إن كانت سورية تستخدم السارين فعلى أوباما التحرك

نشر في 29-04-2013 | 00:01
آخر تحديث 29-04-2013 | 00:01
No Image Caption
إذا كنت تتذكّر سيد بشار: رسم لك الرئيس الأميركي باراك أوباما «خطّاً أحمر»: ممنوع استعمال الأسلحة الكيماوية في محاولتك العنيفة لإخماد الانتفاضة ضد نظامك، ولا شك أن أي استعمال لهذه الأسلحة (حتى نقلها) «يبدّل حساباتي ومعادلتي»، حسبما ذكر أوباما. بكلمات أخرى، أهلاً بك إلى اليوم الذي قد تبدأ فيه الحسابات بالتبدّل.
 Jeffrey Goldberg ها قد كسرتَ، سيد بشار، كل الضوابط! لاحظنا أن قتلك عشرات الآلاف من مواطنيك السوريين بأسلحة تقليدية يبدو مقبولاً إلى حد ما بالنسبة إلى العالم المتمدن، ويتجلى ذلك من خلال امتناع هذا العالم عن وضع حدّ لقتلك عشرات الآلاف بأسلحة تقليدية.

ولكن إن صدّقنا ما أعلنه وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل (وهو لا يبحث بالتأكيد عن أعذار للتدخل في الشرق الأوسط)، فلا بد من أنك استعملت الأسلحة الكيماوية (وبالتحديد مادة السارين) ضد مدنيين.

إذا كنت تتذكّر، رسم لك الرئيس الأميركي باراك أوباما "خطّاً أحمر": ممنوع استعمال الأسلحة الكيماوية في محاولتك العنيفة لإخماد الانتفاضة ضد نظامك، ولا شك أن أي استعمال لهذه الأسلحة (حتى "نقل" هذه الأسلحة) "يبدّل حساباتي ومعادلتي"، حسبما ذكر أوباما. بكلمات أخرى، أهلاً بك إلى اليوم الذي قد تبدأ فيه الحسابات بالتبدّل.

ذكر هيغل خلال حديث مع عدد من المراسلين في أبوظبي أن الاستخبارات الأميركية توصلت إلى الاستنتاج (على غرار الإسرائيليين، الفرنسيين، والبريطانيين قبلها) أن نظام الرئيس بشار الأسد استخدم، على ما يبدو، السارين "على نطاق ضيّق".

تحدثتُ إلى النائب الأميركي مايك روجرز، الرئيس الجمهوري للجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب، فأخبرني أنه يظن أن إدارة أوباما مترددة في مواجهة حقيقة أن نظام الأسد سبق أن استخدم هذه الأنواع من الأسلحة. وأضاف: "من الواضح أن الإدارة ترفض رؤية ذلك. فقدنا ثقة جامعة الدول العربية والمعارضة السورية بسبب امتناعنا عن اتخاذ أي خطوات". وأكّد لي روجرز أنه مقتنع منذ شهر على الأقل بأن سورية استخدمت كمية ضئيلة من الأسلحة الكيماوية ضد مدنيين.

قبل أن نصل إلى معنى هذا الخبر المريع وعواقبه المحتملة، إليكم لمحة سريعة عن السارين، الذي ابتُكر في ألمانيا خلال العهد النازي ليُستعمل كمبيد للآفات. وقد سُلطت عليه الضوء حين استعملته طائفة أوم شنريكيو في اعتدائها على قطار أنفاق في طوكيو عام 1995، وحين استخدمه صدام حسين خلال حملة الإبادة التي شنها ضد العراقيين الأكراد.

اختلاجات... موت

يؤدي التعرض لغاز السارين حتى بمقدار قليل إلى التقيؤ، والإسهال، وتسارع نبض القلب، وألم في العينين، وسيلان اللعاب. أما إذا تعرضت الضحية إلى كمية كبيرة منه، فتُصاب باختلاجات، وشلل، وصعوبة في التنفس، والموت خلال فترة وجيزة. يمنع السارين الجسم من السيطرة على وظائف العضلات والغدد، وفق مراكز ضبط الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة. نتيجة لذلك، تختلج العضلات ويصبح التنفس سريعاً وغير منتظم. وفي النهاية، يتغلب هذا السم على الجسم ويتوقف التنفس. في يوم واحد عام 1988، قتلت قوات صدام في بلدة واحدة نحو 5 آلاف، كردي مستخدمةً خليطاً من غاز الخردل، والسارين، وغاز الأعصاب "في إكس"، والتابون.

اقترف الأسد الكثير من الجرائم المريعة بحق شعبه، ولكن إذا كانت هذه التقارير الأخيرة أكيدة، يكون قد دخل نادي أسوأ مجرمي الحرب في عصرنا الحديث، تماماً كما فعل صدام عام 1988. كان صدام يُعتبر آنذاك حليفاً للولايات المتحدة (كان يخوض حرباً ضد إيران). لذلك، لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً لتوقف هذه المجزرة، ما يُعدّ وصمة عار في تاريخ الرئيس رونالد ريغان.

لا شك أن هذه فرصتنا لإصلاح الأوضاع، لا لضحايا الأسلحة الكيماوية في العراق، بل للمفهوم الذي يتشاطره كل الناس البسطاء، مفهوم أن ثمة أموراً لا يرتكبها البشر بحق بعضهم بعضا، وقد أصاب مَن انتقدوا أوباما لرسمه خطّاً في الرمل في مسألة الأسلحة الكيماوية، فقد نقلت تصريحاته للأسد رسالة أنه يستطيع إبادة شعبه باستخدام أسلحة تقليدية من دون أن يخشى أي إزعاج أميركي لا داعي له. وإن كان الأسد قد تجاوز حقّاً هذا الخط، فقد دعا إلى تدخل مسلّح، ولكن إن لم تُتخذ هذه الخطوة، فستكون العواقب الأخلاقية والسياسية طويلة الأمد.

إذاً، ماذا يجب أن يفعل أوباما؟ أثناء جلوسه مع الرئيس جورج بوش الابن خلال حفل افتتاح مكتبة بوش الجديدة، لا شك أن أوباما كان يعي مخاطر اتخاذ خطوات تستند إلى معلومات غير دقيقة، غير كاملة، أو خاطئة بالكامل. لذلك لم يقدِم على أي خطوات قبل أن تُثبت الأدلة بوضوح أن نظام الأسد استخدم السارين عمداً.

القيام بالخيارات

أمام أوباما عدة خيارات ليتخذها في حال أُثبتت صحة هذه المعلومات، فيمكنه استخدام القوة ليبدأ بتدمير أو حماية مخزون سورية من الأسلحة النووية، ومن المؤكد أن هذا خطر، وقد يشمل الاستعانة بقوات العمليات الخاصة الأميركية المدرّبة لتنفيذ مهام مماثلة. أما خيار أوباما الثاني، فيقوم على فرض مناطق حظر جوي وتسليح الثوار السوريين علانية، ما قد يؤدي إلى تسريع انهيار النظام، ولا شك أن فرض منطقة حظر جوي مكلف وخطر، إلا أنه سيساهم مساهمة كبرى في إضعاف الأسد، كذلك يبدو تسليح الثوار محفوفاً بالمخاطر لأن كثيرين منهم قد يستخدمون ذات يوم هذه الأسلحة في وجه الولايات المتحدة وأصدقائها.

ما من خيار جيد، ومن الصعب التوصل إلى نتائج إيجابية في سورية، ولكن إن تأكّدنا أن الأسد يستخدم الأسلحة الكيماوية لقتل شعبه فقد لا يكون أمام أوباما أي خيار غير التحرك لا لأنه وضع مصداقية الولايات المتحدة على المحك فحسب (من الأكيد أن إيران وكوريا الشمالية تراقبان التطورات عن كثب)، بل أيضاً لأن البديل (ترك نظام متوحش يقتل بشراً مستخدماً أسلحة العالم الأكثر فتكاً، في حين أن أوباما يملك القدرة لإيقافه) لا يشكّل خياراً أخلاقيّاً بالنسبة إلى رجل يتمتع بأخلاق رفيعة.

خلال مناقشة لعواقب التدخل الطويلة الأمد أجريتها مع أوباما حين كان لا يزال سيناتوراً، أخبرني: "ما أرفضه هو أن يتحوّل العراق إلى عذر يدفعنا إلى تجاهل المآسي، انتهاكات حقوق الإنسان، أو حتى الإبادة الجماعية".

في العراق، شمل التحدي، الذي واجهته أجهزة الاستخبارات الأميركية، في جزء منه الاشتباه في أن صدام كان يخفي أسلحة غير تقليدية، ولكن يسهل على هذه الأجهزة العثور على أدلة على استخدام الأسلحة الكيماوية، مقارنة بتقديم البراهين على وجود أسلحة كيماوية مخبّأة.

يعتقد روجرز أن الوقت قد حان للتحرك، فقال: "نملك قدرات فريدة يمكننا من خلالها أن نصعّب على نظام الأسد شن اعتداءات كيماوية إضافية، هذا إن لم نقل جعله مستحيلاً. وأضاف: "من المؤكد أنني لا أقصد بكلامي هذا إنزال الجنود على الأرض".

إذا لم تعثر أجهزة الاستخبارات على أدلة دامغة على استعمال هذه الأسلحة، فعلى أوباما ألا ينفّذ وعيده، وإذا قرر اتخاذ خطوات ما، فمن الضروري ألا يُنزل الجنود الأميركيين على الأرض للسيطرة على أراضٍ سورية، فكما ذكر وزير الدفاع السابق روبرت غيتس، "يجب التحقق من سلامة عقل أي وزير دفاع أميركي ينصح في المستقبل الرئيس مرة أخرى بإرسال جيوش أميركية برية كبيرة إلى آسيا، والشرق الأوسط، أو إفريقيا".

ولكن إن كان الأسد مذنباً حقّاً باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه الخاص، نكن قد بلغنا المرحلة التي يُعتبر فيها اللجوء إلى القوة ضرورة للوفاء بما تعهد به أوباما.

back to top