ما عاد يعيش فيها أحد

نشر في 16-07-2013
آخر تحديث 16-07-2013 | 13:01
 باسم يوسف ألف مبروك يا جماعة فقد تخلصنا من "الإخوان" للأبد، ألف ألف مبروك، يااااه كانت غمة وانزاحت.

 أخيراً سنرى مصر بدون "إخوان"، وإن شاء الله حتكمل ومش حنشوف سلفيين تاني، كلها كام يوم ويحصلوا "الإخوان" إلى السجون والمعتقلات وتعود مصر إلى المصريين، أيوه، تعود مصر للمصريين اللي شكلهم حلو ونضيف من غير دقن ومن غير نقاب، المصريين اللي بنشوفهم في الإعلانات والمسلسلات، خلاص تعيش مصر حرة ليبرالية، بلا إخوان بلا سلفيين بلا إرهابيين يا شيخ، نعم؟ بتقول إيه؟ فيه إخوان ماتوا عند الحرس الجمهوري؟ طب وإيه اللي وداهم هناك؟ إيه ده انت مش فرحان فيهم؟ انت مش شمتان فيهم؟ يبقى انت معاهم! يبقى انت ضد الجيش والوطن وبتشتغل إرهابي بعد الظهر!

- لا يا سيدي أنا مع اللي حصل في 30 يونيو وشايف أن مرسي ماكانش ينفع يكمل لكن مش معنى كده إني ما طلبتش بالتحقيق في اللي حصل في الحرس الجمهوري أو إني أعرف لغاية امتى حتفضل القنوات دي مقفولة، أو إني أشوف إن لغة القنوات الخاصة الآن مليئة بالتحريض والعنصرية.

- لا لا أنت واحد مايع، خلي حقوق الإنسان دي تنفعك، لا ينفع إلا الشدة مع هؤلاء، يجب أن نطهر بلادنا منهم... ما سبق عزيزي القارئ هو لسان حال الكثيرين ممن يعيشون نشوة الانتصار الساحق على إخوان أو هكذا يتصورون، هؤلاء لا تختلف ميولهم الفاشية عن ميول المتأسلمين الذين يرون أنك يجب أن تختفي من هذا الكوكب نصرة للدين ولكننا مختلفون فنحن نفعلها نصرة للوطن، هؤلاء بليبراليتهم وتشدقهم بالحرية لا يختلفون عن خالد عبدالله "الداعية" بتاع ربنا الذي كان يتألق بعبارته المفضلة: "ربنا يريحنا منكم ومن أشكالكم"، أنا لا أثق بالإخوان ولا أصدقهم، فبالتجربة هم لا يحترمون كلمتهم ويكذبون ويكذبون طالما ذلك يخدم هدفهم السياسي ولديهم من التخريجات والمبررات التي تمكنهم من ليّ عنق الدين ما دام يخدم السياسة، الإخوان والسلفيون وقفوا وصفقوا لمصطفى بكري في مجلس الشعب وهو يتهم البرادعي بالعمالة.

الإخوان والسلفيون وقفوا مع "الداخلية" وطالبوا بقتل من يقترب منها، وقالوا عن المعتصمين في التحرير انهم بلطجية وعملاء وشواذ ومدمنو مخدرات، الإسلاميون هم أول من لحس البيادة واعتبروا أن الهجوم على الجيش هو هجوم على الوطن، الإسلاميون هم أكثر من خوّن الأقباط وتجاهل قتلاهم في ماسبيرو واتهموهم بالعمالة وبالاستقواء بالخارج، ثم جرى ممثلو الإخوان على واشنطن والمحطات الأميركية الفاجرة الكافرة المعادية للإسلام وهللوا لإشاعة تحرك بوارج أميركية نحو مصر وعلقوا لافتات بالإنكليزية في منصة رابعة.

 البلتاجي قال إن العمليات الإرهابية في سيناء ستتوقف في اللحظة التي سيعود فيها مرسي إلى الحكم، أي ان قياديا إخوانيا يعترف أن رئيسه المخلوع يعتمد على إرهابيين لتثبيت دعائم حكمه.

نعم فعل الإخوان كل ذلك وأكثر، ولذلك استحق مرسي أن يخرج الناس عليه، واستحقت جماعته الكراهية والنفور من الناس، وتستحق قيادات الإخوان التحقيق معهم في تهم التحريض والعنف وعلاقتهم الخارجية المشبوهة، ولكن كل ذلك مسار سياسي قانوني جنائي يجب أن يأخذ مجراه، ولكن لديك على الأرض حالة إنسانية، ناس فقدوا حياتهم سواء من الإخوان أو من الجيش أو من الأهالي المتضررين. كل يوم من توابع الاعتصام الممتد في رابعة، لديك مواطنون يعتقدون أنهم إذا تركوا الاعتصام فسيقتلون أو يسجنون، هؤلاء يا سيدي لن يختفوا من الساحة، ولو ذهبوا من رابعة فإنهم سيعودون إلى بيوتهم بكراهية وإحباط وغل يكبر ويتوحش في أقاصي الصعيد، ومجاهل الدلتا، وسيعود بصورة أخرى أكثر عنفاً.

نشوة الانتصار والتعالي والغرور التي نراها الآن في الإعلام الخاص هي ما أنهت سطوة الإخوان وأطاحت بشعبيتهم، ونحن الآن نعيد نفس الأخطاء كأن لدينا ذاكرة السمكة.

أستطيع أن أكتب مجلدات في مدى غباء الإخوان وإفسادهم للدين والسياسة، ولكن تلك معركة أخرى بأدوات مختلفة، ولكننا نخسر هذه المعركة قبل أن تبدأ، لأن مدعي الحرية ومن كانوا يصرخون من فاشية وعنصرية الإخوان يساهمون في إعادة التعاطف معهم، ويمثلون عاراً على مبادئ الحرية التي يتشدقون بها، نحن نتجه بامتياز لأجواء التسعينيات، حيث ركنا إلى الحل الأمني والتشويه الإعلامي وتركنا ناراً تستعر في الصدور، وتطرفاً يتزايد يوماً بعد يوم، نعم كان غلق القنوات مهماً في مرحلة حساسة، ولكن أنا أقول اتركوهم يعودون ويتكلمون فما زادهم ذلك إلا كراهية ونفوراً، لا تعطوهم فرص عيش دور الضحية، مم تخافون؟ من خطابهم الإعلامي العنصري؟ أم من غبائهم السياسي المفضوح؟

عزيزي الليبرالي الكاره للإخوان، منذ عدة أسابيع كنت تئن بالشكوى يائساً من إصلاح الحال، والآن بعد أن منّ عليك الله بزوال الغمة أصبحت نسخة منقحة من فاشيتهم ومن عنصريتهم، ستقول لي إنهم يستحقون وإنهم ساندوا السلطات واستقووا بها عليك وكذبوا وغشوا ونشروا وصدقوا إشاعات التخوين والتكفير، لكن هل هذه حجتك؟ هل جعلت أسلوبهم المنحط مثلاً أعلى لك بدلاً من أن تحترم المبادئ التي طالما ناديت بها؟ هم فقدوا بوصلتهم الأخلاقية منذ زمن بعيد، هل ترى ذلك مثلاً يحتذى به؟

ألا ترى أنك بتحريضك على الفلسطينيين والسوريين لم تختلف عن تحريضهم على الشيعة والبهائيين والمسيحيين والمسلمين الذين اعترضوا على الإخوان والسلفيين؟ لقد استبدلنا فزاعة "عداوة المشروع الإسلامي" بفزاعة "عداوة الوطن وخيانته"، اختلفت الأفكار والتوجهات والمظاهر وبقيت الفاشية والعنصرية لتجمعنا على الكراهية وتؤلف بين أحقادنا.

حاكم القيادات الإخوانية، وحقق في أحداث الحرس الجمهوري،  واعمل على إرساء مبادئ العدل، سواء كان الضحية من معسكرك أو المعسكر الآخر، طالب بإطار واضح لعمل الأحزاب السياسية حتى لا يتغول الخطاب العنصري والطائفي مرة أخرى، نعم يجب أن يحاكم قيادات الإخوان، كما حوكم قيادات الحزب الوطني في حالة توافر الأدلة وفي إطار القانون، ولكن تذكر أنك لن تستطيع أن تمحو الآلاف المؤلفة من الوجود، لن تستطيع أن تعتقل الآلاف بعائلاتهم وأطفالهم، ولن تستطيع أن تمنعهم من الفوز بانتخابات النقابات، وكل ما تفعله أنك ترتكب نفس أخطاء الماضي بدفنها الآن، ولكنك تؤجلها لتنفجر في وجهك أو في وجه أطفالك وأحفادك.

تحية لمن لم يتركوا نشوة الانتصار تنسيهم إنسانيتهم، هؤلاء القلة معزولون منبوذون من الجميع، هؤلاء غير مرحب بهم في أي من المعسكرين إن لم يبدوا فروض الولاء للكراهية والشماتة.

 الإنسانية الآن أصبحت جزيرة معزولة بين أمواج العنصرية والتطرف، يعيش عليها هؤلاء المنبوذون، تضيع أصواتهم في وسط نداءات الانتقام ودعوات القتل. لا يبدو أن هناك توقعات متفائلة بزيادة عدد سكان هذه الجزيرة في القريب العاجل، ولكن ربما في المستقبل يبدأ الناس في الهجرة إليها ويحاولون أن يتعرفوا على مخلوق تم انتزاعه منا جميعاً يسمى الإنسانية.

 أكثر ما أخشاه أن يأتي وقت علينا نمر بهذه الجزيرة فنضرب كفاً بكف ونقول "يا خسارة، ما عاد يعيش فيها أحد".

back to top