مبادرة ملك البحرين... اختبار للعرب في مجال حقوق الإنسان

نشر في 04-04-2013
آخر تحديث 04-04-2013 | 00:01
 أ. د. محمد جابر الأنصاري القمم العربية محصولها ضئيل اعتماداً على مواقف الدول الأعضاء، ويمكن لقمة الدوحة أن تكون استثناءً لذلك، إذا حولت المادة التي لديها إلى إنجاز ملموس.

نقول "المادة التي لديها" والتي وافق عليها الزعماء العرب المشاركون كافة في القمة "وأبرزها على الإطلاق مبادرة ملك البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة بإنشاء محكمة عربية دولية جنائية مفتوحة أمام الجميع من أطراف إقليمية ودولية من القطاعين الرسمي والأهلي باسم: "محكمة حقوق الإنسان"، يحكم فيها قضاة دوليون لهم مكانتهم المرموقة في المجال الحقوقي وتتعهد الأطراف الداخلة المختلفة في عملية التقاضي بالالتزام بأحكامها. وقد حلّ ملك البحرين مسألة أين تقوم المحكمة؟ فالبحرين ترحب بهذه المؤسسة الحقوقية الدولية. وهذا معناه أن العاملين المختلفين في المحكمة من قضاة ومستشارين وحقوقيين وإداريين وغيرهم تتحمل تكاليفهم مملكة البحرين.

وقد رحب بفكرة المحكمة أمين عام جامعة الدول العربية وجهات عربية عدة ناقشت تلك الفكرة.

كما أن المستشار بسيوني رئيس لجنة التحقيق الدولية التي صدرت قبل مباشرة أعمالها إرادة ملكية بإنشائها وقبول البحرين بما تسفر عنه أعمالها في التحقيق بشأن المعارضين الذين قيل إنهم تعرضوا لتصرفات غير قانونية، وذلك في أول مبادرة من بلد يعلن فيه مسؤوله الأول بتحمل نتائج تلك التصرفات، وقبوله بها.

نقول: إن المستشار بسيوني قد وصف فكرة المحكمة بأنها "المبادرة الأولى في التاريخ الجنائي الدولي".

وهكذا، فإن فكرة المحكمة قد نالت الترحيب من جهات الاختصاص الحقوقي في المنطقة والعالم.

والمطلوب من قمة الدوحة رسم الإطار النظري للموضوع، بناءً على المقترح البحريني الذي يلخص جوهر الموضوع ويحدد أطره، والذي وضعه مسؤولون وحقوقيون بإشراف صاحب الفكرة الذي أخرجها إلى النور.

وإذا عدنا إلى السيرة الشخصية للملك وجدنا أنه أمضى في الشأن الحقوقي والشأن القانوني زمناً طويلاً، فقد كان "محامي البحرين" في تلك الشؤون. حمل حمد بن عيسى الملف البحريني- القطري بشأن جزر حوار لأكثر من عقد من الزمن، وأثناء إدارته لذلك الملف كان يفكر، كولي للعهد، في الإصلاح الذي يريده لشعب البحرين، ولعل كتابه الذي ألفه عام 1986م بعنوان "الضوء الأول" يمثل أول كتاب يصدره مسؤول كبير في المنطقة، ويعتبره المراقبون تأكيداً وتذكيراً بتفوق البحرين في الثقافة والفكر وصوتاً واضح القسمات لما يريده حمد بن عيسى لبلده ومنطقته.

وقد وجد في دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية إلى توحيدها بما يتجاوز مفهوم التعاون، دعوة جديرة بالدعم والمؤازرة، فأصبح العمود الأيمن لخادم الحرمين الشريفين على صعيد مجلس التعاون.

وكان يعمل في السنوات العشر الماضية بعدما تولى المسؤولية الأولى في بلاده على نقل مشروعه الإصلاحي إلى حيز التنفيذ، محققاً لشعبه كثيراً من الأهداف التي عمل من أجلها أهل البحرين. ولكن المعادين للتطور المتدرج الهادئ عملوا بليل على تأليب قسم من المغامرين الطامحين للسلطة على أفكار تلك المنجزات والمطالبة بما هو مستحيل. وبعد أن كان العالم يسمع الثناء على الإصلاح في البحرين ، صار لا يسمع إلا العكس.

في مثل هذه الحالات، تعمد السلطات إلى استخدام القوة لكبح المؤامرة، ولكن الملك حمد وتمسكاً منه بحقوق الإنسان، ورغم أجواء العداء، أصر على أن يتمتع المعارضون بكافة تلك الحقوق التي استغلوها لمصلحة حركتهم المشبوهة.

وعندما تجاوزت تلك الحركة الحدود، قررت بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وهي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، الاستجابة لطلب الحكومة البحرينية بحماية منشآت البلاد الحيوية، ريثما تطهر قوات الأمن البحرينية البلاد من آثار تلك الحركة (ومع الحفاظ على أرواح الجميع) رغم المزاعم بأن تلك التصرفات مخلّة بروح الدستور.

ومنذ ذلك الوقت دخلت البحرين مرحلة جديدة: فقد بدأ يتضح للعالم كذب تلك المزاعم والافتراءات.

كما أن الملك سعى من ناحية أخرى إلى إحياء التوافق الوطني بجهود حثيثة رغم شغب الشارع الذي أسهم في تغيير النظر إلى تلك الحركة ونزع عنها صفة "السلمية".

إن "حقوق الإنسان" مازالت همّ الملك في الداخل والخارج، وهو يسعى إلى الاهتمام بهذا المفهوم النبيل في العالم العربي خصوصاً، والبحرين ستصبح المقر الدائم لمحكمة حقوق الإنسان.

والاختبار... هل سيلتزم العرب بما يصدر من محكمة حقوق الإنسان من أحكام؟ تلك هي المسألة! إن الالتزام بذلك له مدلول خاص كما أن عدم الالتزام يشي بمدلول آخر، والعالم كله يرقب ذلك الالتزام من عدمه!

* أكاديمي ومفكر من البحرين

back to top