لا تهللوا كثيراً لروحاني وأسطورة الاعتدال في إيران!

نشر في 21-06-2013
آخر تحديث 21-06-2013 | 00:01
في عام 2004، وصف روحاني سياسة إيران النووية بأنها استراتيجية مزدوجة تجمع بين «بناء الثقة... وبناء قدرات إيران التقنية»، وهدفها «التعاون مع أوروبا» بغية فصلها عن أميركا... لذا اعتبرها نائبه السابق في المجلس الأعلى للأمن القومي، استراتيجية «توسيع الفجوة عبر الأطلسي».
 ذي أتلانتك يا للفرحة! على كل مَن يريدون دولة إيرانية حرة وديمقراطية وحلاً سلمياً للأزمة النووية المتواصلة مع طهران أن يرحبوا بنهاية عهد محمود أحمدي نجاد، لكن انتخاب حسن روحاني رئيساً جديداً لإيران أعاد إحياء أسطورة قديمة قدم ثيوقراطية الثورة بحد ذاتها: أسطورة الاعتدال.

عبّر البيت الأبيض بحذر عن أمله في أن يتخذ النظام اليوم "خيارات مسؤولة تؤدي إلى مستقبل أفضل لكل الإيرانيين"، كذلك أعلن استعداده "للتعامل مع الحكومة الإيرانية بغية التوصل إلى حلّ دبلوماسي... لمخاوف المجتمع الدولي بشأن برنامج إيران النووي". لكن الصحف والنقاد كانوا أقل حذراً في تعبيرهم عن فرحتهم، واصفين روحاني بـ"المعتدل"، و"الوسطي"، و"المصلح" الذي عكس دوره كمفاوض جمهورية إسلامية "أكثر تعاوناً".

من الطبيعي أن نأمل أن يحمل فوز روحاني المزيد من الحرية لشعب إيران المقموع، ولا شك أن مَن يهتمون حقاً بانتهاكات حقوق الإنسان في إيران سيختبرون اعتدال روحاني بالإصرار على إطلاقه سراح كل السجناء السياسيين الإيرانيين، بمن فيهم المرشحان الرئاسيان لعام 2009 مير حسين موسوي ومهدي كروبي، اللذان يخضعان للإقامة الجبرية منذ أكثر من سنتَين من دون محاكمة.

لكن هذه الحماسة التي رافقت انتخاب روحاني تتجاهل تاريخه. يُعتبر روحاني من أبرز الأوفياء للثورة والمؤمنين بها، فقد عاش في المنفى في باريس مع آية الله روح الله الخميني، ومن ثم تبعه إلى إيران. عمل مفوّضاً سياسياً في الجيش النظامي حيث درّب بعض أفضل الضباط الإيرانيين، كذلك كان عضواً في مجلس الدفاع الأعلى الذي تولى متابعة الحرب الإيرانية-العراقية، مكبداً إيران كلفة باهظة في الأرواح حتى بعد تحرير كل الأراضي الإيرانية. ترقى روحاني بعد ذلك ليتولى عام 1989 منصب سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي النافذ في إيران، كذلك أصبح كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين خلال عهد الرئيسَين الإيرانيَّين السابقَين أكبر هاشمي رافسنجاني وخلفه محمد خاتمي.

علاوة على ذلك، لا تُعتبر تصريحات روحاني بشأن المسألة النووية خلال حملته الانتخابية سبباً للفرح.

يُظهر سجل روحاني ككبير للمفاوضين الإيرانيين مع مجموعة الثلاث (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) الكثير من الخداع لا الاعتدال. وإن اشتهر أحمدي نجاد وكبير المفاوضين الإيرانيين الأخير سعيد جليلي بصراحتهما، فقد نجح روحاني بمهارة في تبني خطاب معتدل يخفي وراءه تصميماً فولاذياً على توسيع برنامج إيران النووي.

عام 2004، وصف روحاني سياسة إيران النووية بأنها استراتيجية مزدوجة تجمع بين "بناء الثقة... وبناء قدرات إيران التقنية"، وهدفها "التعاون مع أوروبا" بغية فصلها عن الولايات المتحدة. لذلك اعتبرها سيد حسين موسويان، نائب روحاني في المجلس الأعلى للأمن القومي، إستراتيجية "توسيع الفجوة عبر الأطلسي". وخلال المناظرة الرئاسية الثالثة في الحملة الانتخابية الأخيرة، تفاخر روحاني أثناء مناقشة برنامج إيران النووي بأن طهران تمكنت خلال تلك الفترة من "استيراد تكنولوجيا أجنبية من الخارج"، وشدد على أن القائد الأعلى، علي خامنئي، كان يوجّه دبلوماسيته النووية.

في عام 2008، وصف المتحدث السابق باسم إدارة خاتمي، عبدالله رمضان زاده، استراتيجية روحاني النووية خلال مناظرة غطتها وكالة أنباء فارس. فقال: "خلال عهد بناء الثقة، دخلنا نادي الدول النووية. ورغم تعليق [تخصيب اليورانيوم]، استوردنا كل المواد التي نحتاج إليها لمواصلة نشاطاتنا النووية في البلد... يكمن الحل في التأكيد للعالم بأسره أننا نريد محطات طاقة لتوليد الكهرباء. ونستطيع بعد ذلك المضي قدماً في نشاطاتنا الأخرى...".

تابع رمضان زاده كلامه عن الاستراتيجية الإيرانية: "ما دمنا لا نتعرض لعقوبات، يمكننا خلال المفاوضات استيراد التكنولوجيا. كان علينا التفاوض طويلاً والاستفادة من جو المفاوضات كي نتمكن من استيراد كل ما نحتاج إليه من تكنولوجيا. أراد خصومنا أن تبلغ المفاوضات نهايتها وأن ننتقل إلى مرحلة جديدة. أما نحن، فسعينا لمواصلة المفاوضات إلى أن تخرج الولايات المتحدة من دائرة التفاوض".

ختم رمضان زاده كلامه، موضحاً: "كنا نملك سياسة علنية قامت على التفاوض وبناء الثقة، وأخرى سرية شملت مواصلة النشاطات... في مجال بناء الثقة، تُعتبر اليابان البلد الأكثر تقدّماً في العالم. لكنها تستطيع إنتاج قنبلة نووية في أقل من أسبوع".

سعى كثيرون إلى تأكيد اعتدال روحاني بالتشديد على دوره في قرار إيران تعليق تخصيب اليورانيوم مؤقتاً عام 2004. ولكن لا بد من الإشارة إلى هذا القرار لم يكن مجرد مناورة دبلوماسية لتفادي العقوبات ومواصلة استيراد التكنولوجيا النووية، حسبما أشار رمضان زاده، بل يرجع أيضاً إلى خوف حقيقي من أن يستهدف "بوش المجنون" آنذاك طهران، بعد أن أطاح بسرعة بصدام والجيش العراقي عام 2003.

لا شك أن روحاني عكس الاعتدال خلال الحملة الانتخابية، مقارنةً بمنافسيه، فقد دعا خلال ترشحه "لسياسة إصلاح وسلام"، وانتقد المفاوض النووي سعيد جليلي والرئيس المنتهية ولايته أحمدي نجاد للدبلوماسية المتهورة التي طبقاها وساهمت في توحيد الولايات المتحدة وأوروبا والمجتمع الدولي وراء دعم عقوبات عالمية غير مسبوقة هدفها معاقبة إيران على موقفها النووي العنيد.

ونتيجة العقوبات المتنامية التي تخنق إيران، بدا الإيرانيون ميالين إلى "التصويت لأي مرشح غير جليلي"، وإن عنى ذلك رفض المرشح الذي اعتُبر خيار خامنئي الأول، فقد وعد روحاني أن مواقفه المعتدلة قد تقنع الغرب بتخفيف العقوبات قبل انهيار الاقتصاد الإيراني.

لكن روحاني لا يُعتبر الأكثر اعتدالاً إلا بين المرشحين الثمانية الذين انتقاهم خامنئي، حتى لو كان ملتزماً حقاً بالمصالحة النووية، يفتقر روحاني، مثل أحمدي نجاد، إلى السلطة ليبدل مسار إيران النووي. وكما أقر روحاني نفسه خلال حملته، ما زال خامنئي المسؤول عن سياسة إيران النووية.

قد يشكّل انتصار روحاني نكسة سياسية مؤقتة لخامنئي، الذي يفضل على الأرجح رئيساً أكثر مرونة سياسياً، مثل جليلي، رئيساً يحافظ على ميزان القوى الداخلي بين القائد الأعلى، والملالي، والحرس الثوري، وتجار الطبقة الوسطى.

ولكن في مسألة سياسة إيران النووية، قد تشكل هذه الانتخابات نعمة للقائد الأعلى، الذي بات بإمكانه اليوم تقديم رئيس دبلوماسي مخضرم وأقل عدائية ليقنع الغرب بتخفيف العقوبات، مع أن خامنئي ليس مستعداً للتخلي عن البرنامج النووي.

نتيجة ذلك، سيسمح خامنئي لروحاني على الأرجح بخوض جولة جديدة من المفاوضات النووية مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فضلاً عن ألمانيا (مجموعة 5+1). ولكن إن بالغ روحاني في تبنيه لهجة المصالحة، فسيتّهم خامنئي الرئيس الجديد ببيع مصالح إيران. إلا أنه قد يُسمح لروحاني أيضاً بمناورة مجموعة 5+1، عارضاً عليها الحد من مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب إلى نسبة 20%.

قد يكون هذا العرض، إن قدّمه روحاني كخطوة نحو "المصالحة والسلام"، كافياً ليشغل الغرب فترة من الوقت ويقوض الدعم الدولي للعقوبات، وينعش مجدداً صادرات النفط الإيرانية، ويدفع  بالاقتصاد نحو الاستقرار، ويساعد روحاني في الوفاء بوعوده التي قطعها خلال الحملة الانتخابية. لكن عرضاً يقتصر على الحدّ من مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب إلى نسبة 20% من دون أي تدابير نووية صارمة أخرى لن يكون كافياً لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية.

يدرك الرئيس الإيراني الجديد هذا الواقع وسيفاوض، محاولاً "توسيع الفجوة داخل مجموعة 5+1" بشأن هذه المطالب. ولا شك أنه سيبقى مركزاً على هدفٍ التزم به هو وخامنئي ورافسنجاني وخاتمي وأحمدي نجاد والحرس الثوري قبل سنوات: كسب الوقت بغية التوصل إلى قدرة تصنيعية كبيرة على إنتاج أسلحة نووية وإلى تحقيق اختراق نووي يتيح لإيران أن تنتج سراً ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب أو البلوتونيوم المنفصل الذي يمكن استعماله في تطوير قنبلة أو اثنتين.

بكلمات أخرى، لا يقرّبنا انتخاب روحاني، الوفي لقائد إيران الأعلى وسيد الخداع النووي، من وقف اندفاع إيران النووي.

Mark Dubowitz

back to top