أحمد رشيد: على الغرب أن يبدّل مقاربته إلى الدول الفاشلة

نشر في 05-01-2013 | 00:01
آخر تحديث 05-01-2013 | 00:01
No Image Caption
أحد أهم الخبراء في الشأن الأفغاني
في الماضي، رحّب أحمد رشيد، أحد أهم الخبراء في الشأن الأفغاني، بالتدخل الأميركي في هذه الدولة الفاشلة. ولكن في مقابلة مع «شبيغل»، يؤكد هذا الصحافي الباكستاني أن نموذج الغرب للتنمية يعاني عيوبًا أساسية ولا بد من تبديله.
سينسحب الغرب من أفغانستان عام 2014. إلى أي حدّ أخفق الغرب في رأيك؟

أعتقد أن الفشل سيكون النتيجة الحتمية للنموذج الذي يعتمده الغرب بهدف التأثير في التنمية في دول العالم الثالث. لا يعرف العالم السبيل إلى التعاطي مع دول ما عادت تضم أي سلطة وبات التفكك يهددها. نتيجة لذلك، أخفقت جهودهم في العراق كما في أفغانستان. يعجز الغرب عن الترويج لاقتصاد حقيقي. فلا الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) ولا الوكالة الألمانية للتعاون التقني الدولي (GIZ) قادرة على تحقيق هذا الهدف. فجل ما تستطيعان تقديمه يقتصر على المساعدة الموقتة. فقد ضُخَّت مليارات الدولارات في أفغانستان، إلا أنها لم تترك تأثيرًا يُذكر.

قلما تفتقر هذه البلدان إلى المساعدات المالية. إذًا، لمَ يخفق النموذج الغربي في بناء دولة مثل أفغانستان.

قد يكون من الأفضل أن يشارك القطاع الخاص على نحو أوسع. تحتاج الدول المتداعية، مثل أفغانستان، إلى رجال أعمال يملكون علاقات وطيدة في بلدهم، ويكونون مستعدين للاستثمار فيه. هكذا يعمّقون الاستقرار. لكن برامج التنمية كافة التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية تستثني القطاع الخاص، الذي يستطيع الاستثمار بالاستناد إلى الربحية.

لكن قد يكون من الصعب إقناع الشركات في الاستثمار في بلدان مثل أفغانستان والصومال.

نعم، أدرك جيدًا التحديات. ولكن لي ملء الثقة بأن ثمة صناديق تحوّط، مصارف، وشركات استثمار تستطيع تخصيص 5% من محفظتها لاستثمارات خطرة. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن تشكيل طبقة مقاولين في بلدان مثل أفغانستان أمر بالغ الأهمية.

تحاول الولايات المتحدة أن تنشر بيئة مسالمة قبل انسحاب جنودها، وتسعى إلى التحاور مع حركة طالبان، مع أن نجاحها ظلّ محدودًا حتى في هذا المجال.

من الواضح أن الولايات المتحدة تخفق أيضًا في أداء دور الوسيط. يمكننا استخلاص هذا الدرس من فشل محادثاتها مع طالبان في قطر. في هذا المجال أيضًا قد يكون من الأفضل الاستعانة بالقطاع الخاص، خصوصًا الشركات المحترمة التي تتمتع بثقة الطرفَين. وعلى الدول أن تقصر عملها على تسهيل الوساطة. على سبيل المثال، يحظى الصليب الأحمر الدولي بأفضل العلاقات مع حركة طالبان. أما اللجنة السويدية لأفغانستان، فقد نجحت خلال السنوات الخمس عشرة الماضية في إدارة ثلاثمئة مدرسة في منطقة أفغانية خاضعة لسيطرة طالبان. نتيجة لذلك، اضطر السويديون إلى التعامل مع أعضاء هذه الحركة يوميًّا كي لا تغلق المدارس المخصصة للفتيان والفتيات أبوابها. ومن الممكن تحويل هذه المبادرة المحلية المميزة إلى مبادرة وطنية للحوار والوساطة.

إذًا، أنت تقترح تبدلاً نموذجيًّا.

نعم، قد يكون من الأفضل أن يبدّل الغرب مقاربته إلى الدول الفاشلة. ما من دولة كبرى تستطيع في الوقت الراهن تحديد السبل والأساليب الصحيحة، فضلاً عن أن عدد الدول الفاشلة يزداد باطراد، كما لو أننا في سباق. فقد شهد العام الماضي انهيارًا ماليًا، ما يُعتبر جزءًا من تداعيات الحرب الأهلية الليبية. ويبدو أن جنوب ليبيا ومالي والنيجر أيضًا تتجه لتصبح مناطق محرّمة. عقب اعتداءات 11 سبتمبر، قطع جورج بوش الابن وتوني بلير وعدًا بأنهما لن يقبلا بأي دول فاشلة لأنها قد تتحول إلى مرتع للإرهابيين. لكن ماذا عن اليوم؟ يزداد عدد هذه الدول، من اليمن العام الماضي إلى الصحراء الجنوبية هذه السنة.

ماذا تقترح؟ لا شك في أن خيار التدخل العسكري ما عاد مطروحًا على الطاولة منذ مدة.

كان من الأفضل لو أن الأمم المتحدة أرسلت فريقًا في الحال إلى مالي ليكون الوسيط بين الحكومة والثوار. لكن أين هي المبادرة السياسية؟ يقدّم الأميركيون توصياتهم المعهودة. يريدون تدريب الجيش ليخوض حربًا ضد الثوار. وقد وصلت القوات الخاصة الأميركية إلى مالي.

من الصعب الوفاء بالوعد الذي قطعه بوش وبلير بعد تجربتَي العراق وأفغانستان. وقد تقتنع الولايات المتحدة في المستقبل القريب بضرورة تنفيذ تدخلات عسكرية.

لا تعرف الولايات المتحدة سوى نوع واحد من التدخّل، ألا وهو التدخل العسكري. يعتمد كل شيء في نظرها على الأسلحة المستلَّة. ولكن من الضروري أن نطوّر نطاق خطوات أوسع. وعلينا تعلّم الصبر.

ألم ترحب بالتدخل العسكري في أفغانستان عام 2001؟

افترضت آنذاك أن الأفغان غير قادرين على التعاطي مع طالبان. فقد أنهكتهم الحرب الأهلية وعانوا الهزائم. كذلك كان الاقتصاد منهارًا والاضطرابات في البلاد مخيفة. واجهت أفغانستان المجاعة. فضلاً عن ذلك، شنّت الهند وباكستان وإيران حربًا بالوكالة في هذه الدولة. كان تنظيم القاعدة يدعم حركة طالبان ماديًّا، ما منحها أساسًا متينًا. لذلك ما كان من بديل للتدخل العسكري الأميركي. ولهذه الأسباب رحبت به.

لطالما اشتكيت من أن الولايات المتحدة أهملت أفغانستان بسبب حرب العراق. ما هي الخطوة التالية التي وجب القيام بها بعد الاحتلال؟

التنمية الاقتصادية بكل بساطة. فقد انتهت الحرب الأهلية، وهُزمت حركة طالبان. وكان وجود الجنود ضروريًّا للحفاظ على الأمن. لذلك نشرت الولايات المتحدة آنذاك 20 ألف جندي في أفغانستان، إلا أن هذه الخطوة لم تكن كافية. لذلك ترك الأميركيون مهمة حفظ الأمن لأسياد الحرب الأفغان. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تتشاور معهم، ما دمّر معنويات الأفغان، خصوصًا أنهم يكرهون أسياد الحرب.

لكن بضعة مليارات من الدولارات خُصصت للنهوض بهذا البلد. ماذا حلّ بهذا المال؟

تلقيت أنا ومجموعة من الخبراء عام 2001 دعوة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، التي تأسست خلال الحرب الباردة لنقدّم لها اقتراحات في شأن أساليب تحقيق التنمية عقب اعتداءات 11 سبتمبر. فأخبرنا القيمون على هذه الوكالة أن على الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة أن تخصص خمسة مليارات دولار لأفغانستان سنويًّا. يُعتبر هذا المبلغ كافيًا لإنعاش الاقتصاد، الاستثمار في البنية التحتية، وإعادة بناء قطاعَي التعليم والصحة. فلا يمكن لبلد من العالم الثالث، مثل أفغانستان، أن يمتصّ أكثر من خمسة مليارات دولار سنويًّا. كان من السهل تخصيص هذا المبلغ لأفغانستان، التي حظيت بمبالغ إضافية صُرفت في المجالات الخاطئة، مثل تقديم الرشاوى لأسياد الحرب. لم تُخصَّص استثمارات كافية للبنى التحتية إلا في مرحلة متأخرة، وينطبق الأمر عينه على الاقتصاد المستدام والزراعة. اقترحنا تخصيص استثمارات كبيرة للزراعة، بما أن أفغانستان دولة مزارعين. لكن حتى عام 2010، لم يكن هذا القطاع قد حظي بمساعدات تُذكر. وكان ريتشارد هولبروك، الذي عينه أوباما مبعوثًا خاصًا إلى المنطقة، أول مَن لاحظ الحاجة إلى الاستثمار في الزراعة.

بدّل أوباما تفاصيل كثيرة في سياسته في أفغانستان. فقد زاد عدد الجنود، محدِّدًا في الوقت عينه تاريخ انسحاب القوات الأميركية في عام 2014. ولا شك في أن هذا كان خطأ الولايات المتحدة الجديد.

كان هذا الخطأ الأكبر الذي اقترفه أوباما. فبات على الولايات المتحدة اليوم أن تضمن عدم انهيار أفغانستان وسقوطها مباشرة بعد انسحاب الجنود الأميركيين عام 2014.

شهدت خلال حياتك تدخل قوتين عظميين. ماذا خلّف الاتحاد السوفياتي وراءه؟

تمسك السوفيات بمبادئ الاستعمار التقليدية، فاغتصبوا البلاد وقتلوا الكثير من أهلها. لكنهم عملوا أيضًا على بناء السدود، محطات الطاقة، الشوارع، والمدارس المهنية. كانوا شيوعيين، وقد رسموا لأفغانستان الرؤية عينها التي حدّدها ستالين ولينين للاتحاد السوفياتي: الشيوعية هي التقدّم وبناء محطات الطاقة. ولكن ماذا عن اليوم؟ تحصل كابول على الطاقة الكهربائية من أوزبكستان، هرات من إيران، وجلال أباد من باكستان.

وما هو إرث الغرب في أفغانستان؟

لا تتبع الولايات المتحدة مبادئ الاستعمار التقليدية. فقد دخلت أفغانستان، حررتها من حركة طالبان وتنظيم القاعدة، توصلت إلى اتفاق مع حميد كرزاي، أرادت أن تنظم انتخابات في أسرع وقت ممكن، وتنسحب بعيد ذلك. كانت إدارة بوش مهووسة ببناء الديمقراطية. فقد ظنت أن المسائل كافة ستسير في المسلك الصحيح، ما إن تنشأ الديمقراطية. وإن تحدثتَ اليوم إلى مهندسي مؤتمر أفغانستان، الذي عُقد في بون عام 2001، يؤكدون لك أن كان عليهم بناء دولة لها جيش وقوى أمنية أولاً، بدل أن يصبّوا كل اهتمامهم على الانتخابات.

حتى بعد الانسحاب، سيبقى بعض الجنود الأميركيين في أفغانستان. كم يجب أن يبلغ عددهم؟

يُقدّر الأميركيون أن 15 ألفًا إلى 20 ألفًا سيحاربون الإرهابيين من قواعد مختلفة. يدفعني ذلك إلى التفكير في العراق، حيث أرادت الولايات المتحدة ترك نحو 20 ألف جندي. إلا أن العراقيين حضوهم على سحب كل جنودهم.

أتظن أننا سنشهد الأمر عينه في أفغانستان؟

إن واصل الجنود الأفغان قتل الجنود الأميركيين، كما يحدث اليوم، فلا يمكننا توقع أن الجنود الأميركيين سيبقون في هذا البلد على الأمد الطويل. وأي دور سيؤدونه في النهاية؟ فعدد الجنود لن يكون كافيًا ليضمن أمن البلاد. ولكن هل يُسمح للولايات المتحدة بقتل الإرهابين في أفغانستان وباكستان بواسطة طائرات بلا طيار؟ قد يزيد هذا الوضع العلاقات بين الدول المجاورة سوءًا، لأن هذه الأخيرة ستعتبر أفغانستان مصدر خطر.

هل تؤدي حركة طالبان مرة أخرى بعد عام 2014 دورًا في أفغانستان، سواء رضي الغرب عن ذلك أو لا؟ أما زال الملا عمر الإسلامي المتشدد عينه الذي عرفناه قبل 11 سنة؟

أعتقد أن الحرب قد أنهكت حركة طالبان، شأنها في ذلك شأن الأطراف الأخرى المعنية كافة. لربما باتوا يدركون أنهم عاجزون عن الفوز في حرب أهلية جديدة، خصوصًا أن إيران والهند تدعمان حلفاءهما وتحميانهم من طالبان. نتيجة لذلك، تعجز هذه الحركة عن إنزال الهزيمة بالشمال. وإن سعت إلى غزو البلد بأكمله، فسيتخلى العالم عن أفغانستان، حتى الأمم المتحدة، ما يعني انقطاع تدفق الأموال إلى أفغانستان، فضلاً عن المليارات الأربعة التي وعد الغرب في طوكيو بتخصيصها لبناء الاقتصاد الأفغاني. لذلك قد يكون من الحكمة أن تتوصل حركة طالبان إلى اتفاق مع الحكومة في كابول لأنها تتحكم في المال القادم من الغرب.

لكن حركة طالبان اليوم تختلف كل الاختلاف عما كانت عليه أمس.

أعتقد أنها باتت مستعدة للتوصل إلى تسويات.

تعرف حميد كرزاي منذ عقود. ما رأيك فيه اليوم؟

كرزاي رجل مناضل، إلا أنه عمّق الشرخ الإثني في البلد. كذلك لم يحارب الفساد ولا الجريمة، ولم يسعَ إلى إصلاح النظام القضائي. كذلك أحاط نفسه بأقاربه وأصدقائه، على غرار ما فعله أبيه. فخلال حياة والده، كان الحكم ملكيًّا، وقد تفاوض الملك مع القادة القبليين في شتى المسائل. كان هذا الشكل من الحكم طبيعيًّا قبل 50 سنة. أما اليوم، فقد اختلف الوضع.

سيُنتخب الرئيس الجديد في أفغانستان عام 2014. لا يستطيع كرزاي الترشح لولاية ثالثة. فمَن سيخلفه؟

لا شك في أنه سيختار مسؤولاً من حكومته، مسؤولاً يثق به. وفي مطلق الأحوال سيكون من البشتون. ولكن إن استمر القتال في البلد خلال عام 2014، فستصطدم الانتخابات بصعوبات جمة. في عام 2008، اضطر كرزاي إلى التلاعب بنتائج الانتخابات لأن الكثير من البشتون في المناطق، التي لم تتوقف فيها رحى الحرب، لم يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم. وإن تكررت هذه المعضلة عام 2014، فقد يفوز بمرشح من الشمال بغالبية الأصوات. لكن أفغانستان ليست مستعدة بعد لتقبّل رئيس لا ينتمي إلى البشتون. نتيجة لذلك من المهم التوصل إلى هدنة في عام 2014.

تملك القوتان العالميتان الناشئتان الهند والصين حدودًا مشتركة مع أفغانستان وباكستان. ما الفرص التي يتيحها هذا الواقع للدول الأصغر؟

اعتاد جيران أفغانستان طوال عقود التأثير في مجريات الأحداث في هذا البلد. ولكن من الصعب لجم باكستان بطابعها الأصولي، مجموعاتها الإرهابية المتعددة، واقتصادها المنهار. وتبقى العلاقة مع الهند المفتاح الأساس لأي تغيير في هذه المأساة الدائمة والمتفاقمة. فلن تثق الهند بباكستان ما دامت أجهزتها الاستخباراتية وجيشها يسمحان لعشرات آلاف المجاهدين بالقتال في كشمير، وما دامت مضطرة إلى توقع مؤامرات قتل وتفجير، على غرار ما شهدته مومباي عام 2008.

لن يكون التدخل التالي عسكريًّا على الأرجح، إنما اقتصاديًّا، وستقوده الصين والهند. لمَ لن يخدم ذلك مصالح باكستان؟

أفسدت المساعدات الأجنبية الدائمة النخبة الباكستانية. لذلك صعب عليها تبديل مسارها. تحتاج باكستان إلى مَن يتجرأ على الوقوف والقول: الأصولية سيئة، أما الرأسمالية فجيدة. تملك هذه المنطقة إمكانات كبيرة. فقد تتحوّل باكستان إلى محوّر الطاقة التي تُنقَل من وسط آسيا إلى جنوبها. وقد يبدّل ذلك المنطقة بأسرها. كذلك تستطيع الهند الاستثمار في باكستان وبناء المصانع وأنابيب النفط. وقد تقدّم باكستان المهندسين، السائقين، والعمال، فضلاً عن عقد التحالفات مع الدول المجاورة. تدخلت قوتان عالميتان مرتَين في أفغانستان. وقد حاولت باكستان ممارسة شتى الألاعيب في التعاطي معهما. لكن التدخل الثالث سيكون اقتصاديًّا، ومن الضروري أن نشارك فيه.

back to top