الصين والولايات المتحدة في عصر ما بعد الهيمنة

نشر في 07-03-2013 | 00:01
آخر تحديث 07-03-2013 | 00:01
No Image Caption
الخطر الحقيقي الذي يهدد العلاقات الصينية-الأميركية الراسخة لا ينبع من أي نوايا عدائية يعرب عنها أي من هذين البلدين، بل من الاحتمال المقلق أن تنجر آسيا بعد استعادتها حيويتها إلى حماسة قومية شبيهة بما سبق صراعات أوروبا على الموارد والأراضي والنفوذ في القرن العشرين.
 Zbigniew Brzezinski تخشى أصوات قلقة كثيرة اليوم أن يؤدي النظام الأميركي-الصيني الناشئ الثنائي القطب بالضرورة إلى أعمال عدائية ويسبب لا محالة صراعاً بين أكبر اقتصادين في العالم، لكنني لا أعتقد أن هناك احتمالاً كبيراً لاندلاع حروب بسبب الهيمنة العالمية في ما بات يُعرف اليوم بعصر ما بعد الهيمنة.

لا شك أن السجل التاريخي يبدو قاتماً، فمنذ انطلاق السياسات العالمية قبل 200 سنة، شُنت أربع حروب طويلة للسيطرة على أوروبا (1812 - 1815 بسبب طموحات نابليون، و1914 - 1918 نتيجة استياء الإمبراطورية الألمانية، و1939 - 1945 بسبب الجنون النازي، ومنذ أواخر أربعينيات القرن الماضي حتى عام 1991 نتيجة الطموحات السوفياتية العالمية). وكان من الممكن أن تؤدي هذه الحروب إلى هيمنة قوة عظمى واحدة على العالم.

رغم ذلك، بدلت تطورات عدة خلال السنوات الأخيرة هذه المعادلة، فقد جعلت الأسلحة النووية حروب الهيمنة مدمرة والانتصار فيها غير ذي جدوى، كذلك لا يمكن تحقيق انتصارات اقتصادية أحادية الطرف في الاقتصاد العالمي، الذي يزداد تداخلاً، من دون التسبب بعواقب كارثية للجميع. علاوة على ذلك، صارت شعوب العالم اليوم واعية سياسياً، وما عاد بالإمكان إخضاعها بسهولة حتى من قبل الدول الأقوى، وأخيراً وليس آخراً، لا تحكم الولايات المتحدة أو الصين عقائد عدائية.

علاوة على ذلك، رغم أوجه الاختلاف الكبيرة بين نظامينا السياسيين، يُعتبر كلا مجتمعينا منفتحا وإن بطرق مغايرة. وهذا بدوره يخفف الضغط داخل كل مجتمع ويحد من ميله نحو الكره والعدائية، فأكثر من 100 ألف شاب صيني يتابعون دروسهم في الجامعات الأميركية، ومن الرائج أن يتابع أولاد القادة الصينيين دراساتهم في الولايات المتحدة، كذلك يدرس آلاف الشباب الأميركيين ويعملون في الصين أو يشاركون في برامج دراسات أو سفر خاصة. فضلاً عن ذلك، أقامت جامعات أميركية بارزة كثيرة فروعاً لها في الصين تضم كليات أميركية وصينية على حدّ سواء. وبخلاف الاتحاد السوفياتي، يسافر ملايين الصينيين بانتظام إلى الخارج كسياح أو كعمال مؤقتين. ويحافظ ملايين الشباب الصينيين على تواصلهم اليومي مع العالم من خلال شبكة الإنترنت.

لا نستطيع أن ننكر واقع أن التوقعات الإيجابية في السنوات الأخيرة بشأن علاقة أميركية-صينية وثيقة قد تعرضت أخيراً لضغوط كبيرة نتيجة جدالات متناقضة، خصوصاً في وسائل إعلام كلا الطرفين. وقد أجج هذه الضغوط توقع تراجع الولايات المتحدة المحتم، حسبما يُفترض، وبروز الصين السريع والمتواصل.

لكن الضجة السخيفة بشأن التهديد العسكري الصيني المحتمل للولايات المتحدة تتجاهل الفوائد التي تجنيها الولايات المتحدة من موقعها الجيو-استراتيجية الممتاز على شواطئ محيطين مهمين، فضلاً عن تحالفاتها عبر المحيط من كلا الجانبين. في المقابل، تبدو الصين محاطة جغرافياً بدول لا تجمعها بها دوماً علاقات جيدة، بالإضافة إلى أن حلفاءها قلائل، هذا إن وجدوا.

ما زاد الطين بلّة وصف وسائل الإعلام الأميركية لمحاولة إدارة أوباما إعادة موازنة تركيزها نسبياً على آسيا بـ"الاستدارة". فلم يستخدم الرئيس هذه الكلمة مطلقاً، خصوصاً أنها تحمل بعض المدلولات العسكرية. الغاية من هذه الجهود الجديدة أن تكون إعادة تأكيد بناءة على حقيقة لم تتبدل، حقيقة أن الولايات المتحدة قوة في المحيطين الهادئ والأطلسي على حد سواء.

إذا أخذنا كل هذه العوامل في الاعتبار، نلاحظ أن الخطر الحقيقي الذي يهدد العلاقات الصينية-الأميركية الراسخة لا ينبع من أي نوايا عدائية يعرب عنها أي من هذه البلدين، بل من الاحتمال المقلق أن تنجر آسيا بعد استعادتها حيويتها إلى حماسة قومية شبيهة بما سبق صراعات أوروبا على الموارد والأراضي والنفوذ في القرن العشرين.

ثمة عدد كبير من النقاط الساخنة المحتملة: كوريا الشمالية ضد كوريا الجنوبية، والصين ضد اليابان، والصين ضد الهند، أو الهند ضد باكستان. ويكمن الخطر الحقيقي في أن تخرج الحماسة القومية عن السيطرة، إن حفزتها الحكومات أو سمحت بها كنوع من صمام أمان.

في هذا الإطار المتفجر، على ما يبدو، قد يتحول التدخل السياسي والاقتصادي الأميركي في آسيا إلى عامل استقرار بالغ الأهمية. ولا شك أن دور الولايات المتحدة في آسيا يجب أن يكون مماثلاً لدور بريطانيا العظمى في أوروبا خلال القرن التاسع عشر. فقد تحولت بريطانيا آنذاك إلى قوة موازنة "قبالة القارة" لا دخل لها في خصومات المنطقة ولا تسعى إلى السيطرة عليها.

كي يكون تدخل الولايات المتحدة في آسيا فاعلاً، بناءً، وحساساً استراتيجياً، يجب ألا يتركز فحسب على تحالفاتها الحالية مع دولتي اليابان وكوريا الجنوبية الديمقراطيتين، ما يخدم مصالح الصين بسبب تأثيرها الإيجابي في الاستقرار. كذلك يجب أن يشمل هذا التدخل إضفاء طابع مؤسساتي على التعاون الأميركي-الصيني.

إذن، يجب أن تحرص الولايات المتحدة والصين على ألا تدعا تنافسهما الاقتصادي يتحول إلى عداء سياسي. من هنا تنشأ الحاجة إلى تعاون متبادل ثنائي أو متعدد الأطراف، لا استثناء متبادل. على سبيل المثال، يجب ألا تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة "شراكة عبر الهادئ" من دون الصين. كذلك يجب ألا تحاول الصين عقد اتفاق اقتصادي إقليمي شامل من دون الولايات المتحدة.

يمكن أن يتفادى التاريخ تكرار الصراعات المدمرة التي شهدها القرن العشرون، إن كان وجود الولايات المتحدة في آسيا عامل استقرار، لا كشرطي، وإن أصبحت الصين قوة بارزة، لا مسيطرة، في المنطقة.

في شهر يناير عام 2011، التقى الرئيس أوباما والرئيس الصيني المنتهية ولايته اليوم هو جينتاو وأصدرا بياناً جريئاً فصّل التزاماتهما المشتركة واقترح بناء شراكة تاريخية غير مسبوقة بين الولايات المتحدة والصين.

ومع إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما واستعداد رئيس الحزب الشيوعي شي جين بينغ لاستلام الرئاسة الصينية في الشهر الحالي، يجب أن يلتقي الرئيسان لإعادة ترسيخ العلاقة الأميركية-الصينية وتعزيزها. فهذه العلاقة، سواء كانت حيوية وقوية أو ضعيفة ومليئة بالريبة، ستنعكس على العالم بأسره.

* مستشار الرئيس الأميركي جيمي كارتر لشؤون الأمن القومي.

back to top