أوباما يصعّب على بوتين المضي قدماً في ممارساته القمعية

نشر في 16-08-2013
آخر تحديث 16-08-2013 | 00:01
بوتين يقمع معارضيه ويحتقر أميركا ورئيسها ويريد من جهة أخرى الشرعية وقبول الغرب من دون أن يتخلى عن صورة الرجل القوي، فهو يعتبر الوقوف مع نظرائه في مجموعة الدول الثماني السنة المقبلة، كما هو مقرر، أو مشاركته المسرح مع رئيس أميركا مجرد وسائل لتعزيز شرعية حكمه دولياً وداخلياً على حد سواء.
 موسكو تايمز يُعتبر قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الأربعاء الماضي إلغاء لقائه الثنائي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المقرر عقده في مطلع شهر سبتمبر صائباً لأسباب عدة، فقد أظهر هذا القرار الإصلاحات الكثيرة التي تحتاجها سياسة "إعادة الضبط" التي يطبقها أوباما في تعامله مع روسيا.

دفعت عوامل متراكمة عدة أوباما إلى اتخاذ قرار مماثل، فقد أشار بيان المسؤول الإعلامي في البيت الأبيض إلى "غياب التقدم في مسائل مثل الدفاع الصاروخي، والحد من انتشار الأسلحة، والتجارة والعلاقات التجارية، ومسائل الأمن القومي وحقوق الإنسان والمجتمع المدني خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة".

شرح أوباما هذه النقطة خلال مؤتمر صحافي عقده يوم الجمعة الماضية، فقال متحدثاً عن عودة بوتين إلى السلطة السنة الماضية: "أعتقد أننا لاحظنا في الجانب الروسي تنامي الخطاب المناهض للولايات المتحدة، الذي أعاد إلى الذاكرة بعض الصور النمطية عن تنافس الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا. شجعتُ الرئيس بوتين على النظر نحو الأمام لا الخلف في هذه المسائل، إلا أنني لم أحقق نجاحاً كبيراً". أدرك المسؤولون الأميركيون أنهم لم يحققوا أي نتائج تبرر انعقاد قمة في شهر سبتمبر، فعندما اجتمع الرئيسان آخر مرة في شهر يونيو الماضي على هامش قمة مجموعة الدول الثماني في أيرلندا الشمالية، أصدر أوباما وبوتين بياناً مشتركا تناول على نحو غريب "مبادئ الاحترام المتبادل".

ولكن يجب ألا يحترم الجانب الأميركي مطلقاً قمع بوتين العنيف لحقوق الإنسان، الذي يُعتبر الأسوأ في روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. صحيح أن مستشار بوتين في مجال السياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، اشتكى من أن الولايات المتحدة "لا تزال غير جاهزة لتبني علاقاتها مع روسيا على أسس المساواة"، إلا أن الولايات المتحدة وروسيا ليستا متساويتين.

تحدث بيان قمة الدول الثماني أيضاً عن "احترام حقيقي لمصالح الآخر"، ولكن يجب ألا يحترم أوباما تصوير بوتين الولايات المتحدة على أنها الشر بحد ذاته أو دعمه القائد السوري القاتل بشار الأسد.

يبدو التضاد واضحاً بيننا في المسألة السورية، مع دفع بوتين روسيا إلى الوقوف إلى جانب "حماس" وإيران، داعماً في الوقت ذاته الأسد ومقدما له السلاح. ولعل الأمثلة الأخيرة على هجوم بوتين غير المسبوق على حقوق الإنسان إدانة المحامي سيرغي مانييتسكي بعد وفاته، والحكم بالسجن خمس سنوات على قائد المعارضة ألكسي نافالني، والمداهمات التي تعرضت لها مئات المنظمات غير الحكومية لأنها لم تنصع لموجب تبنيها التصنيف "عميل أجنبي". علاوة على ذلك، لا يزال مَن ارتبط اسمهم بتظاهرة "ساحة بولوتنايا" قبل نحو سنة يواجهون الملاحقة القضائية، ويقبع كثيرون منهم في السجن. كذلك تراقب الأجهزة الأمنية الروسية بكل وقاحة الناشطين وشخصيات المعارضة وتتبعهم، ودعم الكرملين أيضا حملة مناهضة للمثلية الجنسية أججت غضب الغرب.

حتى لو كان بعض هذه الخطوات يروق للشعب الروسي، فإنها تتناقض مع مصالح الولايات المتحدة وقيمها، وما عاد بإمكان الرئيس أوباما غض النظر. شكلت قضية إدوارد سنودن القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى البيت الأبيض، إلا أنها لم تكن السبب الرئيس، ويجب ألا تكون كذلك، فكما ذكر بوتين، لم يدعُ هو سنودن إلى موسكو.  

كشف تطرق أوباما خلال مؤتمره الصحافي إلى حملة بوتين المناهضة للولايات المتحدة لب المشكلة، فقد عمد بوتين بشكل منتظم إلى التجريح بالولايات المتحدة، واصفاً إياها بالخطر. أتذكرون غضبه من الغرب، الذي عبر عنه في خطابه في ميونخ عام 2007، ومن ثم مقارنته بعد بضعة أشهر الولايات المتحدة بـ"الرايخ الثالث"، أو تهجمه المتكرر على وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون التي لامها على تحريك التظاهرات في روسيا في شهر ديسمبر عام 2011؟ كذلك عبر بوتين بوضوح عن احتقاره لنظيره الأميركي الحالي وعدم احترامه للولايات المتحدة عموماً. ويُعتبر منح سنودن اللجوء قبل شهر واحد من قدوم أوباما إلى موسكو للقاء بوتين الوجه الأخير من أوجه حملة بوتين المناهضة للولايات المتحدة.

يعكس هذا حالة الفصام أو الشيزوفرينيا التي يعيشها بوتين في تعاطيه مع الولايات المتحدة، فمن جهة، يصور الولايات المتحدة على أنها شر ويصفها بالخطر في محاولته لتبرير طريقة حكمه روسيا وترسيخه سيطرته، بدءاً من استيلائه على شبكات التلفزة في مرحلة باكرة من عهده الرئاسي وصولاً إلى استغلاله الجهاز القضائي لاستهداف قادة المعارضة البارزين، أمثال ميخائيل خودوركوفسكي عام 2003 ونافالني.

 إذن، بإشرافه على نظام فاسد، يحاول بوتين زرع الخوف في نفوس مَن يتجرؤون على تحدي سلطته، مختلقاً في الوقت عينه التهديدات من الغرب ليبرر كل ما يحتاج القيام به للحفاظ على هذه السلطة.

 يكشف تقرير أخير أعده "مركز ليفادا" أن الشعور بالاحباط حيال سلوك بوتين بدأ يتنامى بين الروس، فضلاً عن أن الاقتصاد يواجه تحديات خطيرة، ونتيجة لذلك، نتوقع أن تتحول الولايات المتحدة إلى مشجب يعلق عليه بوتين كل مناوراته وهفواته.

لكن الرئيس الروسي يريد من جهة أخرى الشرعية وقبول الغرب من دون أن يتخلى عن صورة الرجل القوي، فهو يعتبر الوقوف مع نظرائه في مجموعة الدول الثماني، الذين سيستقبلهم السنة المقبلة، كما هو مقرر، أو مشاركته المسرح مع الرئيس الأميركي مجرد وسائل لتعزيز شرعية حكمه دولياً وداخلياً على حد سواء.

قرر أوباما أخيراً الخروج عن صمته المؤلم الطويل تجاه سلوك بوتين وخطابه الوقحَين، معلنا أنه نال كفايته. فبإلغائه لقاءه مع بوتين، تخلى أوباما عن ركيزتين أساسيتين في سياسة إعادة الضبط التي اعتمدها: كلامه السعيد عن مقاربة من العلاقات مع روسيا "يكون فيها الجميع فائزين" ورفضه العلني والمتكرر لربط المسائل إحداها بالأخرى. لكن عقلية بوتين، التي تقوم على ضرورة وجود خاسر ورابح، لا تتقبل التفكير بطرق تعود بالفائدة على الجميع.

حتى الأسبوع الماضي، أوضحت الإدارة الأميركية أن قمع بوتين حقوق الإنسان وحملته المناهضة للولايات المتحدة لن يؤثرا في العلاقات الأميركية-الروسية الأوسع، لكن هذه المقاربة المتهورة أعطت بوتين الضوء الأخضر لينهمك في انتهاكات مشينة من دون أن يقلق حيال انعكاس ذلك على العلاقات الثنائية، ولكن في الأسبوع الماضي، أقدم أوباما على إجراء إصلاح لهذه السياسة طال انتظاره. فانتقل من الضوء الأخضر إلى الأصفر على الأقل، فوجه بذلك رسالة واضحة إلى بوتين والروس على حد سواء، مفادها أن عليهم دفع ثمن أي سلوك سيئ.

David Kramer

back to top