أمام الأجساد المعلقة

ثالثاً، إذا أقررنا أن القتل هو خطأ كمبدأ عام، فلا يحسنه ولا يصححه أن يصدر من محكمة أو أي مسؤول في الدولة مهما علا شأنه أو تعالت حكمته. يبقى المبدأ خطأ، وفي حال القبول به كعقوبة لتصرف خاطئ، فنحن نقر به كمبدأ، وعليه سترتفع في الواقع نسبة العنف بين البشر تحقيقاً لمبدأ أن القتل مقبول كوسيلة عقابية. رابعاً، تبقى عقوبة السجن ناجحة في تقليص الجريمة وعزل المجرمين، إضافة إلى أنها قد تحقق إصلاحاً لنفوس بعضهم فيصبحون أفضل ويساهمون في تحقيق شيء من الصلاح وإن من خلف قضبان السجون. هنا، تكون العقوبة قد تحققت، والأمن حفظ، والإنسانية استتبت، والفرصة في إصلاح إنسان بقيت حتى لو لم يعد هذا الإنسان أبداً للاختلاط بالمجتمع. لقد كان مؤلماً ومخيفاً، بل يراكم صور التعسف والعنف الحكوميين اللذين أصبحا هما المنحى في الآونة الأخيرة، أن تصدر أحكاماً متعددة بالإعدام وأن تصور وتعرض على الجمهور لترعبهم وترهبهم بل لتشفي الرغبات المريضة عند البعض منهم في مشاهدة مناظر إنهاء حياة الآخر أو لإطفاء ظمأ الانتقام الذي إنما يؤجج أكثر ولا يطفئ أبداً بمثل هذه المناظر المؤلمة إنسانياً. ويبقى أن يرد عليك الآخرون بأمثلة مكررة قديمة، ماذا لو قتل أحدهم فلذة كبدك، أتبقين ضد حكومة الإعدام؟ لا تحسم المسألة بالمشاعر، ولا تبنى على ردة فعل إنسان مقهور مكلوم. في قلبي، هناك من البشر من ارتكب جرائم بودي لو أقطع أوصالهم على إثرها بأسناني، وهنا تأتي غلبة المفهوم الإنساني والمشاعر المتحضرة على التعطش النفسي الغرائزي وانسياب المشاعر الثائرة. هنا يظهر وجه التحضر الإنساني عندما يرفض الإنسان الاستسلام لمشاعر الحقد والانتقام، فيقسر نفسه على الطريق الأكثر إنسانية، الممهد بالرحمة وبمبادئ التحضر النفسي والفكري، فيمنع نفسه أمام رغباته ومشاعره الدفينة ويجبرها على المبدأ الرفيع. بذلك يرقى المجتمع ونأخذ خطوة باتجاه التحضر الإنساني الحقيقي.