البازعي: جدلية الثقافة والسلطة تتقاسمها مجتمعات عديدة

نشر في 08-03-2013 | 00:01
آخر تحديث 08-03-2013 | 00:01
No Image Caption
حاضر في «الخريجين» وقدّم أمثلة من التاريخ الإسلامي
أكد البازعي أن الثقافة غالباً ما تكون عرضة لتدخل السلطة السياسية وكذلك الدينية والاجتماعية، موضحا أن الجدلية القائمة بين السلطة السياسية والثقافية هي صراع بين قوتين، وقدّم في هذا السياق أمثلة ونماذج عديدة.
أكد الناقد السعودي د. سعد البازعي أن «جدلية الثقافة والسلطة» موضوع كبير ومتعدد الجوانب، وهو في الوقت ذاته مشترك بين ثقافات ولغات مختلفة، إذ نجد أمثلة ودلالات عديدة لتدخل السلطة في الشأن الثقافي، ليس في التاريخ العربي فحسب، بل حتى في التجربة الأوروبية الحديثة.

جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها البازعي في جمعية الخريجين مساء أمس الأول، وأدارتها الكاتبة الزميلة أفراح الهندال.

وأشار البازعي إلى أن هذه الجدلية تهم كل مشتغل بالثقافة، وأن ما دعاه إلى الاهتمام بها هو اطلاعه على رواية «إعجام» للروائي العراقي سنان أنطوان، مشيراً إلى أن أنطوان كتب روايته في الولايات المتحدة متأثراً بواقع العراق في زمن صدام حسين، والرواية عن سجين عراقي ترك مذكراته بحروف مكتوبة بدون نقاط من أجل التحايل على الرقابة، وأضاف إليها أنطوان الإعجام أو وضع النقاط على الحروف.

وذكر البازعي أن رواية «إعجام» ذكرته بالفيلسوف اليهودي ليو شتراوس منظر المحافظين الجديد الذين جاؤوا مع الرئيس الأميركي السابق بوش، حيث أشار إلى أن شتراوس عاصر النازية وعانى منها، وانشغل بفكرة كيف يكتب الكتاب في أوروبا الشرقية في ظل السلطة الدكتاتورية؟. وتحدث البازعي عن كتاب شتراوس «الكتابة وفن الاضطهاد» الذي يتناول بعض الكتاب والفلاسفة المسلمين في العصور الوسطى الذين واجهوا السلطة من خلال كتابة ما بين السطور، وضرب مثلا بالفارابي الذي عاش في عصر لم يكن مسموحاً فيه أن يقول ما يريده في الدين والسياسة، فنقل على لسان أفلاطون كلاماً في السياسة لم يقله، الفارابي تحايل على لسان أفلاطون ليهاجم الملوك والرؤساء.

التاريخ الإسلامي

وقال البازعي إن تاريخنا العربي والإسلامي يمتلئ بكثير من الأمثلة على محنة المثقفين على غرار الفارابي قدمها محمد عابد الجابري في كتابه «المثقفون في الحضارة العربية»، وتوقف البازعي عند ابن رشد فيلسوف قرطبة الذي تعرض لبطش السلطة عندما تحدث عن عدم إقامة الرؤساء العدل، وأهدى كتابه إلى يحيى شقيق الخليفة المنصور، فكانت التهمة سياسية وليست كما قيل بنقل أفكار يونانية وفقاً لرواية الجابري.

وقال البازعي إن الحضارة العربية تمتلئ بالكثير من النماذج لكتاب دفعوا الثمن غالياً، لأنهم قالوا ما لم يكن مسموحاً بقوله من قبل السلطة مثل: أحمد ابن حنبل وابن المقفع وأبوحيان التوحيدي، وقال إن مأزق هؤلاء كان مواجهة السلطة بطرق لا تسبب لهم ضرراً، وفي نفس الوقت تنجح في وصول الرسالة إلى المتلقي.

ووصف البازعي علاقة المثقف بالسلطة محاولته التغلب على الرقابة بالأمر الإنساني الذي لا ينحصر في منطقة أو ثقافة ما، فالأمر نفسه حدث في أوروبا، فالفيلسوف الفرنسي مونتسكيو لم يكن مسموحاً له بنقد الوضع الاجتماعي في فرنسا، فلجأ إلى ذلك عن طريق لسان فارسي في كتابه الشهير «الرسائل الفارسية».

وأشار البازعي إلى أن جدلية الثقافة والسلطة شغلت الفيلسوف الفرنسي الأشهر ميشيل فوكو الذي شغلته فكرة الخطاب، وهو الكلام الذي يعاد إنتاجه ومراقبته وتوزيعه من خلال إجراءات تحد من سلطته وتأثيره، موضحا أن فوكو أشار إلى أن أكثر منطقتين تتعرضان للرقابة والمنع هما الجنس والسياسة.

كما بيّن البازعي أن المفكر الأميركي ستانلي فيش له كتاب عنوانه طويل وهو «ليس هناك شيء اسمه حرية التعبير... ومن الأفضل أن يكون الأمر كذلك»، حيث يرى أن الكلام لا يمكن أن يكون حراً، لأن الإنسان لو أصبح حراً في ما يقول لحدث الكثير من المشاكل والكوارث، وان هناك قيودا دائمة توجه الكلام.

 وقال البازعي إن جدلية الثقافة والسلطة مازلت سائدة في الثقافة العربية المعاصرة، وضرب مثلا بالكاتب المسيحي اللبناني فرح أنطوان الذي رحل إلى مصر ودخل في مواجهة مع السلطة الدينية ممثلة في رشيد رضا، وهو الآخر لبناني هاجر إلى مصر، ولم يجد انطوان وسيلة لمواجهة هذه السلطة إلا من خلال كتابة كتاب عن ابن رشد كمثال للعقلانية والتنوير والتسامح.

وتحدث البازعي عن الروائي الراحل عبدالرحمن منيف الذي عاش منفيا وعابرا للحدود طوال حياته، مشيراً إلى أنه ربما أكثر الذين عانوا جدلية الثقافة والسلطة، واستشهد برواية منيف «شرق المتوسط»، فبطل روايته رجب ظل سجين الصمت مثل منيف نفسه الذي ترك المكان مفتوحاً دون تحديد، تفادياً للرقابة وتاركاً لفطنة القارئ قراءة ما بين السطور.

back to top