«حقوق الأقليات» في سورية ومصر زادت الطين «بلَّة»!

نشر في 10-04-2013
آخر تحديث 10-04-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي -1-

يوجد في سورية رعايا كافة الأديان السماوية: الإسلام، والمسيحية، وأقلية من اليهودية.

وتتميز رعايا الأديان في سورية بشكل عام بأن غالبية أعضاء الجماعات الدينية قد انتموا إلى تلك الجماعات منذ الولادة، حيث إن عملية انتقال شخص من طائفة إلى أخرى نادرة الحدوث.

وفقاً لتقديرات إحصائية تعود لعام 2006 فإن المسلمين يشكلون ما يقدر بـ90% بينما تبلغ نسبة المسيحيين ما يقدر بـ10% من مجموع سكان البلاد، ويعتقد أن نسبة المسلمين في ازدياد على خلاف بقية الأقليات، وذلك لأن نسبة الولادات لدى المسلمين هي أعلى مما هي عليه لدى الأقليات الأخرى كما أن نسبة الهجرة من المسلمين هي أقل مما في الأقليات الأخرى، وهناك حوالي 67% من سكان سورية من المسلمين السنّة.

في حين أن الدروز يشكلون 5.%، أما الطوائف الإسلامية الأخرى مثل العلويين، والإسماعيليين، والشيعة "الاثنا عشر"، والمرشدية، فيشكلون ما نسبته 18% مجتمعين.

ونسبة 7.5% الباقية هي لغير المسلمين، حيث الغالبية العظمى من غير المسلمين هم من المسيحيين مع وجود نسبة ضئيلة جداً من اليهود والايزيديين (الطائفة الايزيدية).

-2-

بلغت الهجرة من سورية أوجها عام 1980 وما بعد ذلك، واستطاع قسم من الراغبين أن يهاجر عن طريق أقرباء لهم، أو مقيمين في بلدان الهجرة، ككندا، وأميركا، وفرنسا، والسويد، وكان قسم منهم ميسوراً، وله مشاريع حيوية في سورية ولبنان، ومن بينهم من يشغل مسؤوليات إدارية عالية، وعدد من الكفاءات العلمية، أطباء مهندسون ومحامون... إلخ. وفاقمت الهجرة من سورية الأحداث التي اندلعت بين السلطة و"الإخوان المسلمين" منذ عام 1980 وبعدها، ثم تعاظمت الهجرة حتى بدت واضحة تماماً، بعد أن انحسرت نسبة المسيحيين لدرجة ملحوظة، ففي عام 1980 كانت نسبتهم في سورية حوالي 9%، وانخفضت خلال ربع قرن إلى 7%، ولم تكن النسبة هي التي انخفضت فقط، بل العدد نفسه. إذ كان عدد المسيحيين في تلك الفترة 2.5 مليون، بينما الآن لا يصل هذا العدد إلى 2 مليون.

-3-

أما في مصر، فإن أتباع الديانة المسيحية يقدرون- رسمياً وقبل 25 يناير 2011- بحوالي 5.4% في حين تقول مصادر أميركية إن نسبتهم أكثر من 10% من سكان مصر، 90% منهم من الأرثوذوكس، ومنهم كاثوليك وإنجيليون، كما يوجد رعايا للكنائس السريانية، والأرمنية.

لقد اختلفت تقديرات رجال الدين المسيحيين حول عدد المسيحيين في مصر، حيث ذكر الأنبا مرقس (رئيس لجنة الإعلام بالكنيسة الأرثوذكسية) بأن عدد المسيحيين في مصر يصل إلى 12 مليون نسمة، وقال مرقس عزيز (كاهن الكنيسة المعلقة) إن عدد المسيحيين في مصر يصل إلى 16 مليوناً، بينما وصف رئيس الطائفة الإنجيلية (القس إكرام لمعي) هذه الأرقام بالمبالغ فيها، حيث قُدر عدد المسيحيين بما لا يزيد على 10 ملايين حسب رأيه. وقال الراحل البابا شنودة، أن عدد المسيحيين 12 مليوناً، في موقف يخالف سياسته المعتادة في عدم التصريح بتعدادات المسيحيين، مما دفع بعض المصادر إلى التشكيك في هذا الرقم، مقدرين تعداد المسيحيين بما لا يتجاوز ثمانية ملايين في ظل عدم التأكد من الرقم الحقيقي هناك مصادر تقول إن نسبتهم تتراوح بين 10 و20% بينما تقدرهم مصادر بنسبة 15%.  ويوجد حوالي 200 من اليهود في مصر، وهم يقطنون الفيوم، وهم من تبقوا من إحدى أقدم الجماعات اليهودية في العالم، وكانت تضم أغلبية من اليهود القرائين، إلى جانب ربانيين ونورانيين؛ هاجر معظمهم مع بداية الصراع العربي الإسرائيلي في منتصف القرن العشرين. واليوم يهدد بعض الأقباط بالهجرة من مصر الى الغرب نتيجة لما يلاقوه من بعض الشواذ والشذاذ والمتشددين من سوء في المعاملة.

-4-

إن ما نراه من عسف وإعراض، عن منح الأقليات في مصر وسورية وفي العالم العربي عامة حقوقها كاملة، ومساواتها ببقية المواطنين، بحيث يصبح أبناء هذه الأقليات مواطنين لا رعايا، وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية ليس لهم حقوق الآخرين، كما كان عليه الوضع خلال 15 قرناً مضت وحتى الآن يهدد وينثر رماد الربيع العربي ويزيد الطين "بلّة" في العالم العربي. ولعل ما يحصل الآن في مصر وسورية، وغيرها من البلدان العربية لأكبر دليل على أن مشكلة الأقليات في العالم العربي وفي العصر الحديث تتزايد خطورة، في ظل غياب معايير وقيم إنسانية، أبرزها قيم الحرية والديمقراطية.

وإذا كان الإسلام كدين قد ساوى بين البشر، ولم يميز فئة عن أخرى أو طائفة عن أخرى إلا بالتقوى وبميزان سماوي ميتافيزيقي وليس بميزان بشري أرضي، فإن معظم المسلمين لم يفعلوا ذلك، وكانوا في موقفهم تجاه الأقليات المختلفة يتمسكون بقيم العصبية والقبلية، وبقيم الدين التي تمّ تزييفها وتحريفها واستخدامها استخداماً سياسياً سيئاً.

وقال الباحث حواس محمود،  مضيفاً على ما سبق وقلناه:

"إن قضية الأقليات يتم تجاهلها وطمسها بحيث لا تظهر كقضية ديمقراطية تحتاج للمعالجة والحل، وذلك بدوافع أن هذه الأقليات عليها أن تخضع لإرادة الأغلبية العربية والمسلمة، فالأقليات القومية يتم الالتفاف عليها بمقولة إن من تكلم اللغة العربية فهو عربي، وهذا بحد ذاته نوع من المراوغة والهروب من الواقع الحقيقي، فهل يمكن اعتبار كل فرنسي أو أميركي أو روسي يتحدث العربية من العرب والقومية العربية؟ هذه نظرة تدخل في سياق صهر الأقليات القومية في البوتقة العربية، أما بالنسبة إلى الأقليات الدينية فهي أيضاً تطمس، إذ تغيب عن المشاركة السياسية وتغفل حقوقها الدينية والثقافية إلى حد كبير في العديد من الدول العربية والشرق أوسطية".

وأخيراً، فإن من الملاحظ، أن "الربيع العربي" في سورية ومصر قد فاقم من مشكلة الأقليات، ووضعها على رأس قائمة العقبات، التي تعترض طريق الديمقراطية العربية التي أصبحت سراباً حتى الآن، على ما يبدو!

* كاتب أردني

back to top