فينيسيا الصغيرة... وصحوة الموت

نشر في 02-02-2013
آخر تحديث 02-02-2013 | 00:01
 د. صالح الحيمر أعجب بها الإسبان وسحرهم طقسها البديع وموقعها المميز، فهي في شمال القارة اللاتينية على خليج، تمر بها قوافل التجار شمالاً باتجاه بنما وجنوباً حيث البرازيل، سموها فينيسيا الصغيرة لجمالها وتدفق الأنهار بين بيوتها.

هذه الدولة مكلومة منذ القرن السابع عشر حتى اليوم، فعلى الرغم من العقدين الاجتماعي والسياسي اللذين كتبهما أهل هذه الأرض واعتبروهما دستورهم الذي يحكم علاقتهم وينظم شؤون حياتهم، فإن أغلب مَن تسلط على حكم هذه الدولة كان أقرب ما يكون إلى "الحرامي" منه رئيسا للدولة، وقد تمادى بعضهم إلى أن وصل إلى مرتبة "قاتل" في حقبة من زمن هذه الدولة الأغبر، إلى أن صار حكامها "موظفين" لدى من يملك المال ويتحكم بعصابات الإجرام.

دستورهم واضح وبنوده معروفة والكل يتغنى به و"يلحن" فقراته، والساسة والحكام يحملونه في جيوبهم "تمت طباعته بحجم الكف"، ويرفعونه في وجوه الشعب ويقسمون على طاعته... ولكن النتيجة كانت الكفر بكل ما جاء في هذا الكتيب الصغير.

اكتشف النفط في أربعينيات القرن الماضي فزادت معاناة المواطنين وارتفعت وتيرة السرقات، واستمرت الحال على هذا البؤس حتى الستينيات، إذ جاء رجل يؤمن بالديمقراطية ويحرص على المساواة وينظر إلى أبعد من غيره إلى مستقبل وطنه، هذا الرجل اسمه روملو. أذهل الدول المجاورة وسبقها بسنوات وتمنى جيرانهم أن يحملوا جنسية دولته، بل هربوا إليها ليتركوا دولهم تغرق في تخلف حكامها وتسلطهم. لم يستمر حكم روملو كثيراً، وجاءت فترة السبعينيات بحكام جدد جلبوا معهم تجاراً بثياب وزراء وساسة لإدارة مليارات النفط. وضعت خطط "عظيمة" بالاسم وكبيسة بالفعل، فراحت "فلوس" الفنزويليين وبكل بساطة إلى جيوب هؤلاء... دع عنك خسائر الحكومة المهضومة.

استمر الوضع المأساوي في الثمانينيات والتسعينيات وتوالت "خسائر" الاستثمارات ومغامرات الساسة والاقتصاديين المروعة، فالنفط يتدفق إلى الأسواق العالمية وأمواله يتقاذفها حكام سذج وتجار أذكياء وعصابات محترفة... والشعب يتلقى الفتات كالوظائف الحكومية والرعاية شبه الصحية والخدمات المتواضعة.

من كم سنة قفز أحدهم إلى الحكم عن طريق انتخابات يقول هو إنها دستورية، وكانت وعوده تتراوح بين الحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية. أضاعها بإضعاف المؤسسات السياسية والبرلمانية مما أدى إلى ضعف حكومي وإداري أوصلهم إلى ضياع الرقابة وسوء التخطيط والصرف غير المبرر لموارد الدولة.

تكالبت على هذا الرئيس واسمه شافيز الأمراض الفتاكة وتدهورت صحته حتى وصل إلى شفير الموت لدرجة أن حفل تنصيبه ما زال مؤجلاً انتظاراً لما تؤل إليه صحته... تقول التقارير الصحية إن شافيز أفاق من غيبوبته هذه الأيام، لعلها تكون الصحوة الأخيرة التي تسبق الموت الذي يتمناه أهل تلك الأرض بفارغ الصبر.

back to top