أن تكون أكثر يميناً

نشر في 30-04-2013
آخر تحديث 30-04-2013 | 12:51
 باسم يوسف في الستينيات والسبعينيات عانى الحزب الجمهوري في أميركا هزائم متتالية في انتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ أمام الحزب الديمقراطي، فالحزب الجمهوري المحافظ اقتصادياً لم يستطع مواجهة الحزب الديمقراطي على كثير من الصُّعُد الاجتماعية مثل العدالة الاجتماعية والصحة والتعليم، فالحزب الجمهوري يشجع الرأسمالية الفجة ولا يلتفت إلى قضايا الأمن الاجتماعي أو المساواة مع الأقليات، ولم يبذل أي جهد في استيعاب الفئات المهمشة في المجتمع أو ازدياد عدد المهاجرين.

كان الحزب الجمهوري في حاجة إلى تغيير سياساته ليوقف النزيف الانتخابي على مدى سنوات، فعهِد الحزب إلى مجموعة من الخبراء بمهمة استعادة مكانته الانتخابية، بعد شهور من البحث لاحظ هؤلاء الخبراء أن هناك مناطق بل ولايات كاملة تتميز بأداء سلبي جداً في الانتخابات، فنسبة التصويت فيها متدنية جداً، وتقع هذه المناطق في ما يعرف بالحزام الإنجيلي، وتضم كثيراً من ولايات الجنوب، ولاحظوا أيضاً أن نسبة مشاركة المناطق الريفية تقترب إلى الصفر، ليس لانعدام الإمكانيات أو الوعي، ولكن لأن سكان هذه المناطق لا يرون أن أياً من المرشحين يطبق كلام الله وكلام الإنجيل كما يجب.

هنا كانت نقطة تحوُّل الخطاب الانتخابي للحزب الجمهوري، وكانت بداية تحوله من حزب محافظ من الناحية الاقتصادية فقط إلى حزب محافظ دينياً أيضاً، وبدأ بمغازلة هذه الكتلة اليمينية ذات الاتجاه الديني، فبدلاً من أن ينافس الحزب الديمقراطي على النطاق الاقتصادي فقط، فضّل أن يقدم على ذلك موضوعات مثل حق المرأة في الإجهاض، وغيرها من الأمور المثيرة للجدل اجتماعياً.

بعد ما يقرب من أربعين عاماً تحول الحزب الجمهوري إلى حزب عنصري بامتياز، فهو كاره للأقليات، كاره للطوائف المهمشة في البلاد، مساند لامتلاك الأسلحة، محتقر لثقافات العالم، مؤيد لإشعال الحرب دائماً، عاشق بلا شروط لإسرائيل لإيمانه بحقها الإلهي في الأرض.

وأصبح اسم الحزب الشائع هو الحزب الغبي، بل إن أحد ممثلي الحزب بوبي جنديل قال في خطبة مشهورة: "يجب أن نتوقف عن كوننا الحزب الغبي".

فبعد أربعين عاماً من سياسات يمينية متطرفة أبرز هذا الحزب خيرة من أغبى أغبياء أميركا كقيادات مثل جورج دبليو بوش وسارة بالين.

وأدت السياسات العنصرية لهذا الحزب إلى انصراف الكثير من الأقليات عن التصويت له، فمثلاً كان معظم العرب والمسلمين يصوتون للحزب الجمهوري لوقوفه ضد الإجهاض وحقوق الشواذ، وتطابق السياسات المحافظة مع عاداتهم وتقاليدهم، ولكن منذ تولي جورج دبليو بوش الرئاسة وصعود نجم المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري تحولت الإرادة الانتخابية لهؤلاء المسلمين والعرب إلى التصويت للحزب الديمقراطي مع أنه حزب أكثر ليبرالية، لأنهم وجدوا أن الحزب المحافظ أصبح محافظاً عنصرياً وناشراً لخطاب الكراهية.

وكما أن الغباء لا دين له، فإنه أيضاً لا حدود ولا سقف له، فمنذ عدة سنوات ظهرت في أميركا مجموعة سمت أنفسها بحفلة الشاي (TeaParty) وهؤلاء هم أكثر يميناً من السياسات العامة للحزب الجمهوري، فهم متطرفون أكثر تديناً وأكثر تشدداً، وفي رأيهم أن الحزب الجمهوري أصبح مائعاً وابتعد عن الطريق المحافظ القويم، بل اتهمت هذه الجماعة بعض قيادات الحزب بأنهم غير مسيحيين بالقدر الكافي.

الشيء الوحيد الذي يقف أمام هؤلاء المتطرفين هو الدستور، حيث إن هناك حماية واضحة لحقوق الناس من سيطرة الكنيسة أو الدين، وحتى مع حدوث تجاوزات تبقى قاعدة فصل السياسة عن الكنيسة أو كما يقولون: SEPERATIONOFSTATEANDCHURCH

أقرأ هذه الأحداث وأنظر إلى جماعة "الإخوان"، كانت هناك فرصة ذهبية لهذه الجماعة لتكرر النموذج التركي، بأن يجمعوا الكل تحت مظلة واحدة، ولكنهم آثروا أن يتعمقوا أكثر ناحية اليمين، وأن يتحالفوا مع الحركات السلفية، وأن يلعبوا بكارت الدين المضمون في الانتخابات.

ولكن لأنهم اختاروا أن يزايدوا على الآخرين باستعمال المقدس، تم استخدام نفس السلاح المقدس تجاههم، فالكثير من السلفيين ومنهم حزب "النور" يتهمونهم بأنهم أسقطوا الشريعة، وأنهم مائعون وأنهم لا يطبقون شرع الله، فاشتعلت المعارك الفقهية على أمور اقتصادية بحتة، من الصكوك إلى القرض، إلى أذونات الخزانة، بل ذهبت بعض القيادات الجهادية إلى تكفير الرئيس مرسي شخصياً.

الآن يحترق "الإخوان" بسلاح اليمين الذي أشهروه في وجوهنا، ولكن معهم تحترق مصر، فبعد أن كان أكبر هَم المسلم الملتزم العادي ألا يتعقبه أحد أو ألا يعتقله أحد، وأن يشارك في الحكم بصورة عادلة تضمن حقوقه ولا تصادر حقه في الدعوة، قلبها "الإخوان" بآلاتهم الإعلامية وباستخدامهم الخبيث للسلفيين إلى معركة بقاء لابد أن ينتصر فيها المشروع الإسلامي، ولابد أن يطبق فيها شرع الله على الجميع، لا يهم التعريف الهمايوني للمشروع الإسلامي ولا فهمهم المنحرف لشرع الله، فقد أصبحت معركة ينتصر فيها صاحب الصوت الأعلى والأكثر مزايدة على الجميع، ومع المزايدة جاءت الكراهية واحتقار الأقليات وازدراء ثقافات وآراء الآخرين.

وبانعدام فصلٍ واضح بين الدين والسياسة، كما في الدستور الأميركي، لا سقف للمزايدة الدينية في هذا البلد.

فإذا فتحت باب المزايدة في الدين فسيأتي من هو أكثر منك تديناً، من يتظاهر بالورع والتقوى أكثر منك ويضعك في إشكالية أنك لا تطبق النص (بصرف النظر عن تفسيرات هذا النص) أو أنك ضد الشريعة (مع وجود مرونة وسعة في هذه الشريعة)، فالنتيجة أن المزايدة لن تتوقف حتى تصل إلى مداها المتطرف، لأن هناك دائماً من يقول للناس إنك لست مسلماً ولست متديناً بما فيه الكفاية.

لقد زايد "الإخوان" علينا ثم زايد عليهم السلفيون ثم زايد الجهاديون على كليهما، فوقف المواطن من بعيد يسأل نفسه: "أين الإسلام في وسط هذا الهراء؟"

أفسدتم الدين بالسياسة، ودمرتم السياسة باسم الدين، وأفشيتم الكراهية بين الناس، فتحتمْ علينا أبواب المزايدات المقدسة، فلم يعد هناك سقف للتطرف، ولا سقف للعنصرية ولا سقف للغباء.

ربما تفوزون بالانتخابات، المقاعد، وتسيطرون على الشارع باستخدام كارت الدين وتتخفون وراء لعبة الطائفية البغيضة، ولكنكم خسرتم أنفسكم وأوغرتم صدور الناس ضد بعضهم البعض، حين استخدمتم الدين المقدس في لعبة السياسة غير المقدسة.

لن يترككم الله ولن يسامحكم على ما فعلتموه في هذا البلد وهذا الدين.

وحين تستعر الحرب الأهلية في هذا البلد سيذكر التاريخ في أي عهد بدأت وبسبب مَن اشتعلت.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

* ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top