الله وحده يعلم!

نشر في 31-07-2013
آخر تحديث 31-07-2013 | 00:01
هذه الانتخابات التي أتت لنا بتوليفة جديدة وتنوع كبير، فهل كل ما حدث خلال هذين العامين كان مجرد «فوضى خلاقة» لعلها لازمة من لوازم التطور الديمقراطي عند كل الشعوب الحية، أم أنه استكمال لمسيرة التخلف والتأخر والعودة إلى الوراء أكثر فأكثر، وأننا سوف نرى أياماً أسوأ مما مضى؟!
 حمد نايف العنزي يحكى أن مزارعاً حكيماً كان يمتلك حصاناً يستخدمه في حراثة حقله، ولديه ابن شاب يساعده في عمله، فحدث في أحد الأيام أن صحا المزارع من نومه فلم يجد حصانه الذي اختفى فجأة، فأتاه الجيران يواسونه في مصابه الجلل وقالوا له: يا لها من مصيبة يا جارنا المسكين، كيف ستمارس عملك في الحقل بعد اليوم دون حصانك؟!

رد المزارع الحكيم بهدوء وبصوت خافت كأنما يحدث نفسه: أهو أمر سيئ؟ أهو أمر جيد؟ الله وحده يعلم!

فلم تمض أيام حتى عاد الحصان جالباً حصاناً آخر معه، فجاء الجيران مهللين ومباركين: يا لك من محظوظ، الآن تستطيع أن تعمل ضعف ما كنت تعمل في السابق!

فرد المزارع بمثل ما قاله قبل أيام: أهو أمر سيئ؟ أهو أمر جيد؟ الله وحده يعلم!

في اليوم التالي، سقط ابن المزارع الوحيد الذي كان ساعده الأيمن في عمله من الحصان الجديد فكسرت ساقه، فجاءه الجيران يندبون حظه العاثر: يا لك من عجوز بائس، من سيساعدك الآن في عملك؟ وكيف تستطيع إنجازه وحدك؟

فما كان منه إلا أن قال ما قاله قبلاً: أهو أمر سيئ؟ أهو أمر جيد؟ الله وحده يعلم!  

بعد أيام وصلت الأخبار بأن الحرب قد قامت، وكل الشباب مطالبون بالالتحاق بالجيش فوراً، فعمّ الحزن القرويين لعلمهم بأن كثيراً من هؤلاء الشباب لن يعودوا من الحرب إلا في أكفانهم، وكل قروي منهم يدعو ربه بأن يكون ابنه مستثنى من هذا القدر، فابن جاره أولى به!

لذلك، كان الحسد يملأ قلوبهم لأن ابن المزارع الذي كسرت ساقه سيعفى من هذه المهمة، ويبقى بجانب والده بخلاف أبنائهم الذاهبين إلى الجبهة، لذلك قالوا له: يا لك من محظوظ، سيكون ابنك بجانبك هنا!

فرد عليهم وابتسامة -شبه خبيثة- تعلو شفتيه هذه المرة: أهو أمر سيئ؟ أهو أمر جيد؟ الله وحده يعلم!!

تذكرت حكاية هذا المزارع وأنا أتابع النتائج النهائية للانتخابات الأخيرة، وشريط الأحداث في العامين الأخيرين يدور في رأسي، منذ بداية المطالبة برحيل الشيخ ناصر المحمد، ثم فورة الغضب الشعبي التي صاحبت قضية الإيداعات والتحويلات وعجلت برحيله، ثم ما حدث في مجلس 2012 "الدكتاتوري" الذي أبطل بعد أربعة أشهر عاصفة بالتأزيم والشد والجذب، لتأتي بعد ذلك هوجة المسيرات والاعتصامات التي حدثت بعد صدور مرسوم الصوت الواحد، وجعلتنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً على وطننا، ثم مجلس "الصداقة والسلام" مع الحكومة الذي أبطل هو الآخر قبل أن نعرف كثيراً من أسماء ووجوه أعضائه، وأخيراً هذه الانتخابات التي أتت لنا بتوليفة جديدة وتنوع كبير، فهل كل ما حدث خلال هذين العامين كان مجرد "فوضى خلاقة" لعلها لازمة من لوازم التطور الديمقراطي عند كل الشعوب الحية، أم أنه استكمال لمسيرة التخلف والتأخر والعودة للوراء أكثر فأكثر، وأننا سوف نرى أياماً أسوأ مما مضى!

حقيقة لا أحد يستطيع الجزم، ولم نعد نعلم إلى أين نحن سائرون، وصرنا كذلك المزارع الذي لا يفتأ يكرر قولته المعتادة: أهو أمر سيئ؟ أهو أمر جيد؟ الله وحده يعلم!!

back to top