سنة الأداء الهزيل لروسيا والرئيس بوتين

نشر في 29-12-2012
آخر تحديث 29-12-2012 | 00:01
تخفيف سيطرة الحكومة على شبكات التلفزة الكبرى، وزيادة الشفافية على شبكة الإنترنت، وتعيين قضاة مستقلين في المحكمة العليا والمحكمة الدستورية، ومحاربة الفساد، ونشر الخصخصة والحداثة تبدو كلها جزءاً من عالم خيالي في رأي أصدقائي في موسكو.
 ناشيونال إنترست   عندما يجلس الرئيس فلاديمير بوتين بجوار المدفئة وشجرة عيد الميلاد، محاولاً استذكار كل نجاحات عام 2012 وإخفاقاته، لابد أنه سيلاحظ أن النتائج التي حققتها روسيا، وهو نفسه، ضئيلة وغامضة على أفضل تقدير.

قال "الزعيم الوطني" الروسي هذا في لقاء مع خبراء من "نادي فالداي" (من بينهم كاتب هذا المقال) في شهر أكتوبر الماضي: "أنا بخير". نعم، نجح بوتين في الفوز بولاية رابعة في سدة الرئاسة (على اعتبار أن رئاسة ديمتري ميدفيديف كانت الثالثة)، لكن السنة المنصرمة وسمت بداية مرحلة كثيرة الاضطرابات بالنسبة إلى هذا الزعيم الروسي وحزبه "روسيا الموحدة".

تنعم روسيا بحالة من الأمان، إلا أن كثيراً من التحديات التي يواجهها بوتين محلية. فتقر النخبة الحاكمة، بما فيها المعارضة ووسائل الإعلام، أن محاور الإصلاح الثلاثة الرئيسة، التعليم ومعاشات التقاعد والدفاع، قد أخفقت. فتكشف قضايا الفساد المقدمة ضد وزير الدفاع السابق أناتولي سيرديوكوف ومساعداته الجميلات الشابات مدى الفساد المستشري في إدارة الممتلكات والشراء. وما هذا إلا رأس الهرم. أما سوء استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية في قطاعات أخرى، مثل الألعاب الأولمبية في سوتشي وبناء أنابيب النفط، فلم يُعالج بعد.

ولكن لنبدأ أولاً بالأهم: فاجأت المعارضة الجميع (حتى نفسها على الأرجح) عندما تمكنت في نهاية السنة الماضية من حمل أكثر من مئة ألف شخص على التظاهر ضد التلاعب بنتائج انتخابات مجلس الدوما في شهر ديسمبر عام 2011. فلم يتوقع حزب "روسيا الموحدة" الحاكم صيحات التنديد هذه، عندما أعلنت لجنة الانتخابات المركزية نتيجة التصويت. فلم يكن مفترضاً أن يثور الشعب، لكنه تمرد.

لاحقاً، تظاهر الروس ضد انتخابات مارس عام 2012، التي عاد فيها رئيس الوزراء فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة. ففي اليوم التالي للانتخابات، احتشد نحو 20 ألف شخص للتظاهر في ساحة بوشكين. وبعد أن اتخذت التظاهرات في يوم إدلاء بوتين القسم الرئاسي في السادس من مايو طابعاً عنيفاً، أقامت وزارة الشؤون الداخلية عدداً من القضايا الجنائية في حق متظاهرين بتهمة "مقاومة قوات مكافحة الشغب".

عندما تكثر الشكوك، يكون الحل الأسهل لوم الولايات المتحدة. لذلك يتحدث أهل موسكو اليوم عن "نظرية مؤامرة" سرت في أروقة السلطة. فقد تبين، وفق رواية الحزب الحاكم، أن المسؤول والمحرض الرئيس وراء التظاهرات الروسية، التي نددت بالتزوير وأعمال العنف خلال الانتخابات، ما هو إلا وزارة الخارجية الأميركية والوزيرة هيلاري كلينتون والسفير الأميركي مايكل ماكفول. لكن "الليبرالين" المهمَّشين أصحاب الميول الغربية لا يستطيعون زعزعة استقرار البلاد، فمَن يمكنه ذلك هم الوطنيون الروس الغريبو الأطوار، والمتشددون اليساريون الشعبويون، وكبار رجال الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الواسعو النفوذ.

عندما خبت التظاهرات، بدأت الحكومة عملية القمع. فألقت السلطات في السجن عدداً من كبار شخصيات المعارضة، خصوصاً اليساريين. كذلك أثرت التشريعات الروسية الجديدة، التي مُرِّرت عقب التظاهرات، في حرية التعبير، خصوصاً عبر الإنترنت.

وهكذا بات الناشطون والصحافيون المستقلون والمواطنون العاديون مهددون بوصفهم مصدراً مهماً للاحتجاج والتظاهر. تملك روسيا أساليب عدة لتقمع الصحافيين وأصحاب المدونات المناهضين للحكومة، منها نظام تتبع للنشاطات عبر الإنترنت يُدعى SORM، تحلله قوى الأمن وتستخدمه في ملاحقاتها القضائية. لكن هذه الوسيلة لم تكن كافيةً. لذلك وافق مجلس الدوما في الخريف الماضي على قوانين تعيد العمل بالتشهير الجنائي و"اللائحة السوداء" لمواقع الإنترنت. كذلك تدعم روسيا وضع الإنترنت تحت إشراف الأمم المتحدة، حيث تتمتع موسكو، بكين، وعدد من الدول الإسلامية بقدرة على التحكم فيها.

يقضي قانون قمعي آخر بتصنيف المنظمات غير الحكومية كـ"عملاء أجانب"، إن كانت تموَّل ولو جزئياً من مصادر دولية وتشارك في "الحياة السياسية". لكن تعريف هذا القانون "للحياة السياسية" غامض جداً، ويفتح الباب على احتمالات لا نهاية لها من التفسيرات العشوائية، ما يفرض هذا التصنيف على مجموعة واسعة من المنظمات غير الحكومية التي تشمل نشاطاتها مراقبة الانتخابات، والتدريب الانتخابي، وجهود مناهضة للفساد، ونشر الوعي حول سوء معاملة الجنود، وغيرها من نشاطات الدفاع عن حقوق الإنسان.

علاوة على ذلك، أُدخلت تعديلات جديدة إلى القانون الجنائي اقترحتها قوى الأمن الفدرالية وسارع مجلس الدوما إلى تبنيها والرئيس إلى توقيعها. فوسعت هذه التعديلات مفهوم "الخيانة العظمى" ليشمل تدابير كان ستالين ورئيس جهازه الأمني السري سيسعدان بها لا محالة. فبات بالإمكان، وفق القانون الجديد، اتهام أي مواطن روسي يعمل لدى منظمات أو حكومات أجنبية بالخيانة حتى لو كان مجرد مستشار. كذلك شددت الحكومة الروسية عقوبة الإفشاء بأسرار الدولة، حتى صارت تشمل إفشاء أسرار الدولة خطأ نتيجة غلطة ارتكبها مسؤول حكومي.

تبقى بارقة الأمل الوحيدة في العودة إلى أفكار تسعينيات القرن الماضي التي تعرضت لانتقادات كثيرة، معظمها في غير محله: انتخابات الحكام، وتخصيص 50% من مقاعد مجلس الدوما للمقاطعات ذات الممثل الواحد، وانتخابات المجلس الفدرالي (المجلس الأعلى في البرلمان). ولكن تبدو فرص التغيير ضئيلة، فيما يسيطر حزب "روسيا الموحدة" على الساحة السياسية ويتحكم في صناديق الاقتراع.

تبدو احتمالات إضفاء طابع من الديمقراطية على النظام السياسي محدودة. فتخفيف سيطرة الحكومة على شبكات التلفزة الكبرى، وزيادة الشفافية على شبكة الإنترنت، وتعيين قضاة مستقلين في المحكمة العليا والمحكمة الدستورية، ومحاربة الفساد، ونشر الخصخصة والحداثة تبدو كلها جزءاً من عالم خيالي في رأي أصدقائي في موسكو.

في عام 2012، ازدادت العلاقات الروسية- الأميركية سوءاً. فقد طردت موسكو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. رفضت إجراء تحقيق نزيه في مقتل سيرغي مانيتسكي (أحد محاربي الفساد)، وتجاهلت الدعوات لمراجعة قضية مالك YUKOS السابق ميخائيل خودوركوفسكي وشركائه. ويعمل معارضو النظام اليوم على جمع أسماء المسؤولين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان الفادحة ليدرجوها في لائحة مانيتسكي، في حين ترد روسيا بإعداد لائحة بأسماء المسؤولين الأميركيين المتورطين في سجنَي أبوغريب وغوانتانامو ومقاضاة تاجر الأسلحة فيكتور بوت.

مرر مجلس الدوما أيضاً قانوناً يمنع تبني الأميركيين أولاداً روسيين. غير أن هذا التدبير لا يضر إلا بالأولاد الروس المشردين والمتروكين والأهل الأميركيين التواقين إلى التبني.

يبدو أن رهان إدارة بوتين الرئيس في مجال السياسة الخارجية (دعم بشار الأسد) قد بدأ يتهاوى. وقد ألحق ذلك ضرراً كبيراً بعلاقات روسيا مع تركيا والكثير من الدول العربية. علاوة على ذلك، تعزز إطالةُ فترة احتضار نظام الأسد الجناحَ السني المتطرف بين صفوف أعدائه، خصوصاً العناصر المجاهدة المرتبطة بتنظيم "القاعدة". فقد تلقت مجموعات مثل "جبهة النصرة"، التي أدرجتها الولايات المتحدة أخيرًا في لائحتها للجماعات الإرهابية، الدعم من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية.

لكن الكرملين حقق أيضاً بعض الانتصارات. فقد خسر ميخائيل ساكاشفيلي، "عدو روسيا"، الانتخابات البرلمانية في جورجيا. ومن المحتمل أن يحسّن خصمه، رئيس الوزراء بيدزينا ايفانشفيلي، قائد ائتلاف حلم جورجيا، العلاقات مع موسكو حيث كسب ملياراته. أما حلف المناطق الأوكراني بقيادة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، فقد تمكن من الاحتفاظ بالأغلبية في البرلمان. ولا شك في أن روسيا ستحاول استخدام عزلة يانوكوفيتش في أوروبا لتعيد "شقيقتها الصغرى"، أوكرانيا، إلى قطيع الاتحاد الجمركي وفي المستقبل الاتحاد الأوروآسيوي.

على الصعيد الاقتصادي، تنعم روسيا بمعدل نمو بلغ 2.9% في سبتمبر عام 2012. وتواصل روسيا مراهنتها على النفط والغاز الطبيعي من خلال أنابيب النفط والغاز الجديدة في شرق سيبيريا ومشروع خط أنابيب الغاز South Stream. سيتيح هذا الأخير للكرملين الحدّ من نقل الغاز عبر أوكرانيا أو حتى وقفه تماماً. لذلك ستُخصص كميات هائلة من المال لبناء هذا الخط وشراء شركة النفط TNK-BP (قيمتها 55 مليار دولار).

ولكن في السنة المقبلة (إذا استثنينا قطاع الطاقة)، فستواجه روسيا ركوداً اقتصادياً. تدرك النخبة الاقتصادية أن عليها كسر اعتماد روسيا على الهيدروكربون، بيد أن الكرملين لا يريد تخصيص السوق. فضلاً عن ذلك، لا تبدو الظروف مواتية لقطاعات منافسة لا تعتمد على الطاقة أو الموارد الطبيعية، تجذب المستثمرين، ويمكنها أن تزدهر. فهل سبق أن اشتريت كمبيوتر محمولاً، أو سيارة روسية؟ لربما يرى فلاديمير بوتين أنه بخير مع حلول السنة الجديدة. هذا بالتأكيد ما يظنه. ولكن ماذا عن البلد الذي يرأسه؟

Ariel Cohen

back to top