المطب الإسرائيلي في التعليم الظلامي

نشر في 12-06-2013
آخر تحديث 12-06-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي -1-

يعترف معظم المفكرين العرب المعاصرين، أن التعليم يقوم في معظمه في البلدان العربية على القراءة التعبدية؛ أي الإيمانية للنص التي تستبعد القراءة العقلانية له، والتي لا تقبل من النص إلا ما اتفق مع العقل، ومصلحة البشر. والنصوص المتضاربة مع العقل والعلم أو مصلحة المواطنين، إما أن أحكامها تنسخ، لأنها لم تعد متكيفة مع روح العصر، وإما أنها تؤول بما يتفق مع العقل. لأن الوهاب- كما يقول ابن رشد- لا يمكن أن يعطينا عقولاً وشرائع مخالفة للحياة.

-2-

والقراءة العقلانية للنص، تأبى أن يكون الإنسان لعبة الأقدار، بل تعتبره حراً مسؤولاً عن أفعاله، وعقله كفيل بهدايته إلى معرفة ما هو قبيح وما هو حسن، ما هو خير، وما هو شر؛ أي تمرير القيم على محكمة العقل.

ولكن التعليم الظلامي السائد، بدوره، يفبرك أجيالاً لُقنت النص، وحرّمت على نفسها التفكير الشخصي فيه، فلا تقرأه إلا بغرائزها العدوانية، ومخاوفها اللاعقلانية، وإسقاطاتها الذاتية، وأهوائها السياسية. وهؤلاء هم الإرهابيون، وجمهورهم بائس ثقافياً، ونفسياً، وجنسياً.

-3-

إن القراءة النصية، الظلامية؛ أي اللاعقلانية للنص، تخلق حاجزاً نفسياً بين الوعي الذاتي والحداثة، بل تحوّل ضحاياها إلى فصاميين، وعظاميين، وهُذاة، لا يرون من حيث يتلفتون إلا "اليهود والنصارى وعملاءهم العَلمانيين" المتآمرين على الأمة، التي يحاصرونها من الداخل والخارج.

ومخاطر التعليم الظلامي، لا تتأتى من النصوص بحد ذاتها، لكنها تتأتى من ترجمة هذه النصوص إلى أفعال إرهابية ضد الآخرين، أو خطف هذه النصوص، واستعمالها كغطاء للقيام بأعمال إرهابية، كما تمَّ في الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقبله وبعده.

وليس العرب وحدهم، من يعانون هذه المشكلة، وهذا المطب، فكتب التعليم في إسرائيل، مليئة بالنصوص التي تعادي الآخر (العرب).

-4-

ففي دراسة أجريت على 380 كتاباً في المناهج التعليمية الإسرائيلية، أُلحقت العرب بالمهن التالية:

لصوص: 42 كتاباً.

مخرّبون: 36 كتاباً.

قناصون وقتلة: 27 كتاباً.

مختطفو طائرات: 31 كتاباً.

مغتصبو أملاك: 41 كتاباً.

يحرقون الحقول والأشجار: 17 كتاباً.

أعمال قاسية دون تحديد: 181 كتاباً.

كما أثبت البروفيسور كوهين، في بحثه المنشور بالعبرية تحت عنوان: "أي وجه قبيح في المرآة"، أنه في تحليله لمضامين ألف كتاب عبري، تظهر صورة العربي في شكل قاتل، أو مختطف للأطفال. وأن هذه الصورة مستقرة لدى 75٪ من أطفال المدارس الابتدائية الإسرائيلية.

وممّا ورد في بعض الكتب المدرسية في إسرائيل:

"كل ما مرّ بالقدس ليس سوى غزوات عابرة، حتى سعدت بعودتنا لتصبح عاصمة إسرائيل مرة أخرى. كما جاء في كتاب "هذا موطني" تأليف، ش. شكيد.  وفي مقرر الصف السابع، هجوم سيئ وغبي على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ووصفه الكتاب بالغارق في الأحلام، وأنه يأمر أتباعه بنشر الدين بقوة السلاح، وأنه يستعمل المكائد والمؤامرات في حربه مع اليهود.  وفي كتاب "علم التربية المدنية"، المقرّر على طلبة المدارس الثانوية، قول واضح من أن العرب يعدون لحرب إبادة ضد إسرائيل، بحيث سيقذفون بالسكان اليهود في البحر، وأنهم إذا لم ينفّذوا في هذا الوقت تهديداتهم، فلعدم القدرة، لا لعدم الإرادة.

-5-

وهكذا، يتضح لنا، أنّ فلسفة التعليم الصهيوني، قد بنيتْ أصلاً على تلقين التراث اليهودي، وإفهام الطلاب بأن الحضارة البشرية هي نتاج مشترك بجهود الشعب اليهودي.

وقد عبرّ الكاتب اليهودي موشيه مينوحين الذي تخرّج من المدرسة الثانوية اليهودية الأولى "الجمنازيوم"، عن الروح التي تبثها المدارس اليهودية قائلاً:

"منذ أولى سنوات دراستنا في الجمنازيوم. كنا نتلقى يومياً خطباً لا تنتهي عن واجباتنا المقدسة نحو أمتنا، وبلادنا، وأرض آبائنا.

وكان يقرع قلوبنا الفتية أن أرض آبائنا يجب أن تخلص لنا نظيفة من "الكفّار" العرب، وأنه يجب أن تسخر حياتنا لخدمة أرض آبائنا، وللقتال من أجلها".

-6-

يلخص المفكر والمربي الباكستاني فضل الرحمن، في كتابه "الإسلام والحداثة"، تجارب التعليم الظلامي على امتداد القرنين الماضيين، ويبين مخاطر هذا التعليم على العقل، ويخلص إلى أن تلك التجارب آلت جميعها إلى الإخفاق.

فهي وإن اختلفت تاريخياً، من حيث تواريخ انطلاقها، وطبيعة إيقاعها، ونوعية الإصلاحات التي حملتها، فإنها عجزت عن تحقيق هدفين، يشكلان شرط النهضة الفكرية والدينية المأمولة.

 أولهما، أن التعليم في العصر الحديث، لم يحقق تجاوز الوهن الذي طبعه في العصور الوسطى من جراء إقصاء وتهميش النزعة العقلية، بحيث التجأت الفلسفة والعلوم العقلية المرتبطة بها، لتقبع في فئات ثقافية مغمورة، لا تؤثر في الكيان الثقافي والمجتمعي.

ثانيهما، أن التعليم في العصر الحديث، عجز أيضاً، عن رفع تحدي الحداثة والتجاوب مع مقتضيات العصر، من جراء رفضه تحقيق إدماج ديناميكي للمعارف والعلوم الاجتماعية والإنسانية الحديثة، واكتفائه بإعادة إنتاج المنظومة المعرفية التقليدية.

-7-

المعضلة إذن، تكمن، في أنه حتى عندما حُسمت مسألة الإقبال على ثمار المعرفة والتكنولوجيا الحديثة، ظل الاختيار السائد في الأغلب، هو الإبقاء على الفصل بين التربية التقليدية (التعليم العتيق) والتربية الحديثة.

وهذا الانفصال، كانت له عواقب وخيمة، تجلّت آثارها في تناقض طرق تكوين النخب، في المشاريع المجتمعية المتضاربة، وفي الشرخ الذي شهده الحقل الفكري بصفة عامة.

* كاتب أردني

back to top