نقابات سياسية!

نشر في 12-02-2013
آخر تحديث 12-02-2013 | 00:01
 حمد نايف العنزي التهديد والوعيد الذي جاء على لسان رئيس نقابة العاملين في وزارة العدل الأستاذ أحمد المطيرى رداً على وزارة الشؤون التي حذرت من اتخاذها الإجراءات القانونية بحق أي نقابة عمالية أو جمعية نفع عام لا تلتزم بقانون تأسيسها العام الذي يمنع تدخلها في المسائل السياسية والدينية والمذهبية، والذي قال فيه: "في حال حلَّت الحكومة أي نقابة فسوف نقوم بتعطيل المرافق العامة للدولة كلها"، لهو تهديد مرفوض تماماً، ويدل على أن بعض النقابيين قد انغمسوا في السياسة حتى النخاع، ونسوا أن دورهم الأساسي الذي انتخبوا من أجله لعضوية النقابات هو الدفاع عن حقوق العاملين ومطالبهم من الإدارة التابعين لها، وأن الآراء السياسية الخاصة بهم- التي قد لا تتفق بالضرورة مع آراء العاملين الذين يمثلونهم- هي شأن خاص بهم، ولا يحق لهم بأي حال من الأحوال أن يتحولوا إلى ممثلين "سياسيين" لبقية العاملين!

أما عن التهديد "بتعطيل مرافق الدولة"، فلا أظن أن الأستاذ أحمد المطيري، أو أي رئيس نقابة عمالية، لديه القدرة على فعل ذلك، وهو كلام في الهواء لا يتناسب مع صلاحيات السادة رؤساء النقابات العمالية، وأشك في قدرته وقدرة زملائه من النقابات التسع التي حضرت اجتماع ديوان البراك على إقناع العاملين في إداراتهم على القيام بالإضراب من أجل شأن سياسي عام، فالعاملون بتلك الإدارات لم يخولوهم للعمل كممثلين "سياسيين" لهم ولا يعنيهم كثيراً التوجهات السياسية للسادة أعضاء النقابة، وعلى الأرجح لن يستجيب حتى 10% منهم للدعوة إلى تعطيل مرافق الدولة، فالإحساس بالمسؤولية والحس الوطني سيمنعهم من عمل ذلك حتماً، وهم في الآخر أناس أحرار في آرائهم وتوجهاتهم السياسية، وليسوا بقطيع يأتمرون بأمر الأستاذ المطيري وزملائه رؤساء النقابات التسع!

***

كنت قد كتبت مقالاً بعد ثورة مصر وتونس وليبيا بأشهر قليلة حذرت فيه من فشل الثورات العربية لأنها اختزلت مطالبها في تغيير الحاكم وإبقاء كل شيء آخر على حاله، وأول تلك الأشياء "المصنع العربي لابتكار وتطوير الطغاة" والمتمثل بالقيم والمبادئ والتقاليد والممارسات والأعراف العربية التي تجعل من وصول الكاذب والنصاب والدجال إلى سدة الحكم- وبالاختيار الحر للشعب- أمراً بالغ السهولة والبساطة!

واليوم نرى في مصر تطبيقاً عملياً لما سبق أن حذرت منه، بل المستقبل ينذر بتطورات قد تنحو بالوضع إلى الأسوأ، فالثورة المصرية لم تكن ثورة بالمعنى الصحيح للكلمة، بل انقلاباً "شعبياً" على الحكم لا يفرق كثيراً عن أي انقلاب "عسكري" يقوم به مجموعة من العسكر لا يحملون في رؤوسهم "الناشفة" سوى التخلص من شخوص الحكم البائد ثم... جلوسهم مكانه!

أما الثورة الناجحة، التي يرتجى منها خير، فهي الثورة التي تحدث في نفوس الناس ووعيهم وإدراكهم قبل أن تتحرك؛ لتحدث التغيير لمن هو جالس على كرسي الرئاسة!

فالرغبة في التمدن والتحضر ومواكبة العصر، وأن يصبح البشر بشراً أحراراً لا أعداداً غفيرة وجموعاً تقودها العمامات واللحى الطامعة في السلطة هي الثورة الحقيقية، والتغيير الفعلي يبدأ دوماً من الأسفل، من الشعب، من المواطن العادي، فإن حدث فيه التغيير، حدث "أوتوماتيكيا" في الأعلى، بالرضا أو بالغصب، وقديما قيل: "كيفما تكونوا... يُولى عليكم"!

ومنذ اللحظة التي اختار فيها المصريون بملء إرادتهم "مرسي" تيقنت تماما بأن ما حدث في مصر لم يكن سوى فورة غضب ونقمة على الحكم السابق، لا ثورة ولا رغبة في تغيير حقيقي وفعلي، فقد كان همهم التخلص من الطاغية، ولا يهم بعد ذلك أن يأتي طاغية أشد وأكثر قسوة وطغياناً من سابقه!

فعلاً... قمة الوعي، وقمة الإدراك، ويا خسارة دماء الشهداء، فقد ذهبت هدراً من غير أن يحدث أي تغيير... للأفضل!

back to top