معضلة حزب الله في أوروبا

نشر في 10-02-2013
آخر تحديث 10-02-2013 | 00:01
بدت علامات الصدمة على وجوه الكثير من المراقبين والصحافيين في المبنى الرئاسي في وسط صوفيا، حين أعلن وزير الداخلية البلغاري تسفيتانوف أن عميلين من حزب الله قتلا مواطناً بلغاريّاً وخمسة سياح إسرائيليين على أراضٍ تابعة للاتحاد الأوروبي في يوليو عام 2012.
 فوراين بوليسي منذ تأسيس حركة حزب الله السياسية اللبنانية عام 1982، اتسمت علاقة هذه المجموعة مع الاتحاد الأوروبي بسياسة مجزأة مليئة بالمناورات الدبلوماسية المعقدة، وكانت الخطوة الأخيرة في هذه الرقصة المعقدة إعلان وزير الداخلية البلغاري تسفيتان تسفيتانوف يوم الثلاثاء الماضي أن عميلين من حزب الله قتلا مواطناً بلغاريّاً وخمسة سياح إسرائيليين على أراضٍ تابعة للاتحاد الأوروبي في يوليو عام 2012.

بدت علامات الصدمة على وجوه الكثير من المراقبين والصحافيين في المبنى الرئاسي في وسط صوفيا، حين أعلن تسفيتانوف: "تبيّن لنا أن الرجلين ينتميان إلى الجناح العسكري في حزب الله". ولم يكتفِ بذلك، بل أضاف أن "ثمة بيانات تكشف تمويل حزب الله للمشتبه فيهما وعلاقته بهما".

شهدنا قبل هذا الإعلان حوارات حادة ومتوترة على جانبَي الأطلسي بشأن ما إذا كانت الحكومة البلغارية سترضخ للضغوط الفرنسية والألمانية، فلا تحدد أن حزب الله المسؤول عن تفجير يوليو في منتجع بورغاس على البحر الأسود. يوم الاثنين، أخبر فيليب مسفيلدر، نائب ألماني بارز في البوندستاغ والمتحدث في شؤون السياسة الخارجية باسم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي ترأسه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، صحيفة "نيويورك تايمز" بتردد أن "بعض المسؤولين الألمان تحدثوا" إلى البلغاريين في محاولة لإقناعهم.

نشر موقع الأخبار والتحليلات البريطاني المحافظ المشهورThe Commentator تقريراً قبل ساعات من تصريح تسفيتانوف عن أن صوفيا سترفض على الأرجح "تسمية المجموعة الإرهابية حزب الله في تقريرها عن تفجير الحافلة عام 2012"، وستكتفي بذكر عبارة شبيهة بما اقترحه الألمان والفرنسيون، مثل "كل الطرق تؤدي إلى لبنان".

ثمة أسباب كافية للاعتقاد أن صوفيا سترضخ، مع أن حكومات الولايات المتحدة وكندا وإسرائيل تحض الاتحاد الأوروبي منذ أشهر على قمع نشاطات حزب الله (منها جمع التبرعات، التجنيد، والحصول على تكنولوجيا يمكن استعمالها في النشاطات العسكرية) في الدول السبع والعشرين الأعضاء، فتمسك الأوروبيون برفضهم. لذلك لم تحظَ هذه المسألة بالأهمية الكافية.

يعكس رد فعل كاثرين آشتون، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، مقاربة أوروبا المجزأة تجاه حزب الله، ففي ردها على نتائج التحقيق البلغاري، أشارت آشتون يوم الثلاثاء إلى "ضرورة التفكير" في نتيجة التحقيق في تفجير بورغاس، واللافت للأنظار في تصريحها غياب أي ذكر مباشر لحزب الله.

أما نظيرها الأميركي، وزير الخارجية جون كاري المعين حديثاً، فكان أكثر صراحة، إذ قال كاري: "نحض بقوة الحكومات الأخرى حول العالم، خصوصاً شركاءنا في أوروبا، على اتخاذ خطوات عاجلة لقمع" حزب الله، ثم أضاف: "علينا أن نبعث برسالة واضحة إلى هذه المجموعة الإرهابية، مفادها أنها ما عادت تستطيع القيام بأعمال مشينة والإفلات من العقاب".

صحيح أن أوروبا لا تعتبر حزب الله منظمة إرهابية، إلا أنها تعي تماماً أعمال العنف المميتة التي ترتكبها هذه المجموعة، لذلك أصدر البرلمان الأوروبي في عام 2005 قراراً غير ملزم شديد اللهجة مناهضاً لحزب الله. وبعد أن اغتال حزب الله، حسبما يُفترض، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، أعلنت بروكسل أن "ثمة أدلة واضحة على النشاطات الإرهابية لحزب الله، وعلى مجلس الاتحاد الأوروبي أن يتخذ كل الخطوات الضرورية ليكبحها".

هل يؤدي دور حزب الله في تنفيذ اعتداء على أراضٍ أوروبية إلى أي تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي؟ ما زال الانقسام واضحاً داخل الاتحاد. على سبيل المثال، تُعتبر هولندا البلد الوحيد الذي يصنّف حزب الله كمنظمة إرهابية ويسعى علانية إلى حظره تماماً، ما يشمل وضع اليد على أصوله، تجميد أمواله، وحلّ المنظمات التابعة له. في المقابل، تبنت بريطانيا موقفاً أقل وضوحاً، مصنّفةً "الجناح العسكري" لحزب الله كمجموعة إرهابية عام 2009، لكن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ ضغط على الاتحاد الأوروبي ليحذو حذو بلاده، إلا أن هذا التصنيف يميّز بين جهاز حزب الله الإرهابي وبنيته السياسية والاجتماعية، لكن النقاد يعتبرون هذا التمييز سخيفاً لأن حزب الله بحد ذاته يرفض سياسة الفصل هذه.

من الطبيعي أن يتحدث الإسرائيليون بصراحة عما يعتبرونه أسس حزب الله، فقد حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أوروبا يوم الثلاثاء من أن "حزب الله واحد، فهو منظمة واحدة لها قيادة واحدة"، ولا تخالفهم قيادة حزب الله الرأي، فقد أخبر نائب أمين عام هذه المجموعة اللبنانية، نعيم قاسم، صحيفة "لوس أنجليس تايمز" عام 2009 أن "القيادة ذاتها التي توجّه الأعمال النيابية والحكومية تدير أيضاً العمليات الجهادية في الصراع ضد إسرائيل".

ينبع التأكيد أن حزب الله مجموعتان منفصلتان من محاولات أوروبا إبقاء علاقاتها بهذه المنظمة جيدة، فقد أخبرني السفير الفرنسي إلى إسرائيل كريستوفر بيغو في شهر نوفمبر أن التصنيف الصريح قد يدفع حزب الله إلى استهداف مئات الجنود الفرنسيين في جنوب لبنان (يتمركزون هناك منذ 34 سنة كجزء من مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي تتولى مراقبة الحدود بين إسرائيل ولبنان). لم ينسَ الفرنسيون اعتداءات حزب الله الإرهابية في بيروت في أكتوبر عام 1983، التي أودت بحياة 58 جندياً فرنسيّاً، فضلاً عن 241 أميركيّاً من المارينز. علاوة على ذلك، تعتبر فرنسا نفسها الدولة الوحيدة القادرة على إدارة التوتر الدائم في لبنان وموازنة قواه. كانت فرنسا قوة استعمارية في الهلال الخصيب، وتتمتع تاريخيّاً بثقل دبلوماسي كبير في مجموعة العلاقات السياسية الضخمة والبالغة التعقيد في لبنان.

لكن ألمانيا هي على الأرجح أفضل مَن يجسد الانقسام الأوروبي حيال حزب الله، فيبدو أنها تقبل بعمليات حزب الله على أراضيها. تذكر بعض التقارير أن ثمة 950 عضواً من حزب الله وداعماًً له في ألمانيا، كذلك تتيح بنية حزب الله التنظيمية لهذه المجموعة جمع التبرعات ونقلها إلى لبنان، لكن ألمانيا، منعت في أمر إداري صدر عام 2008 عن وزير الداخلية ولم يحظَ بالاهتمام الكبير قناة حزب الله، "المنار"، من البث في فنادق خاصة وشراء الإعلانات للترويج لبرامجها.

صحيح أن الاتحاد الأوروبي لا يتبنى موقفاً موحداً من حزب الله، ولكن يبدو أن الضغط يتراكم لفرض عقوبات على هذه المجموعة. ففي أغسطس عام 2012، ذكر مسفيلدر قبل صدور تقرير بلغاريا أن "الوقت قد حان لإدراج حزب الله في لائحة المنظمات الإرهابية الخاصة بالاتحاد الأوروبي". كذلك بدّل دور حزب الله في مساعدة نظام الأسد في قمعه الدموي للسوريين الموالين للإصلاح المواقف بين السياسيين الأوروبيين اليساريين المعتدلين. فقال المتحدث باسم حزب الخضر الألماني في مجال الأمن، أوميد نوريبور، لصحيفة "نيويورك تايمز" في مطلع شهر فبراير: "في ظل الوضع الراهن ومع التطورات الأخيرة في سورية، أعتقد أن الوقت قد حان لعزل حزب الله".

لكن إراقة الدماء في سورية لا تشكّل اليوم أولوية بالنسبة إلى السياسيين الأوروبيين، الذين يخشون في معظمهم المبالغة في توسيع نفوذ الاتحاد الأوروبي في مرحلة يواجه فيها هذا الاتحاد أزمة مالية واضطرابات سياسية. حتى إن بعض دول الاتحاد الأوروبي لا تعتبر اعتداء على أراضي الاتحاد الأوروبي مبرراً كافيّاً للتحرك. فقد نشر وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت، الذي يعارض على تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، على موقع "تويتر": "نحتاج إلى التفكير مليّاً في عواقب التحقيق البلغاري الذي حمّل حزب الله مسؤولية الاعتداء الإرهابي".

من الممكن لحظر حزب الله أن يشلّ حركته، فقد أقرّ الأمين العام لهذه المجموعة، حسن نصرالله، بهذا الواقع قبل سنوات، مشيراً إلى أن إدراج حزب الله على لائحة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية "سيقطع موارد الحزب المالية، ينهي دعمه المعنوي والسياسي والمادي، يُسكت الأصوات، سواء كانت أصوات المقاومة أو الأصوات الداعمة لها، يضغط على الدول التي تحمي المقاومة بطريقة أو بأخرى، ويضغط على لبنان وإيران والعراق، إنما على الدولة اللبنانية على وجه الخصوص، ويهدد بتصنيفها كدولة راعية للإرهاب".

رغم ذلك، فإنه من المستبعد أن يؤدي التحقيق البلغاري إلى خطوة حاسمة كهذه، وسيكون الحل، الذي يتوافق عليه الجميع، إدراج الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية. ومن الممكن لهذه التسمية أن تحدّ من قدرة حزب الله على العمل في الاتحاد الأوروبي أو تزيده جرأة لينفّذ المزيد من الاعتداءات على الأراضي الأوروبية. ولكن بغض النظر عن النتيجة، لن تكون بورغاس بالتأكيد الخطوة الأخيرة في رقصة حزب الله في أوروبا.

Benjamin Weinthal

back to top