الذين يشتمون الليبرالية!

نشر في 16-04-2013
آخر تحديث 16-04-2013 | 00:01
 حمد نايف العنزي   لعبت الأديان منذ ظهورها دوراً كبيراً في غرس القيم والمبادئ الأخلاقية لبني البشر، كما بثت الطمأنينة في النفوس وأعطت الفقراء والبؤساء والمظلومين في هذه الدنيا أملاً بحياة أخرى ينالون فيها طيب العيش والراحة الأبدية، وكان لها أثر إيجابي كبير في حياة الإنسان وتعاملاته مع بني جنسه ومع الحيوان والنبات وكل ما يحيط به في هذا الكون!

لكنها على الجانب الآخر، ورغم كل الخير الذي قدمته للبشرية فإنها للأسف، كانت السبب الأكبر في معظم الحروب البشرية، وسببا رئيسيا للكراهية والحقد والرغبة في القضاء على الآخر!

فعلى خلاف ما تدعو له الأديان من تسامح ومحبة ورحمة وإخاء، يظهر دوما من يدعي أنه الوكيل الحصري لمعاني الكلمات المقدسة ليلبسها معنى غير الذي يراد منها، ليحولها إلى جمرات تشتعل في قلوب "المؤمنين" نحو غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، وباسم الدين تشن الحروب المقدسة، ومن أجل رضا الآلهة والأرباب يموت "الكافرون"، الذين هم في واقع الأمر كل "المؤمنين"، فكل منهم كافر في نظر الآخر!

وقد استمرت هذه الحروب المقدسة قروناً طويلة ولم تنته في أوروبا إلا في القرنين الأخيرين مع انتهاء الدولة الدينية ونشوء الدولة المدنية التي تتبنى الفكر العلماني والليبرالي بفصل الدين عن الدولة واعتبار جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن أديانهم ومعتقداتهم، وانعكاس ذلك بالتالي على تعامل الدولة خارجياً مع باقي الدول، حيث لا اعتبار للدين في تلك التعاملات، وهو الأمر الذي لا نزال نفتقده في عالمنا العربي الذي يستمر حتى اليوم في تصنيف الدول ليس فقط على دينها إنما على مذهبها إن كانت سنية أو شيعية!

وثورات الربيع العربي تنبئنا بأن الشعوب العربية أسوأ في هذا الأمر من حكوماتها، ولو ترك لها الأمر لاختارت الدولة الدينية على الدولة المدنية بعدما عانت الويلات على يد الدكتاتورية، والسبب في ذلك يعود في نظري إلى "المثالية" التي يعرض بها شيوخ الدين التاريخ الإسلامي بتغاضيهم عما كان يفعل خلفاء الدولة الإسلامية من فظائع ومآس، والتركيز على بطولاتهم وعدلهم المصطنع وكرمهم المبالغ فيه، لتأتي المقارنة الظالمة بين واقع الإنسان العربي الذي يعيش الذل على يد من يحكمونه مع التاريخ– الذي خضع لعمليات تجميل كثيرة- للدولة الإسلامية، والتي كانت جميلة حقا في فترات محدودة إبان الخلافة الراشدة مضافا إليها الفترة القصيرة التي حكم بها عمر بن عبدالعزيز وقلة من أمثاله العالم الإسلامي، فيما عدا ذلك لم تكن تلك الخلافة سوى مُلك عضوض يورث من طاغية إلى طاغية، لا يفرق كثيرا عن واقعنا الحالي، وربما أسوأ بكثير!

والمتوقع، قياسا بنتائج الانتخابات التي جرت في دول الربيع العربي، ستتحول أكثر من نصف الدول العربية خلال عقد أو عقدين إلى دول ذات صبغة دينية، يصبح معها العالم العربي في حالة صدام مع العالم الخارجي، فالدولة الدينية أصبحت خارج الزمن وإحياؤها من جديد حماقة ستجلب عليهم التخلف والفقر والتعصب والتطرف، وعلى الأرجح ستتآكل هذه الدول من خلال الحروب الأهلية لأصحاب المذاهب الدينية الذين لن يرتاح لأحدهم بال حتى يقضي على الآخر الذي يشاركه الخطوط العريضة للعقيدة، ويختلف معه في التفاصيل، وهو مبرر أكثر من كاف للقتل والتمثيل بالجثث!

وكل الذين يشتمون الليبرالية اليوم لا يعلمون أنها نعمة من الله نزلت على البشرية وعليهم على وجه الخصوص، فلولا انتشارها في العالم الغربي واندثار فكرة الدولة الدينية لدانت السيطرة للمتطرفين المسيحيين على حكم تلك الدول، ولشنوا حروبهم المقدسة لا بالسيوف والرماح كما كان في السابق، بل بالترسانة النووية والأسلحة الكيماوية والجرثومية ليتم القضاء على العرب والمسلمين في ساعات معدودة، فميزان القوى بيننا وبينهم واحد الى المليون، فاحمدوا الله على نعمة الليبرالية لديهم وادعوا بأن تعم عالمنا الموبوء بالتعصب والتطرف لعل الحال تنصلح... قولوا آمين!

back to top