الرد على تفجير بوسطن يجب أن يكون حذراً ومدروساً

نشر في 19-04-2013 | 00:01
آخر تحديث 19-04-2013 | 00:01
No Image Caption
لا شك أن «الحقائق» غير المؤكدة التي تناقلتها وسائل الإعلام خلال الساعات الأولى بعد تفجيرَي ماراثون بوسطن بدأت تحدد في أذهان البعض الاعتداء الإرهابي الأبرز على الأراضي الأميركية منذ الحادي عشر من سبتمبر.
 Tony Karon عندما تقرأ هذا المقال، قد تكون رواية الاعتداء الإرهابي على ماراثون بوسطن قد اختلفت عما سمعناه في وسائل الإعلام خلال اليوم الأول، فقد برهنت مجزرة "مدرسة ساندي هوك" في شهر ديسمبر الماضي مدى صحة القاعدة الأساسية بشأن التغطية الإعلامية لعمليات القتل الجماعي في الولايات المتحدة: تكون "الحقائق" التي تُنقَل خلال الساعات الأولى غالباً غير صحيحة.

في حالة إطلاق النار في هذه المدرسة في كونكتيكت، أعطت وسائل الإعلام بداية اسماً لم يكن حقاً اسم مطلق النار، مدعيةً على نحو خاطئ أن والدته كانت تعمل في المدرسة المستهدفة، أنه دخل المدرسة لأنه اعتاد ذلك سابقاً، وأن والدته تنتمي إلى طائفة يمينية متطرفة.

لا شك أن "الحقائق" غير المؤكدة التي تناقلتها وسائل الإعلام خلال الساعات الأولى بعد تفجيرَي ماراثون بوسطن بدأت تحدد في أذهان البعض الاعتداء الإرهابي الأبرز على الأراضي الأميركية منذ الحادي عشر من سبتمبر. فقد أدى هذا الاعتداء إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح أكثر من 140 آخرين. صحيح أن حجم الضحايا بعيد عما عانيناه خلال الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن هذا أول تفجير ناجح يؤدي إلى عدد من الضحايا على الأراضي الأميركية منذ الاعتداءات التي صاغت وضع الأمن القومي الأميركي طوال عقد.

حتى اليوم، كان خطر الإرهاب المحلي في الولايات المتحدة مقتصراً على مؤامرات غير محترفة سُرّبت وتمكنت الأجهزة الأمنية من إحباطها، فضلاً عن قنبلة أو اثنتين لم تنفجرا. ولكن خلال الاعتداء الأخيرة، انفجر جهازان متفجران يحتويان على كرات حديدية (وصفتهما مصادر مكتب التحقيقات الفدرالي في حديث مع صحيفة لوس أنجليس تايمز بأنهما "غير محترفين") بفارق ثوانٍ، ما أدى إلى إراقة الكثير من الدماء وخلّف في نفس الأميركيين صدمة ذكرتهم بقسوةٍ بمدى هشاشتهم أمام العنف الذي تحركه دوافع سياسية.

وفي جو الخوف الذي ساد، ورغم التقارير الإخبارية الممتازة التي نشرتها بعض وسائل الإعلام، بدأت للأسف بعض الأنماط المألوفة تترسخ.

على سبيل المثال، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة نيويورك بوست خبراً عن أن شاباً سعودياً في العشرين من عمره لم تذكر اسمه "مشتبه فيه" في هذا الاعتداء الإرهابي، وأنه موضوع تحت الحراسة في مستشفى ما حيث يُعالج من حروق أُصيب بها. وقد نسبت هذا الخبر إلى "مصادر في الأجهزة الأمنية". كذلك ادعى الخبر ذاته أن 12 شخصاً قُتلوا في التفجيرَين وخمسين جرحوا.

نُشر هذا الخبر بعد ساعات من إنكار المتحدث باسم شرطة بوسطن اعتقال أي مشتبه فيه، كذلك أصر مفوض الشرطة على أن كل مَن يتحدث إليهم رجال الشرطة في المستشفيات ليسوا "مشتبهاً فيهم". فضلاً عن ذلك، كانت حصيلة الضحايا قد حُددت بثلاثة قتلى وأكثر من 100 جريح.

لكن خبر "نيويورك بوست" عن "المشتبه السعودي" ما انفك يتفاعل. فقد استخدمته المواقع الإلكترونية اليمينية لتربط التفجير باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، التي كان معظم خاطفي الطائرات فيها من السعوديين. حتى وسائل الإعلام الرئيسة، مثل شبكة NBC، حاولت استغلال هذا الخبر، قائلة: "وفق موقع "نيويورك بوست"، اعتقلت السلطات شاباً سعودياً متورطاً في التفجير". لكن هذه الصحيفة لم تذكر مطلقاً أنه اعتُقل، لكنها فرحت بنقل هذا الخبر بدورها، ذاكرة في وقت لاحق من ليل الاثنين أن "شبكة CBS أعلنت أن الشرطة اعتقلت مشتبهاً فيه، وأنه متعاون، إلا أنه ينكر تورطه في الاعتداء".

في تلك الليلة عينها، دخلت صحيفة "نيويورك تايمز" اللعبة ناشرة التعليق التالي: "مع أن المحققين أكدوا أنهم يتحدثون إلى مواطن سعودي، شدد مسؤولو قوى الأمن على أنهم لم يعتقلوا أحداً. صحيح أن السلطات لم توقف هذا السعودي، إلا أنه ظل في المستشفى تحت مراقبة مشددة من السلطات الأمنية، وفق أحد المسؤولين الأمنيين البارزين".

قد يكون هذا صحيحاً، ولكن ما لم تملك الشرطة أدلة على أن الشاب السعودي ارتكب جريمة، يدرك طلاب السنة الأولى في كلية الصحافة أن من الخطأ التهور واعتباره "مشتبهاً فيه". ومَن يعلم ما المنحى الذي ستأخذه هذه الرواية في الساعات المقبلة؟

باستثناء قصة "السعودي المشتبه فيه"، ظلت معظم وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة موضوعية قدر الإمكان، متفادية إلى حد كبير التخمينات حول مَن يقف وراء التفجير، وموجهةً جزءاً كبيراً من تخميناتها حول إمكان تورط مجموعات من المتطرفين البيض اليمينيين المحليين. حتى إن البعض، وليس الجميع، أصغوا إلى حضّ الرئيس باراك أوباما على "الامتناع عن الحكم على ما حدث قبل معرفة كل الوقائع".

علاوة على ذلك، اشتكى النقاد في دول أخرى من مدى الاهتمام الذي خصصته وسائل الإعلام العالمية لتفجير بوسطن. وأشاروا إلى أن 55 شخصًا قُتلوا في اليوم عينه في اعتداءات في العراق، فضلاً عن عشرات لقوا حتفهم خلال تلك الفترة في أفغانستان والصومال وغيرهما، في حين تتواصل إراقة الدماء في سورية بلا هوادة.

ولكن إليكم المنطق القاسي الذي يعتمده محررو الأخبار اليوم: يعتبرون تفجير بوسطن مميزاً لأنه، بخلاف المجازر في العراق والصومال وأفغانستان وسورية، لا يحدث كل يوم.

ثمة سبب آخر يدفع المحررين حول العالم إلى تركيز اهتمامهم على اعتداء بوسطن: يدركون جيداً الطريقة التي استُغل بها آخر اعتداء إرهابي على الأراضي الأميركية لجر الأميركيين إلى حربَي احتلال كارثيتين.

لكن التأثيرات القاسية التي خلفتها هاتان الحربان على السياسات الأميركية تجعل من أي مغامرة عسكرية جديدة مستبعدة، حتى لو (وهذا احتمال بعيد جداً) تبيّن أن مرتكبي اعتداء يوم الاثنين يؤيدون قضية الجهاد العالمي.

قال سياسي أميركي بارز للشعب الأميركي عام 2004، مقارناً الإرهاب بالجريمة المنظمة: "علينا أن نعود إلى المكان الذي نعتبر فيه الإرهابيين مجرد مصدر إزعاج، لا همّ حياتنا، فلا يهدد الإرهاب حياة الناس كل يوم، لا شك أننا لن نكفّ عن محاربته، بيد أنه لا يهدد نسيج حياتنا".

قد يشكل الرد على تفجير بوسطن المقياس الذي يحدد كم ابتعد الأميركيون حقاً عن هستيريا ما بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. ومن المطمئن بالتأكيد أن السياسي الذي قدّم هذا الرد المنطقي والواعي تجاه الإرهاب، السيناتور جون كيري، يتبوأ اليوم منصب وزير الخارجية.

back to top