فؤاد شرف الدين: مذكرات «الكابتن» عبرة للشباب

نشر في 23-01-2013 | 00:02
آخر تحديث 23-01-2013 | 00:02
احتل الشاشتين الصغيرة والكبيرة سنوات طويلة بأدوار حفرت في الذاكرة والوجدان ثم غاب، واليوم يعود الممثل القدير فؤاد شرف الدين إلى الدراما اللبنانية في مسلسل «كيندا». كيف تحققت هذه العودة وماذا يحضّر من أعمال جديدة؟
عن مذكراته وتجاربه في الحياة وأعماله تحدث «الكابتن» إلى «الجريدة».
ما سرّ صفة «الكابتن» التي  تلازمك؟

ستشكل هذه الصفة زبدة مذكراتي حول طفل انتشلته الشرطة من مقاعد الدراسة ليصبح تحت وصاية والده شرعياً إثر طلاقه من أمه، فاضطر منذ ربيعه التاسع إلى أن يعمل لإعالة والدته وشقيقه وشقيقته وجديّه وذلك بعد زواج والده الثاني. لكن عمله المبكر لم يحل دون التحاقه بمدرسة ليلية، وتنقله بين مختلف المهن واكتسابه علوماً عسكرية وفنوناً رياضية صقلت بنيته الجسدية.

تعرّض صديقه مرة للقنص في حيّ «الطمليس» المقفل، ولم يستطع أحد من الناس المتجمهرين الاقتراب بسبب إطلاق النار المستمرّ، فما كان منه إلا  أن أحضر عربة خضار وبعض الحبال وزحف نحو المصاب وسحب الجثة بمعونة بعض الرجال. شاهد «قبضاياً» من الحيّ هذه الحادثة فضمّه الى رجاله ملقباً إياه «الكابتن».

هل صقلت هذه التجارب الحياتية شخصيتك؟

طبعاً. يُضحكني قول بعض الفنانين إن الفن يسير في عروقه منذ ولادته، لأن عروقي امتزجت بالباطون والشحم والتراب ولم تكن فكرة الفن واردة أبداً.

هل ندمت على دخولك الفن؟

طبعاً، عندما أجد المنتج المقتدر سأغوص في أعماق مذكراتي ليكتشف الناس سبب ندمي.

كيف دخلت هذا المجال؟

صدفة، كنت شاباً وسيماً ومهنتي على أحسن ما يرام، وكنت أرافق شقيقي يوسف الى أماكن التصوير. في إحدى المرات، استعان القيمون على العمل بي في المشاهد التي تتطلب بنية جسدية قوية، من ثم أمنت حماية فريق العمل في التنقل بين متاريس بيروت الغربية والشرقية. لاحقاً، أُسند اليّ دور صغير في مسلسل «ديالا» مع المخرج أنطوان ريمي، فارتبكت في البداية إلا أنني سرعان ما انطلقت واشتهرت، وكرّت سبحة المسلسلات في قطر وعمان وأبو ظبي وصولا إلى دور البطولة في مسلسل «العقرب»، وبعده فيلم «الحسناء والعمالقة» (1979) الذي حقق نجاحاً وعبّد الطريق أمام تقديمي أفلاماً سينمائية متتالية.

عن أي مرحلة ستضيء في مذكراتك؟

جميعها، لأنني أريدها عبرة للشباب الذين يظنون أنهم قادرون، بقوة السلاح، على إنهاء أي قرار لا يعجبهم في الدولة، وهم لا يدركون أساساً أنهم مجرد أداة بيد الزعماء. نحن شعوب نتبع الزعماء لا البرامج، فيترشح النائب لطلته البهية ومدى قدرته على التضحية برجاله وتعبئة نفوسهم ليقعوا ضحية معركة خُطط لها سلفاً.

لو عدت بالزمن إلى الوراء، هل تخوض التجربة نفسها؟

أبداً، لو امتلكت الوعي الكافي لكنت غيّرت أموراً كثيرة، ولا أقصد بذلك فترة حرب 1975 لأنني حافظت حينها على حياة من كنت مسؤولا عن حمايتهم، وهم من الطوائف كافة، ومنعت وقوع الرذيلة في مرّبعي، واستغليت معارفي وعلاقاتي لاستعادة المخطوفين من الجهتين المتنازعتين.

ما العبرة التي اكتسبتها؟

الثورات يفجرها عاقل، يمشي بركابها أغبياء، ويستغلها العاقل نفسه.

كيف تقيّّم مسار الثورات في الدول العربية؟

يُطلقون عليها الربيع العربي، إنما ينتظر المنتجون المصريون مرور ذكرى الثورة قبل استكمال أعمالهم وتحديد مواعيد التصوير. في الأمس، وقعت إشكالات في تونس وثمة مشكلات في ليبيا أيضاً.  

كيف ترى الوضع اللبناني إزاء هذا الواقع؟

سيئ والدليل احتلال السياسيين مكان الفنانين في البرامج الكوميدية والتلفزيونية. فنحن ندفع ضرائب ليستفيد منها أناس يخططون لدفعنا نحو النزاع، رغم أن اللبنانيين من دون استثناء يعانون المشكلات المعيشية  نفسها.

مسلسل «كيندا» أعادك إلى أحضان الدراما اللبنانية، فما المميز فيه؟

هو خطوة أولى نحو عودتي إلى أحضان الدراما اللبنانية بانتظار عروض مقبلة. أعزو مشكلة هذا القطاع إلى الإنتاج أولاً وإلى بعض الكتاب الذين يتوجهون إلى الشباب ثانياً، علماً أن متابعي التلفزيون من الأعمار كافة، لذلك استغرب عدم إيلاء أهمية للممثلين الكبار أيضاً.

 بالنسبة إلى «كيندا»، فقد قرأت مسلسلاً سابقاً للكاتب جبران ضاهر، لكنني لم أشارك فيه بسبب ارتباطي في مصر وندمت لاحقاً. أما زياد شويري رئيس شركة «أون لاين برودكشان» المنتجة للمسلسل، فهو صديق قديم خلوق أثق  به والمخرجة كارولين ميلان جيّدة. مهدت هذه الأمور لمشاركتي في المسلسل واتفاقي السريع مع المنتج، فضلا عن أن ترحيب فريق العمل بوجودي انعكس إيجاباً على روحية العمل.

لماذا لم تشارك في الجزء الثاني من «الغالبون»؟

لم تُعرض علي المشاركة فيه ربما بسبب النقاش الذي دار بيني وبين بعض القيمين على الجزء الاول الذي يتمتّع بإنتاج ممتاز، إنما تتطلب الكتابة عن مرحلة معينة من الأحداث اللبنانية الماثلة في ذاكرة الناس أمرين: إما أن يكون الكاتب باحثاً أو موجوداً في فترة الأحداث لينقل الواقع كما هو.

 ما حصل أنني لفت النظر، بطريقة لائقة، إلى تفاصيل تتعلق بالدبابات الإسرائيلية وبكيفية تصرف آمر السجن الإسرائيلي الذي كنت أؤدي دوره. لكن الممثل الذي يتدخل ببعض تفاصيل التصوير هنا يثير الاستغراب ويتحول الى كافر، فيما المخرج المصري يطلب من ممثليه إبداء الرأي خصوصاً إذا كانوا مخضرمين ومثقفين. لذلك لا أستغرب قول العرب إن أكثرية الممثلين اللبنانيين يستظهرون النص لأنهم يُمنعون أساساً من تعديل أي جملة وإن كان ذلك لصالح العمل.

برأيك، ما سبب رواج المسلسلات التركية والمكسيكية في لبنان أكثر من الأعمال المحلية؟

يقدم كتّاب هذه المسلسلات شخصيات من الأعمار والطبقات الاجتماعية كافة بأسلوب واقعي، فيما الأعمال المحلية غير منطقية ولا تعبر عن الواقع اللبناني ولا دور توجيهياً لها، بل ترتكز على علاقة حبّ بين بطلين، أو تطرح قضايا الأبطال الفردية من دون الإشارة إلى مشكلات حياتية أخرى تحيط بشخصيات العمل وتترجم أحداثاً حقيقية، لذلك تخسر جمهورها المحلي.

كيف  تقيّم التعاون الأول مع كارولين ميلان؟

جيد جداً على الصعيد الإنساني وهذا يفرحني، فهي مخرجة محترمة وتقدّر تاريخ الممثل الذي يقف أمامها. إلى ذلك عمدت، في أثناء تصويرنا مشاهد في المستشفى، إلى إبقائي في الحديقة ريثما يجهز مكان التصوير، فأثرت هذه اللفتة بي. أما بالنسبة إلى تقييمها كمخرجة فلست أهلا لذلك.  

ماذا تحضّر بعد «كيندا»؟

أصور مسلسل «وداعاً» الذي يتمحور حول  سقوط الطائرة الأثيوبية في لبنان، من إنتاج الصديق إيلي معلوف، إخراج شقيقي يوسف شرف الدين، كتابة طوني بيضون. أجسّد فيه شخصيّة والد الشيخ خليل الخازن، صديقي الذي قضى في الحادثة.

أين اصبح فيلمك السينمائي «صرخة الابرياء»؟

جاهز، وقد نلت الموافقة لتوزيعه في بعض الدول العربية، اثنتان منها لديها رواد سينما فيما يُنسخ الفيلم في دول أخرى ويُباع ما إن يُعرض في الصالات. أما لبنانياً، فرواد السينما هم من المراهقين غير المهتمين أساساً بهذا النوع من الافلام الذي يعكس مآسي وطنية إبان الحرب، لهذه الأسباب أتمنى عودة مصر إلى سابق عهدها.

من هم أبطال «صرخة الابرياء»؟

ابنتي جومانا وروزي الخولي وجورج دياب وعصام الشناوي، ونجوم يحبهم الجمهور إلا أنهم مقلون في ظهورهم.

ما أبرز محاور القصة؟

تدور حول مهندس زراعي  يقصد المدينة  لتأمين قرض مالي، فتهاجم  مجموعة مسلحة قريته وتهجّر الناس فتُقتل زوجته وتُصاب ابنته بطلق ناري. وما إن يعود إلى داره حتى تقبض عليه هذه المجموعة وتعذبه وتتركه جريحاً على حافة الطريق، إلا أن حطاباً ينقذه ويداويه. بعد أشهر من العلاج يقرر الالتحاق بإحدى المجموعات المسلحة بهدف الانتقام. لا بد من أن يرى كل لبناني في هذه القصة وأحداثها صوراً من الواقع المرير الذي عاشه الوطن في فترة من الفترات.

ما رأيك بالافلام السينمائية اللبنانية الاخيرة؟

يبدو أن قراءات صناع تلك الأفلام محدودة، أولا يجب أن يدركوا أهمية وجود نجوم في العمل لترويجه وجذب المشاهدين، وتطعيم الفيلم بممثلين صاعدين ما يساهم في تقديمهم للمرة الاولى إلى الجمهور. ثانياً يصرح هؤلاء بأن أعمالهم  تشكل بداية السينما اللبنانية، ويتجاهلون الأفلام المئة التي قُدمت قبلهم بسنين. لا يحترمون الجيل السابق، لذلك أدعوهم إلى احترام من سبقهم  ليحترمهم اللاحقون.

هل قدمت لك مصر ما لم يقدمه لبنان؟

نعم، قدمت لي كرامة الفنان الممثل، وولّدت لدي غيرة بسبب الفارق الشاسع بين معاملة الممثلين اللبنانيين في وطنهم والممثلين المصريين والسوريين في بلادهم على صعد الضمانات الاجتماعية والصحية والمادية.

كلمة اخيرة...

«قد تسمع إذا ناديت حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادي في لبنان»، للأسف في ظل ما يحدث في سورية ومصر، قد تقلّ أعمال هذين البلدين في رمضان المقبل، في حين نتعرض نحن لغزوٍ من ثقافة لا تمتّ إلينا بصلة عبر مسلسلات غريبة عن مجتمعنا وثقافتنا. لو توافرت مجموعة تسعى إلى اقامة صناعة درامية لتمكنّا من تصدير أعمالنا كلها.

بكل اعتزاز تعرض المحطات الفضائية أسبوعياً أحد افلامي التي صوّرتها منذ ثلاثين عاماً، فضلا عن وجود kings video في شارع واشنطن  الباريسي لعرض افلامي فحسب، لأنها صوّرت باحتراف.

back to top