«الربيع العربي» وهذا الشارع

نشر في 27-03-2013
آخر تحديث 27-03-2013 | 00:01
لم نشهد أن الشارع العربي، تظاهر لأسباب اقتصادية، وهي أمور مهمة وحيوية، فلم نشهد تظاهرات ضد الجوع إلا في عام 1976 في تونس، وفي عام 1977 في مصر، وفي عام 1989 في الأردن، في حين أن الجوع مستمر كل يوم، وبازدياد كبير في معظم العالم العربي.
 د. شاكر النابلسي -1-

هل يمكن للشارع العربي، أن يؤثر في مجريات الأمور السياسية في العالم العربي، وهل يمكن أن يأتي بنتائج إيجابية؟

لقد أصبح الشارع العربي الصوت الوحيد المسموع في هذه الأيام، بمناسبة "الربيع العربي".

لم يعد الشارع في العالم كما كان في السابق، عبارة عن ممر للمشاة والراكبين، كما لم يعد في العالم العربي مجرد مكان للتسكع، وانتشار المقاهي على جانبيه، لعلك الكلام، وهشّ الذباب، وبثِّ الهيام، كما لم يعد مكاناً لرمي الزبالة، والتبوّل.

لقد أصبح الشارع في بقية أنحاء العالم المتحضر والديمقراطي والواعي، برلمان الأمة الحقيقي بعيداً عن أصحاب الياقات المنشّاة، وبعيداً عن خطب السياسيين المحترفين.

أصبح الشارع فضاء الرأي الفطري، رغم هيمنة الأحزاب السياسية، والمنظمات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية على جانب منه.

أما الشارع العربي، فقد أصبح فضاءً غير مؤطر، وغير منظَّم للحرية، حيث لا فضاء غيره في دنيا العرب الحالية، ففيه يمكنك أن تقول ما لا يُقال، وتعبّر عمّا لا يُعبّر عنه في أي مجال، أو وسيلة أخرى، وخروج المواطن إلى الشارع، لا يكون إلا لرمي آخر سهم في جعبته، وإطلاق الرصاصة الأخيرة، والصرخة الأخيرة، وهو أضعف الإيمان.

فالشارع هو آخر المطاف للمقهورين، وهو حبل النجاة للمعارضة المقموعة.  وفي الشارع– كما تقول نازك الأعرج– "تتعلم الجموع ألف باء وعي الذات الجمعية، ويدركون روح التضامن، ويتوصلون إلى الانتماء الكلي الإنساني".

ويعتبر الشارع، في بعض الأوقات، وفي بعض البلدان العربية التي فيها وعي سياسي كبير ونسبة أميّة قليلة، برلمان العرب الحقيقي، بعيداً عن الزيف، والكذب، والخداع، والمراوغة.

-2-

كلما كان الشارع واعياً ومثقفاً ثقافة سياسية عميقة، وثقافة عامة راقية، أصبح مؤثراً وفعالاً، ومن دون ذلك، لا يُتوقع أن تزداد فعالية الشارع العربي، وأن يؤثر في السياسات الخارجية والداخلية في العالم العربي، في ظل ضعف الأنظمة العربية سياسياً واقتصادياً. وأن قول البعض من أن الشارع العربي الآن كسلاح، يوازي أهمية البترول، قول مجاني لا يرقى إلى الحقائق الموضوعية بصلة، فيما لو علمنا أثر الأمراض المتفشية الكثيرة في المجتمع العربي، والتي تنعكس على الحالة الصحية والمدنية للرأي العام العربي (وهو الشارع) المُعتل.

فكيف يمكن للمريض المُعتل أن يكون سلاحاً حاداً؟

-3-

لقد أصبح الشارع العربي الآن- ممثلا بالطلبة، والعاطلين عن العمل، والفقراء- بمنزلة الرأي العام العربي، الذي نادراً ما يضع النقاط على الحروف، ويقول كلمته فيما يجري، في ظل غياب الحرية والديمقراطية في العالم العربي، وفي ظل اضطهاد الرأي الآخر، وفي ظل عدم إمكانية إجراء استطلاعات للرأي العام، دالة، وصحيحة، يمكن بناء القرارات على أساسها، نتيجة للخوف من السلطة في قول الحقيقة، ونتيجة لعدم وجود الثقافة الكافية للمستطلَعين المستهدفين، ومعرفتهم الموضوعية، لما يدور حولهم من مشاكل، وقضايا.

-4-

ليس هناك شارع عربي واحد موحد، وإنما هناك عدة شوارع عربية إقليمية، تجتمع على العموميات، وتختلف على الجزئيات والتفاصيل، وهذا هو المهم، فالشيطان يقبع دائماً في التفاصيل كما يقولون. وهذه الشوارع –مثلاً- تتفق على تحرير فلسطين، ولكنها تختلف على كيفية تحرير فلسطين بالسلم، أم بالحرب. بسلم منظمة "فتح" والسلطة الفلسطينية، أم بحرب "حماس" وبصواريخ "القسّام". وتجتمع على ضرورة الحفاظ على الهوية العربية، ولكنها تختلف على أية هوية يجب أن نحافظ: الهوية القومية، أم الهوية الدينية.

وكان موقف الشوارع العربية المختلفة من عملية السلام بين بعض العرب وإسرائيل، مختلفاً، ومتبايناً. ويعتقد بعض الباحثين المتفائلين، أن هذا الانقسام في الشارع العربي، علامة صحة، ودليل وعي سياسي. ويقول الباحث الفلسطيني-الكويتي شفيق الغبرا "من الضروري الاعتراف بهذا الخلاف، لكي يكون الحوار بين العرب على أسس أكثر نضجاً، وأكثر تقبلاً، لهذا التعدد" (الرأي العام بين الإجماع والانقسام"، جريدة "البيان"، دبي، 28/9/1999).

-5-

إن الشارع العربي الحقيقي وُجِدَ الآن في العالم العربي، حيث كان الشارع العربي، نادراً ما يتحرك للتعبير عن قضايا سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية محلية. وكان الشارع العربي لا يتحرك بشكل كبير ومؤثر إلا تجاه قضيتين فقط: فلسطين (حائط مبكى العرب)، وما يمسّ الإسلام. وما عدا ذلك، فلم نشهد من قبل، أن الشارع العربي قد تظاهر مثلاً ضد تعيين رئيس وزراء فاسد، أو تظاهر بسبب أموال مسروقة من خزينة الدولة، أو احتجَّ بسبب قرار الحاكم، بأن يتولى السلطة للمرة الخامسة، أو السادسة، أو مدى الحياة... إلخ.

ولم نشهد أن الشارع العربي، تظاهر لأسباب اقتصادية، وهي أمور مهمة وحيوية، فلم نشهد تظاهرات ضد الجوع إلا في عام 1976 في تونس، وفي عام 1977 في مصر، وفي عام 1989 في الأردن، في حين أن الجوع مستمر كل يوم، وبازدياد كبير في معظم العالم العربي.

ولم نشهد في الماضي، أن الشارع العربي، قد تظاهر ضد غياب الديمقراطية- ما عدا ما جرى قريباً في تونس، وليبيا، ومصر، واليمن، وسورية، منذ 2011- فظننا أن الشارع العربي كان غير معني بالديمقراطية، بقدر ما هو معني بتوفير لقمة الخبز، رغم تأكيد بعض الباحثين كالباحث والناشط السياسي السوري-الفرنسي برهان غليون، أن الديمقراطية تكتسب بين حين وآخر، مواقع جديدة متقدمة في العالم العربي. ورغم هذا، فإن كان للشعب العربي أن يأسف على شيء في حياته السياسية المعاصرة، فيجب عليه أن يأسف على غياب الإيمان بالمبادئ الديمقراطية.

ولكن، كل هذا قد تغيّر الآن، بصورة مدهشة لكل العالم، وأصبح الشارع العربي الآن، هو السلطة الفعلية في كثير من بلدان العالم العربي.

فما الذي جرى؟!

لقد انفجر الشارع العربي، كما تنفجر البراكين فجأة، وألقى بحممه الحارقة والصاعقة.

وأدهشنا وأدهش العالم كله.

* كاتب أردني

back to top