان. وهم من أصغر الطوائف، ولا يقطنون منطقة معينة، ويتبعون، مرجعياً، المطران.

11- الإنجيليون، وهم الذين اعتنقوا هذا المذهب على أيدي المرسلين، وموجات التبشير البروتستانتية، وهم من سكان لبنان الأصليين، وموجودون بغالبيتهم في بيروت، وتحديدا في منطقتي رأس بيروت والأشرفية، ومرجعيتهم في لبنان أحد القساوسة.

12- العلويون، وهي طائفة جاءت من سورية، واستقرت في جبل محسن في مدينة طرابلس وعكار، ويتمثلون بنائبين، واحد في طرابلس وآخر في عكار، مرجعيتهم رئيس المجلس الإسلامي العلوي في لبنان.

13- الإسماعيليون، وهؤلاء قدموا من بلاد الشام، التي جاؤوها من العراق هرباً من السلطة العباسية، وهم أقلية، ولا يتخذون مكاناً محدداً لإقامتهم، ومرجعيتهم الدينية خارج لبنان.

14 - الأقباط الكاثوليك والأرثوذكس، وهم الطائفة التي ضُمت منذ فترة غير بعيدة إلى قائمة الطوائف المعترف بها رسمياً في لبنان. ومرجعية الكاثوليك منهم الآباء، ومرجعية الأرثوذكس المطارنة.

15- الأشوريون، طائفة مسيحية جاءت إلى لبنان من بلاد "ما بين النهرين"، وتوزعوا على بعض مناطق بيروت، وجبل لبنان.

وهناك طوائف صغيرة أخرى.

-3-

كثرت في الآونة الأخيرة، التحليلات والتصورات المستقبلية، لوضع المسيحيين في لبنان، من حيث العدد، أو التأثير السياسي. وما آلت إليه أحوالهم، خاصة خلال السنتين الأخيرتين من "الربيع العربي"، والثورة السورية العارمة ضد نظام الحكم القائم. كما طُرحت جملة من الحلول، ولكن بقيت جميعها في حالة من التمترس، وبقيت المتاريس السياسية قائمة وثابتة بعد أن نخرت متاريس الرمل المجتمع اللبناني حتى العظم في سنوات الحرب الأهلية (1975-1990).

ويطرح متابعون للوضع اللبناني عن كثب وريبة، الآلية الواجب اعتمادها كي يبقى ما تيسر من اللبنانيين في أرض أجدادهم، وفي معابدهم، التي عمروها منذ مئات السنين. وهذه الآلية التي طرحها هؤلاء المتابعون، تتمحور حول بند واحد، وهو "جمع الكلمة" و"الوحدة"، في سبيل البقاء، وفق التالي:

أولاً: التسليم بأن "الدولة العادلة"، هي الملاذ الوحيد لبقائهم في هذا الشرق، على اعتبار أن الدويلات أثبتت أنها مشاريع حروب قائمة، أو مؤجلة. وويلات المسيحيين– بالذات- وما أصابهم من "تهميش"، جاءت بفعل تأثيرهم الكبير في الحروب التي خاضوها ضد الغير، ما دام معظم القادة من بينهم ينطلقون، وينطقون، ويعبئون قواعدهم الشعبية على خلفية واحدة وحيدة وهي "الكيدية". دون التفكير السليم بمصير هذه "الوظيفة" بالذات، وإلى أين ستؤدي؟ وأين ستصب مفاعيلها؟ وما الثمار التي تجنيها من أجل التطلع نحو العنوان الأبرز للوجود، وهو "الوحدة"؟

ولكن يبدو، أن نغمة التنوع، ضمن الوحدة، لم تنتج لحناً واحداً، بل هي غطاء لجملة من الأخطاء، التي طالما تمَّت ترجمتها على الأرض، وأصبحت نقمة من جرَّاء هذا التنوع الطائفي.

ويسأل هؤلاء المتابعون، عن كيفية تحويل هذه "الوحدة" إلى عملة واحدة للجميع، حتى مع اختلاف الوجهين؟

(وللموضوع صلة).

* كاتب أردني

 

back to top