الصقر: نحن أمة مقهورة خذلها التعصب

نشر في 12-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 12-02-2013 | 00:01
برعاية سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، وحضور سمو الشيخ جابر المبارك رئيس مجلس الوزراء ممثلاً لسمو أمير البلاد، افتتحت صباح أمس أعمال المؤتمر الدولي الأول لمجلس العلاقات العربية والدولية تحت عنوان "الوطن العربي والعالم - رؤية مستقبلية".

بدأ الحفل بكلمة لرئيس مجلس العلاقات العربية والدولية محمد جاسم الصقر ثم تلتها كلمة لسمو الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية دولة قطر الشقيقة.

وقال الصقر في كلمته إن المجلس ينطلق في أداء رسالته من منظور منفتح على استيعاب واحترام كل المكونات القومية والثقافية والدينية، مشيراً إلى أن هدف المجلس هو الارتقاء ببناء هذه العلاقات من مستوى القرار اليومي إلى صعيد السياسات التي تستوعب هذه الأحداث.

وأوضح الصقر أن العلاقات العربية البينية والدولية أشبه بالبحر الواسع الزاخر بالتيارات العنيفة، مبيناً أن سرعة التغيرات في القرية الكونية تجعل الرؤية المستقبلية أقرب إلى إشراقات عالم الغيبيات منها إلى أبحاث علم المستقبليات.

وأضاف: «نحن أمة خذلها التعصب، حين حال دون لحاقها بقطار الحداثة، فخرجت من عصرها، ونحن أمة ظلمت نفسها، حين أصرت على دخول المستقبل بالرجوع إلى الماضي»، وفي ما يلي نص الكلمة:

"ممثل حضرة صاحب السمو أمير البلاد، راعي المؤتمر،

سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح،

سمو الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية لدولة قطر،

أصحاب السمو والسعادة،

ضيوفنا الأعزاء،

حفلنا الكريم،

على الرغم من التألق الروحي والعقلي والعمراني للحضارة العربية الإسلامية، فإن إسهامها الحضاري في الفكر السياسي، يكاد يكون مقتصراً على قضايا الحكم والخلافة. لا غرابة ـ إذن ـ في أن تفتقد مؤسسات المجتمع المدني العربي قيام مؤسسات تُعنى بالعلاقات الخارجية، مع أن مجتمعات متقدمة ونامية كثيرة قد نجحت في إنشاء تنظيمات عريقة مختصة بهذا الشأن، نظراً لأهمية العلاقات الدولية في القضايا الثقافية والاجتماعية، وعمق تأثيرها في المصالح السياسية والاقتصادية.

المجتمع المدني

استدراكاً لهذا الغياب، تداعت مجموعة من الشخصيات المهتمة بالشأن العربي العام إلى تأسيس مجلس العلاقات العربية والدولية كهيئة مستقلة، منبثقة من المجتمع المدني العربي بكافة أقطاره، تساهم في بناء القرار العربي في شأن العلاقات القومية والدولية وتدعمه بالمعلومة الصحيحة، والتحليل العلمي، والتحرك السليم، وترفده بجسور التواصل والحوار بينياً وعالمياً.

وينطلق المجلس في أداء رسالته من منظور منفتح على استيعاب واحترام كافة المكونات القومية والثقافية والدينية، ولكن في اطار التزام قومي واضح، ليس اتكاء على العاطفة والتاريخ رغم أهميتهما، بل باعتبار هذا المنظور هو المقاربة المعززة للسلم الأهلي والنسيج الوطني لكل الدول العربية مجتمعة ومنفردة من جهة، والضامنة لأمن الامة ووحدة موقفها من جهة ثانية.

وباختصار لا ينقصه الطموح، يمكنني القول إن هدف مجلس العلاقات العربية والدولية هو الارتقاء ببناء هذه العلاقات من مستوى القرار اليومي تحت ضغط الأحداث، إلى صعيد السياسات التي تستوعب هذه الأحداث. أو ـ بتعبير أكثر وضوحاً وطموحاً ـ الانتقال في التعامل مع هذه العلاقات من أسلوب رد الفعل إلى منهجية التفاعل.

الربيع العاصف

لقد تزامنت الولادة الفعلية لمجلس العلاقات العربية والدولية مع بواكير الربيع العاصف، وسواء كان هذا التزامن من قبيل حسن الطالع أو سوئه، فإنه يؤشر إلى أن قيام مثل هذا المجلس أصبح أمراً مستحقاً، وإلى أن دوره أصبح ملحاً. ولا أدل على ذلك من أن المجلس قد باشر نشاطه قبل اكتمال خطوات تأسيسه، وقام بفعاليات هامة تتعلق بدول عربية عديدة. وها هو اليوم ينظم مؤتمره الدولي الأول، معلناً عن فتح الباب مشرعاً لتوسيع قاعدة أعضائه ومنتسبيه وداعميه على اتساع الوطن العربي وانتشار جالياته، ليصبح أكثر تمثيلاً لأمته، وأكثر قدرة على أداء رسالته.

وكم أتمنى، هنا، لو كانت كلمة الافتتاح هذه لأحد زملائي غير الكويتيين من مؤسسي المجلس، وكلهم قادر على ذلك وجدير به، فيتحدث عن دور الكويت في بلورة فكرة المجلس ورعاية كيانه، مطيلاً لا يربط حرج الانتماء لسانه، ومغدقاً لا يعيق خوف الادعاء بيانه. لأننا ـ زملائي مؤسسي المجلس وإياي ـ نشعر بكل صدق أن فكرة هذا المجلس ما كانت لترى النور لولا احتضان الكويت لها. لذلك تراني أجزم حين أزعم أني أعبر عن مشاعر زملائي مؤسسي المجلس جميعاً عندما أرفع صادق العرفان إلى حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه، لما أحاط به هذا المجلس من رعاية واهتمام. وحين أتقدم بفائق الشكر والامتنان من سمو ولي العهد الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح، ومن سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح، ومن معالي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، لما قدموه للمجلس من دعم وتأييد. وحين أعرب عن تقديرنا ووفائنا لما أحاطنا به سمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح من تكريم وتأييد، من خلال موقعه الرسمي السابق، ومن خلال موقعه الوطني الدائم.

العلاقات العربية

والشكر موصول أيضا لمعالي الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية السابق، وعضو مجلس الأمناء بمجلس العلاقات العربية والدولية حالياً، كما أن تقدير الداعمين والمشجعين لمسيرة المجلس الناشئ يستوجب أن نذكر ونثمن دعم وتشجيع سمو الشيخ حمد بن جاسم رئيس مجلس الوزراء ووزير خارجية دولة قطر للمجلس وأنشطته منذ انطلاق أعماله.

سمو رئيس مجلس الوزراء، ممثل صاحب السمو راعي المؤتمر

حفلنا الكريم

ليس من حقي، وليس في مقدرتي، أن أستبق محدثينا الأعلام في تناول محاور المؤتمر. خاصة وأن العلاقات العربية البينية والدولية أشبه بالبحر الواسع الزاخر بالتيارات العنيفة، ومركبي صغير، والوقت المتاح قصير، وسرعة التغيرات في القرية الكونية تجعل الرؤية المستقبلية أقرب إلى اشراقات عالم الغيبيات منها إلى أبحاث علم المستقبليات. ومما يزيد المهمة صعوبة أن منطقتنا كلها تعيش أحداثاً مفصلية، تضع دول الإقليم والدول الكبرى على حد سواء أمام حسابات جديدة لتحالفاتها ومصالحها ومواطن تهديدها، وتدعوها ـ بالتالي ـ إلى إعادة تركيب منظومة العلاقات بين العرب والعالم، وفي الاتجاهين.

القضية الفلسطينية

ولكن، رغم كل ما يشوب مستقبل العلاقات العربية هذه من غموض، ورغم ما ينتاب منظورها من اهتزاز، نستطيع أن نعرض ـ وبدرجة مقبولة من الثقة ـ عددا من القضايا والعوامل الرئيسية التي ساهمت، وستبقى تساهم ـ بدرجة أو بأخرى ـ في تشكيل هذه العلاقات بطرفيها البيني والعالمي. في طليعة المؤثرات، دون أي ربط بين تسلسل السرد وترتيب الأهمية، تأتي القضية الفلسطينية التي هيمنت حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي على تشكيل العلاقات العربية القومية والدولية في آن معا، إلى أن وصلنا إلى موقفنا الراهن بين استحالتين، استحالة النجاح في فرض السلام العادل، واستحالة القبول بالسلام المهين. وأذكر، من القضايا والعوامل المؤثرة أيضاً، الحفاظ على إمدادات الطاقة، واستقرار مصادرها، وأمان طرق نقلها بمضائقها وقنواتها وخطوط أنابيبها.

كما أذكر في هذا الصدد، انهيار النظام العربي بفعل كامب ديفيد واحتلال الكويت. وقيام دول أخرى في المنطقة باستغلال الفراغ الذي خلفه الغياب العربي، لادعاء دور إقليمي ودولي، بدل السعي لخيار تكامل اقليمي، يساهم في نجاح جهود الممانعة وتعظيم مكاسب التوافق. ولا يفوتني أن أشير بقوة هنا إلى ما يسمى بالحرب على الإرهاب، التي تحتل أعلى سلم الأولويات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، وللدول المتقدمة بشكل عام.

وأكتفي بهذه العناصر الأساسية المؤثرة في العلاقات العربية العربية، والعربية الدولية في آن معاً، لأنتهي إلى القول إن نظرة أطول إمعاناً وأعمق تحليلاً لهذه العناصر، ستكشف لنا أنها إنما تكتسب أهميتها وقوتها وتأثيرها من جذر واحد، هو الخلافات العربية العربية بكل ما تنتجه من تفرق في الصفوف، وتنازع في المواقف، وافتقاد للثقة، ولولا هذه الظاهرة التي لم تغب يوماً عن أجوائنا، ما أخفق العرب في ميادين القتال، وفي مفاوضات السلام مع اسرائيل. ولولا هذه الظاهرة، لزادتنا ثروتنا النفطية استقلالاً بدل أن تزيدنا انكشافاً. ولولا هذه الظاهرة ما بقي الأمن العربي المشترك تائهاً بين نظام قضى، ونظام تعسرت ولادته، ولما ولد الإرهاب من رحم القهر الغربي والصمت الدولي. ولما عاد صراع الثأر والإرث بين عرب منطقتنا وغيرهم.

أمة مقهورة

لا جدال، إذن، في أننا اليوم أمة مقهورة. وهذه حقيقة لابد أن نقر بها، ونرفض أن نتعايش معها، لكي نستطيع التحرر منها.

نحن أمة قهرها الغرب، حين نجح في مراوغتها نجاحاً لم يحققه مع أمة أخرى. ونحن أمة خذلها التعصب، حين حال دون لحاقها بقطار الحداثة، فخرجت من عصرها. ونحن أمة ظلمت نفسها، حين أصرت على دخول المستقبل بالرجوع إلى الماضي.

نحن اليوم أمة مقهورة، لا جدال في ذلك. ولكن لا جدال أيضا في أننا لسنا أمة يائسة. وحالنا المتعثر اليوم لن يكون آخر فصول التاريخ الذي يقفل بعده كتابنا. نحن مثل أمم كثيرة ضعفت وتفرقت فانهزمت. ثم قامت، بعد كفاح صابر مديد، فاستعادت حقوقها. وتحضرني هنا أمثلة كثيرة، أبدأها بالصين التي ابتلاها الغرباء عام 1900 بالاحتلال والتجزئة والأفيون. ثم أذكر فرنسا التي احتلها هتلر، ثم ألمانيا التي قسمها الحلفاء، ثم اليابان التي قصفت فاستسلمت، ثم قامت لتبهر العالم بنهضتها... وتطول قائمة الأمثلة من الهند إلى اندونيسيا، ومن كوريا إلى البرازيل، ومن جنوب إفريقيا إلى فيتنام.

القطب الواحد

وإن كان من المتعذر على الأمم المقهورة أن تبني علاقات دولية متكافئة، فإن من الممكن للأمم ذات العزيمة والإرادة والأمل أن تراهن بثقة على المستقبل. خاصة وأن عالم القطب الواحد لا يمكن أن يستمر، لأنه لا ينسجم مع طبيعة الحياة ومسيرة التاريخ. ولابد من نشوء قوى منافسة تخلق توازنات عالمية جديدة، تقتضي ـ تلقائياً ـ إعادة تشكيل منظومة العلاقات الدولية. وعلى العرب أن يكونوا مهيئين لذلك بتحصين علاقاتهم البينية بالتنسيق والتخطيط والثقة. كما تتحمل دول الجوار الصديقة مسؤولية تاريخية للمساعدة الصادقة في ذلك، وبما يخدم أمن ومصالح كافة الأطراف. ذلك أن المصالح المستقبلية المتحققة بوحدة الصف، أكبر بكثير من الأرباح المرحلية الناجمة عن استغلال الضعف. خاصة وأن شيئاً بعد الربيع لن يعود كما كان قبله.

سمو رئيس مجلس الوزراء، ممثل صاحب السمو راعي المؤتمر،

حضورنا الكريم،

قبل أن يبدأ محدثونا الأفاضل بعرض رؤاهم المستقبلية للعلاقات العربية العربية، والعلاقات العربية الدولية، أستأذنكم بدقائق قليلة أحدثكم فيها عن العلاقات الكويتية الكويتية إن صح التعبير، ولست أقوم بذلك من قبيل استغلال منصب الرئاسة ومنبره ـ مع أن مثل هذا الاستغلال أصبح في وطننا العربي تقليداً يستند إلى شرعية الواقع ـ بل من قبيل الاجابة عن السؤال الذي يطرحه كل محب للكويت قلق عليها: ماذا يجري في الكويت؟

العملية الانتخابية

في الربع الأخير من العام السابق، وعلى خلفية أسباب وأحداث كثيرة، ليس حفلنا هذا مجال الحديث عنها، أصدر صاحب السمو أمير البلاد مرسوم ضرورة بتعديل قانون الانتخابات النيابية. ولأسباب واعتبارات كثيرة أيضاً، ليس حفلنا هذا مجال الحديث عنها، كان لي شخصياً موقف معارض لهذا المرسوم، وامتنعت عن المشاركة في العملية الانتخابية على أساسه. وفي ذروة هذا الحراك المعارض، التمست من حضرة صاحب السمو الأمير أن يشمل مؤتمرنا هذا برعايته السامية.

لم يكتف صاحب السمو بالموافقة والترحيب، بل كلف سمو رئيس الوزراء شخصياً بأن يمثله في حفل الافتتاح نظراً لارتباطات مسبقة. كما وجه بأن تقدم الأجهزة الحكومية المعنية كل التسهيلات اللازمة لنجاح المؤتمر وإكرام ضيوفه.

ما زلت ـ بالطبع ـ على قناعتي بموقفي المعارض، في إطار الولاء الكامل للأمير، والالتزام التام بالدستور. وأما موقف صاحب السمو الأمير فهو تكريس لما اعتاده وعوّدنا عليه، والمنبثق عن تقدير سياسي لدور المعارضة الوطنية البناءة، وعن احترام دستوري وأخلاقي لحرية الرأي وكرامة المواطن.

هذه هي العلاقات الكويتية ـ الكويتية.

مشكلة الربيع الكويتي أنه جاء مبكراً جداً ومنذ عقود، فأزهر وأثمر وطاب له المقام.

عذرا للإطالة،

وشكراً لحسن الاستماع.

back to top