لا تتوقعوا من إيران أن تقاتل من أجل الأسد

نشر في 02-09-2013
آخر تحديث 02-09-2013 | 00:01
تقتضي مصلحة إيران أيضاً تفادي الحرب من خلال العملية الدبلوماسية، ولكن إن أخفقت كل المساعي واندلعت الحرب، فستبدّي إيران حاجاتها على مساعدة الأسد عند اتخاذها القرارات بشأن مشاركتها في صراع مماثل، وماذا يعني ذلك؟ لا تتوقعوا أن تقوم إيران بالكثير وذلك لأسباب وجيهة.
 المونيتور  يعتبر القائد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي آراك أكثر أهمية من الأسد،

ولا شك أن آراك، موقع مفاعل الماء الثقيل، فضلًا عن المنشآت النووية الأخرى في ناتانز وفوردو ستصبح أكثر عرضة لضربة مستقبلية، في حال خاضت الولايات المتحدة حرباً ضد الولايات المتحدة لتحمي الرئيس السوري بشار الأسد، ومع تفكيك روسيا صواريخ إس-300 المضادة للطائرات، التي كانت إيران قد اشترتها وسددت دفعة أولى من ثمنها عام 2007، تحتاج طهران إلى الحفاظ على ما تبقى من أنظمتها المضادة للطائرات داخل البلد، فلا تستطيع تحمّل كلفة إرسالها إلى سورية بغية مساعدة جيش الأسد، وينطبق الأمر عينه على صواريخ إيران وطائراتها الحربية، وخصوصاً هذه الأخيرة، لأن العقوبات حدّت من عددها ونوعيتها على مر السنين؛ لذلك لا تستطيع إيران المخاطرة بفقدانها بإرسالها إلى الخارج لمساعدة الأسد في حربه ضد الولايات المتحدة، وخصوصاً أنها تدرك جيداً أن استبدالها بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً.

ثمة أسباب مهمة تؤكد أنه من المستبعد أن تشارك إيران مباشرة في أي عمل عسكري، في حال وجهت الولايات المتحدة ضربة عسكرية إلى سورية، مع أن إيران أعلنت أنها ستعتبر هجوماً مماثلاً انتهاكاً "لخطها الأحمر".

أضف إلى ذلك الأسباب التاريخية التي تدعم نظرية أن إيران لن تتدخل، فرغم الاعتداءات العدة التي تذكر التقارير أن القوات الجوية الإسرائيلية شنتها ضد جيش الأسد ومنشأته النووية، لم تشارك إيران في حرب ضد إيران، دفاعاً عن الأسد. تدرك القيادة العسكرية الإيرانية جيداً أن هذه الحرب ستعرّض منشآتها النووية وعتادها العسكري لهجمات سلاح الجو الإسرائيلي، وإذا لم تشأ إيران مواجهة إسرائيل بسبب الأسد، فمن المستبعد أن ترغب في مواجهة الولايات المتحدة، التي تملك ترسانة عسكرية أكبر وأقوى بكثير.

من المستبعد أيضاً أن يدفع صراع سوري-أميركي إيران إلى قطع مفاوضاتها النووية نهائيّاً مع مجموعة 5+1، وترتبط أسباب ذلك أيضاً بالأولويات الإيرانية الملحّة، التي ستبدّيها إيران على الأرجح على أولويات بشار الأسد.

تواجه الحكومة الإيرانية بعض أقسى العقوبات في تاريخها، فيخسر اقتصادها 133 مليون دولار يوميّاً نتيجة العقوبات، في حين أن عملتها فقدت نحو 100% من قيمتها في تداول العملات الرسمي، وإذا علّقت إيران المحادثات، فسيمنح ذلك مَن يسعون في الغرب إلى تشديد العقوبات مبرراً أكبر لتحقيق غايتهم، وسيصبح منعهم عملية شبه مستحيلة، لكن فرض المزيد من العقوبات، خصوصاً تشديد منع إيران من استعمال أموالها في الخارج، سيدفع الاقتصاد الإيراني بقوة أكبر نحو حافة الهاوية. يستطيع آية الله خامنئي العيش من دون الأسد في السلطة، مهما بلغت صعوبة ذلك، إلا أنه عاجز عن الاستمرار من دون اقتصاد فاعل، فقد يؤدي انهيار الاقتصاد إلى سقوط نظامه، الذي يُعتبر بالتأكيد أكثر أهمية من كل ما يستطيع الأسد تقديمه.

لعل الخطوة الأكثر جرأة التي ستقدم عليها إيران مدّ الأسد بالسلاح الخفيف على الأرجح والمتوسط، بما أن طهران تحتاج إلى سلاحها الثقيل في الداخل، فضلاً عن ذلك، ستعمد إلى تصعيد خطابها المناهض للولايات المتحدة في الداخل والخارج.

أما في علاقات إيران مع سورية، فتعود الكلمة الفصل والقرار الأخير إلى حرس الثورة الإسلامية والقائد الأعلى، ويملك الرئيس ووزير خارجيته تأثيراً محدوداً. واللافت للنظر أن الرئيس وحلفاءه يريدون، على ما يبدو، إبعاد إيران عن الأسد، في حين أن القائد الأعلى وحرس الثورة يتمسكان بالوضع القائم راهناً.

سيواجه خامنئي على الأرجح معضلة، فبعد الهجوم الأميركي، سترتفع كثيراً كلفة دعم الأسد من الناحيتين المالية والدبلوماسية، وبما أن الضربات الجوية ستُضعف قواته، فسيحتاج نظام الأسد إلى كميات من المال والسلاح أكبر من السابق، ما سيعرّض موارد إيران المتضائلة لضغط متنامٍ.

كتب أندرو باراسيليتي أخيراً في مجلة "تايم" أن الأزمة الراهنة تتيح أمامنا فرصة التوصل إلى حلّ دبلوماسي للأزمة السورية، ولا شك أن هذا الحلّ سيشمل التفاوض مع روسيا وإيران.

من الطبيعي أن تكون إيران شريكاً في حوار مماثل، لكن المبادرات الغربية وحدها لن تكون كافية، فعلى القيادة الإيرانية، وخصوصاً القائد الأعلى وحرس الثورة، أن يعربوا عن استعدادهم للمشاركة، صحيح أننا سمعنا المعتدلين الإيرانيين يرحبون بمحادثات مماثلة، إلا أننا لم نلمس أي تعاون حقيقي من صانعي القرارات الفعليين، أي القائد الأعلى وحرس الثورة.

قد تشكّل هذه فرصة ملائمة كي تمارس إيران نفوذها في التعامل مع الأسد لأنه أكثر قوة اليوم، فبعد أن توجه إليه الولايات المتحدة ضربة، سيصبح أضعف، ما يعني أن إيران ستخسر جزءاً من نفوذها، الذي كان بإمكانها أن تستغله في مجالات أخرى، مثل المحادثات النووية، ويعني ذلك أيضاً أن حرس الثورة قد يتراجع بعض الشيء أمام المعتدلين الذين يطالبون إيران بالابتعاد عن الأسد.

تقتضي مصلحة إيران أيضاً تفادي الحرب من خلال العملية الدبلوماسية، ولكن إن أخفقت كل المساعي واندلعت الحرب، فستبدّي إيران حاجاتها على مساعدة الأسد عند اتخاذها القرارات بشأن مشاركتها في صراع مماثل، وماذا يعني ذلك؟ لا تتوقعوا أن تقوم إيران بالكثير وذلك لأسباب وجيهة.

* مير جافدانفار | Meir Javedanfar

back to top