الأشباح تٌغنّي في شقة ذكرى (2-2)

نشر في 19-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 19-07-2013 | 00:01
بعض الجرائم لا يمكن الوصول إلى فاعليها، فتظل عالقة في الهواء، لا القانون استطاع أن يكشفها ولا الشهود توصلوا إلى الفاعلين. رغم ذلك يبقى الانتقام الإلهي قادراً، دون غيره، على تحقيق القصاص من المجرمين معدومي الضمير، الذين ساعدتهم الظروف في الهروب من فخ القبض عليهم، ناسين أن العدالة الإلهية لا تعرف عبارة «ضد مجهول».
أصيب الرأي العام العربي بصدمة مروعة فور إذاعة خبر المذبحة الدموية التي وقعت في منزل رجل الأعمال المعروف أيمن السويدي في العقار رقم {23 أ} في شارع مظهر في الزمالك... وكان السؤال المحير، لماذا قتل رجل الأعمال زوجته المطربة التونسية ذكرى ثم قتل مدير أعماله وزوجته وحصد هذه الأرواح بمدفعه الرشاش ثم انتحر بإطلاق رصاصة اخترقت فمه؟! ومن خلال عشرات المواطنين الذين استمعت إليهم نيابة قصر النيل أشاع البعض أن الدافع سياسي لأن المطربة ذكرى غنت لحناً يسيء إلى زعامة دولة عربية... وأشاع آخرون أن الدافع ديني لأن ذكرى سبق وأهدر أحد رجال الدين دمها بعدما شبهت نفسها بالأنبياء... وذهب المقربون من ذكرى وزوجها إلى نفي أن تكون الجريمة قد ارتكبت بدافع الشرف وإنما بسبب الغيرة المجنونة لرجل الأعمال على زوجته، وهو ما أكده الموسيقار هاني مهنى، أقرب الأصدقاء إلى الزوجين والذي كان من المفروض أن يكون متواجداً في مسرح الجريمة وقت وقوعها لولا أنه اعتذر عن مشاركة أصدقائه في هذه السهرة الممتدة حتى الفجر والتي انتهت بمصرع الجميع...

 وكانت الممثلة كوثر رمزي وفقاً لشهادة الخادمتين حاضرة مع الأربعة في مكان الحادث لولا أن طردها رجل الأعمال قبل ارتكابه الحادث بدقائق قليلة... فلماذا طردها، ولماذا كان يكرهها أيمن السويدي بينما تحبها زوجته وترتاح إليها؟! التحريات أجابت عن هذا السؤال!

قال الموسيقار هاني مهنى إن كوثر كانت مشهورة بقراءة الفنجان، ولهذا اكتسبت صداقة عدد كبير من أبناء الوسط الفني الذين لديهم هوس بالغيبيات واستشراف المستقبل... وأكدت التحريات أيضاً أن ذكرى كانت تحرص على صداقة كوثر ودعوتها لزيارتها باستمرار للسبب نفسه، خصوصاً أن ذكرى كانت تشعر في أوقات كثيرة بأن حياتها العائلية مهددة، وأن زوجها سيدمر نجاحها وشهرتها والمجد الذي وصلت إليه بغيرته غير المبررة، لذا كانت تحاول أن تعرف من كوثر كيف يرد الفنجان على أسئلتها وهواجسها! وكان أيمن السويدي يرفض هذا السلوك ويصفه بالدجل ويتشكك في ما تقوله كوثر لزوجته وتنسبه إلى الفنجان.

كانت كوثر الوحيدة التي حضرت الساعات واللحظات الأخيرة قبل ارتكاب المجزرة... ولهذا استجوبتها النيابة بشكل دقيق عن أحداث تلك الليلة المرعبة... قالت:

* وجهت لي ذكرى الدعوة لحضور حفلة افتتاح المطعم الجديد لزوجها الأستاذ أيمن. اعتذرت وقبلت ذكرى اعتذاري لانشغالي بأداء دوري في إحدى المسرحيات، لكنها عادت وطلبت مني الحضور إلى منزل أيمن بعد انتهاء دوري، وعرفت في ما بعد أنها ذهبت مع السيدة خديجة زوجة مدير أعمال أيمن إلى الحفلة ثم حدثت مشادة كلامية بين أيمن وذكرى وكاد المدعوون يشعرون بما يحدث بينهما فانصرفت ذكرى وبصحبتها خديجة وعادتا إلى البيت. وفي هذه الأثناء، اتصلت بي ذكرى وطلبت مني الحضور لأنها في غاية التوتر وتحتاج إلى التكلم معي. فعلاً، أسرعت إليها بعد انتهاء دوري في المسرحية والتقيت بها في حضور السيدة زوجة مدير أعمال أيمن. وحكت لي ذكرى أن زوجها عاد إلى شكوكه مجدداً وطلب منها أن تتفرغ للبيت وله وتنسى حكاية الفن والمهرجانات فاضطرت إلى مغادرة الحفلة حتى لا يتفرج عليهما الناس... ويبدو أنها كانت خائفة لأن أيمن لم يكن في حالته الطبيعية ربما كان قد تعاطى خمراً بأكثر مما يجب. وربما لم يشرب خمراً وكانت حالته النفسية هي التي تجعله يبدو كمن فقد عقله! وبينما نحن نتحدث أنا وذكرى وخديجة وصل أيمن وبصحبته مدير أعماله ولا أعرف لماذا تكهرب أيمن حينما رآني. عاملني بغلظة غير طبيعية ثم طلب مني أن أدخل إحدى الحجرات لأنه يريد إكمال الحديث مع زوجته في أمور عائلية ولا يريدني أن أكون طرفاً فيها. وأمام ثورة غضبه قمت فعلاً ودخلت حجرة بعيدة عن المدخل... ومع ذلك كان صوت الشجار يصلني ويبدو صوت أيمن واضحاً وهو يحذر زوجته من الاستمرار في البروفات الليلية والسفر إلى المهرجانات وعلاقاتها ببعض الأشخاص... وكانت ذكرى تصرخ وهي ترفض هذه الإهانة التي وصلت إلى حد الشك في سلوكها وفي علاقتها بمدير أعمالها وببعض الأشخاص في الدول التي تقيم مهرجانات تمنح الجوائز فيها لذكرى. ويبدو أنه تذكر وجودي في الشقة فأسرع نحوي وطلب مني مغادرة المكان فوراً... وأذهلني أنه حمل حذائي من فوق الأرض وألقى به نحو باب الشقة... وفعلاً خرجت وقد عزت نفسي عليّ... لكن أدركت في ما بعد أنه كان في عمري بقية.

* لماذا حرص أيمن السويدي على مغادرتك المنزل؟!

** ربما اعتقد أنني سوف أحكي ما يحدث لزملاء الوسط الفني الذين يتعاطفون مع ذكرى ويشفقون عليها من غيرة زوجها الجنونية.

* ماذا كان موقف مدير أعمال أيمن وزوجته أثناء المشاجرة؟

** كانت خديجة متألمة من شكوك أيمن في زوجته وتصيح فيه بأن زوجته أشرف من الشرف وأنه بهذه الطريقة سيخسرها ثم يندم. وكان مدير أعماله يدافع أيضاً عن ذكرى ويطالب أيمن بألا يفلت لسانه باتهامات لا يمكن الاعتذار عنها في ما بعد... وهذا في اعتقادي هو سبب انفلات أعصاب أيمن نحو مدير أعماله وزوجته خديجة، ما دفعه إلى قتلهما بعد أن قتل زوجته.

* وبماذا كانت ترد ذكرى على إهانات زوجها؟!

** كانت تحاول أن تفهمه أن طبيعة عملها هي التي تفرض عليها هذه التصرفات وأن الوسط كله يعرف سلوكها وأنها تحبه بجنون وتحافظ على شرفها وشرفه فإن لم يكن هناك حل آخر فليطلقها!.... وربما كان هذا الرد هو الذي أفقده أعصابه لأني علمت في ما بعد أن أيمن دخل حجرته وعاد حاملاً مسدسه ومدفعاً رشاشاً حصد به أرواح الثلاثة بسيل من الأعيرة النارية!

الوصية

من الأمور المحيرة في التحقيقات هذا الخطاب الذي عثرت عليه المباحث في خزانة أيمن السويدي ومكتوب بخط يده موجهاً إلى شقيقه الأصغر محمد. جاء فيه:

أخي محمد:

- أحذرك من التعامل مع مدير أعمالي عمرو الخولي لأنه سبب الخراب الذي حل بي بتشجيعه لي على الاقتراض من البنوك مستغلاً علاقاته ببعض المسؤولين في البنوك حتى جعلني في النهاية متعثراً وفي أزمة طاحنة.

- وأحذرك يا أخي من أن تقع في الخطأ نفسه. ابتعد عن كارثة الاقتراض. وستجد في هذا الخطاب الرقم السري لخزانتي والرقم السري لحقيبتي التي تتضمن دفتر الشيكات والأوراق والمستندات كافة المهمة جداً. وستجد في هذا الخطاب أيضاً عناوين قطع أراض خاصة بي ولا يعلم عنها أحد أنها خاصة بي ومكانها في الإسكندرية.

- أوصيك يا أخي بحق الدماء التي تجري في عروقنا بأن تهتم بطليقتي السيدة لبنى والاعتناء بابنها وأمها ولا تحرمها من أية مبالغ تحتاج إليها... أنني الآن أعرف قيمة هذه السيدة والأيام الجميلة التي عشتها معها. إنها من أعظم نساء المغرب... وما زال اسمها الحقيقي نادية أو اسمها الذي اشتهرت به “لبنى” هما أحب الأسماء إلى قلبي.

 

- أخي الحبيب... أنت أقرب الناس إلى قلبي ولا تنزعج إذا علمت يوماً بأنني فارقت الحياة بسبب سوء حالتي النفسية من ناحية وكثرة ديوني... ومطالبات البنوك. لا تنزعج بموتي وأنصحك ببيع الأراضي التي ألمحت لك بها والاستفادة بثمنها ومواصلة العمل لعل وعسى تكون ظروفك أفضل من ظروفي وتعوض بحياتك مماتي.

 

كان الخطاب كالقنبلة في التحقيقات، فأيمن قرر إنهاء حياته باعتراف بخط يده. لكن يبدو أنه كان متردداً بعض الشيء حتى تسببت غيرته على زوجته والحوار الأخير الذي تم بينهما في إسراع أيمن إلى تنفيذ قراره حيث لم يعد احتمال الضغوط المالية والعاطفية في وقت واحد... كان واضحاً أيضاً من الوصية التي حملها الخطاب أن عاطفة أيمن الحقيقية قد اتجهت بشدة إلى مطلقته المغربية التي يبدو أنها كانت أكثر طوعاً له من زوجته التونسية.

انتهت التحقيقات إلى وصف جريمة أيمن بالانتحار وحفظ التحقيق في قتله لزوجته ذكرى ومدير أعماله عمرو الخولي وزوجته خديجة. وصرحت النيابة بدفن الجثث. لكن حادث ذكرى لم ينته عند هذا الحد... فلم يكد يمر وقت قصير حتى بدأ الناس والجيران وحراس العقار يؤكدون أن الشقة سكنتها الأشباح وأن العفاريت تمرح وترتع فيها... وحمل بلاغ رسمي هذه الحكايات المثيرة والغريبة.

قصة الأشباح

البلاغ تقدم به محمد السويدي شقيق أيمن رجل الأعمال الراحل، وقال فيه إنه يطلب من النيابة الإذن له بفتح الشقة وجرد محتوياتها، خصوصاً وقد أبلغه بعض الجيران وحراس العقار أن نوافذ الشقة تنفتح وتنغلق فجأة مع استحالة حدوث فتح أي نافذة من نوافذ الشقة إلا من الداخل، ويخشى معه أن تكون الشقة قد تعرضت للسرقة ونهب محتوياتها.

قال الجيران وحراس العقار أيضاً إنهم لاحظوا أن مصعد العمارة كثيراً ما يتجه إلى الطابق الثاني من دون أن يستدعيه أحد من السكان الذين يتحاشون الاقتراب من هذا الطابق الذي تقع فيه شقة ذكرى وأيمن التي حدثت فيها المجزرة الدموية. فمن الذي يستدعي المصعد من هذا الطابق؟!

وقال بعض الحراس إنهم بعد انتصاف الليل يسمعون صوت غناء حتى الساعة الخامسة أو السادسة صباحاً فيسمعون صراخاً يشبه مواء القطط. وعلى رغم محاولة الجميع طرد الخوف عنهم وبث الطمأنينة في أنفسهم بتصوير ما يحدث على أنه أوهام وخيالات لا أساس لها من الواقع، فإن تكرار الأحداث مع تغيير ورديات الحراس والأشخاص جعلهم جميعاً على يقين من أن كل ما يسمعونه ويشاهدونه حقيقة لا شك فيها!

وافقت النيابة على فض الشمع الأحمر وإعادة فتح الشقة من خلال ضباط مباحث قسم شرطة قصر النيل... وهناك أحاط الجيران وحراس العقار بضباط الشرطة وطالبوهم ألا يغلقوا الشقة بعد جرد محتوياتها إلا بعد فتح الراديو على إذاعة القرآن الكريم وتركه مفتوحاً على وجه الدوام. كذلك أكد الحراس وبعض الجيران الذين فتحوا الشقة أن النوافذ التي تنفتح فجأة يتم إلقاء بعض الحجارة منها على الطريق العام ثم تنغلق فجأة أيضاً.

يقول ضابط المباحث الذي عاين محتويات الشقة بعد فض الشمع الأحمر:

 

- {... كنت واحداً ممن سبق وعاينوا الشقة إثر وقوع المذبحة. شاهدت آنذاك جثث القتلى الأربعة وفتشت الشقة شبراً شبراً من دون أن أشعر بالخوف... لكن ما إن دخلت الشقة هذه المرة وكانت الساعة تقترب من الواحدة ظهراً حتى دب الرعب في أعماقي وإن كنت قد أخفيت ذلك عن كل الموجودين... لم تكن الشقة قد تم تنظيفها بعد الحادث، بل لم يتم فتحها منذ أمرت النيابة بإغلاقها بالشمع الأحمر... الدماء الجافة كانت ملتصقة بأرضية المدخل ومتناثرة فوق الجدران والكنبة التي كانت تجلس فوقها ذكرى مرتدية الأبيض بخطوط طولية حمراء قبل أن تسقط قتيلة. المهم أن محمد شقيق أيمن كان يراجع محتويات الشقة خوفاً من أن تكون قد تعرضت للسرقة، لكنه وجدها سليمة تماماً. ودخلت معه حجرة نوم ذكرى والتي أجمع الناس على أن نوافذها تثير الرعب في قلوبهم حينما تنفتح فجأة وتتطاير منها الحجارة! تأكدنا من أنه لا يمكن لأحد أو حتى للعواصف الهوائية من فتح هذه النوافذ إلا إذا كان داخل الحجرة. وما لم نتأكد منه على وجه الإطلاق هو من الذي كان يفتح النوافذ من دون أن يكون داخل الشقة أحد.

الأوراق الرسمية لا يمكن أن تتهم العفاريت أو الأشباح، لهذا تم إغلاق المحضر بالتأكيد على أن الشقة لم تتعرض للسرقة. هذا ما يهم القانون والعدالة. وبقي سؤال إثر سؤال عن هذا المجهول الذي يحرك المصعد ويفتح النوافذ ويلقي بالحجارة ويعزف الموسيقى وتصدر عنه أصوات مواء القطط. الناس أجمعوا على أنها الأشباح والعفاريت، والقانون أغلق الملف، والشقة عادت مجدداً إلى الأضواء بعد عرضها للبيع في مزاد علني... كان الثمن الذي قدره الخبراء ثمانية ملايين جنيه، لكن المزاد فشل خمس مرات بعدما هبط ثمن الشقة إلى أدنى مستوى بسبب الهلع الذي أصاب كثيرين بعدما نشر عنها من حكايات الأشباح! وفي المرة السادسة بيعت الشقة بستة ملايين جنيه فقط أي أقل من سعرها الحقيقي بمليوني جنيه... لكن الملاحظ أن الشقة رائعة الديكورات والمليئة بالتحف لم يتم شراؤها بغرض السكن، وإنما لتكون مخزناً لإحدى الشركات الكبرى، بينما يؤكد بعض الجيران أن الخوف من هذا المكان القابع في الطابق الثاني ما زال قائماً... وأن حكايات الأشباح ستظل وقتاً ربما يطول لأجيال مقبلة.

(البقية في العدد المقبل)

back to top