افتتاحية: لئلا تدفع الكويت الثمن

نشر في 15-06-2013
آخر تحديث 15-06-2013 | 00:06
No Image Caption
أسوأ من الكلام الطائفي البغيض هو أننا لم نعد نفاجأ به، والأكثر سوءاً هو أن رعاة التحريض الطائفي والمذهبي هم الذين يفترض أن يكونوا نخبة واعية تقود عامة الناس.

ما جرى في الأيام الأخيرة في الشارع وفي مجلس الأمة شاهدنا مثله في فترات سابقة على تقطع منذ نهاية السبعينيات، وإذ إننا استطعنا تجاوزه أحياناً بالحزم وأحياناً بالحكمة وأحياناً بدفن الرأس في الرمال، فإننا اليوم أمام اختبار جديد لم تعد تنفع معه النصيحة والتمنيات ولابد أن تواجهه الدولة بالشدة الكافية تطبيقاً للقانون ومنعاً لتدمير الوحدة الوطنية.

لا نقول إن نار سورية اليوم هي أقرب إلى الكويت مما كانت عليه نار الحرب العراقية - الإيرانية، ولن نبالغ في توقع أن تكون المواقف المتضاربة من الثورة السورية ونظام الأسد وتدخل "حزب الله" وإيران أكثر خطورة على العيش المشترك بين الكويتيين من أحداث عقد التسعينيات على حدود الكويت الخارجية وعلى حدود توتراتها الداخلية. لكننا نقول، إن بلدنا الذي تمكن من الخروج من محن تلك الفترة العصيبة ومن كارثة الغزو المجرم، يجب أن يتعلم من تجاربه المرة ومن تجارب الآخرين، فلا يقع في فخ انفلات الغرائز ولا يستجلب أزمة خبيثة من الإقليم مهما كانت مشاعر الكويتيين مرتبطة بما يحصل في سورية ومهما كانت نوازعهم الأيديولوجية والسياسية جاهزة للتأثر والتأثير.

ليست الكويت جزيرة معزولة. والحدث السوري يضرب عميقاً في كل الناس والمجموعات في بلاد العرب والمسلمين والعالم. لكن الكويت أخذت حصتها الكافية من نظام الاستبداد الصدامي، ومن الإرهاب المنظم، ويجب ألا تسمح لتداعيات الزلزال السوري بأن تلدغها من الجحر مرة ثانية أو أن تؤثر على نسيجها الوطني وسعيها إلى النمو والتحديث.

لا أحد يستطيع منع الناس من التعبير والتفاعل مع الوضع السوري. فالقاتل معروف وكذلك القتيل. لكن حدود التفاعل هي حدود مصلحة الكويت ووحدتها وطبيعتها الوسطية ورفضها المغالاة. فنحن دولة لها قانون ومؤسسات، وأي نزعة متطرفة تناقض وجودنا من الأساس.

لا نعير اهتماماً لتفاهات متطرفين يهددون بالذبح الطائفي وتجميع مقاتلين للانخراط في الأتون السوري. فهؤلاء علاجهم عند الحكومة التي يجب أن تخضعهم للمساءلة والحساب. لكننا ننبه إلى أن تقديم أي طرف للولاء الخارجي المذهبي والأيديولوجي على الولاء الوطني هو نكوص عن الوحدة الوطنية وخروج من عباءة الدولة والوطن، ويشبه الدعوات إلى "الجهاد" التي تتجاوز القوانين ولا تعني سوى عدم اعتراف بحدود الدولة الوطنية وبسلطاتها. وهذه مسألة يجب أن تواجه بشجاعة استثنائية على المستويات القانونية والفكرية والفقهية، وألا تترك نهباً لتفسيرات التكفيريين ودعاة رفض الآخرين.

واجب الدولة واضح، لكن واجب المواطن لا يقل أهمية. فليكُف الناس عن الشكوى من الاسترزاق الانتخابي الرخيص والسمج الذي يمارسه النواب والمرشحون وبعض القوى السياسية عبر التحريض وإثارة الغرائز. وليبادروا إلى موقف واضح من هؤلاء الجشعين إلى المقاعد الخضراء على حساب الوحدة الوطنية، وهم حتماً يعرفون أسلوب الحساب.

خلاصة القول إن الكويت لا تحتمل أن توقظ فيها الفتن النائمة بين المذاهب بحجة الوضع السوري، فيكفي أن هذه الفتن ساهرة على تعميم الدم والدمار ونشر الحرائق في أكثر من دولة وبقعة من الإقليم.

back to top