الكتابة المشتركة... تجريب مستمر وإبداع بوجهين

نشر في 03-09-2013 | 00:02
آخر تحديث 03-09-2013 | 00:02
على نهج جبرا ومنيف

في عودة متجددة إلى ظاهرة الكتابة الأدبية المشتركة صدرت أخيراً أعمال إبداعية في مجالات الرواية والقصة والشعر، اشترك في تأليفها أكثر من كاتب لتمثل تجارب جديدة، تضاف إلى التجارب القديمة التي قدمها كبار المبدعين والأدباء مثل جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف وغيرهما.
{في مقام العشق} تجربة روائية جديدة مشتركة لكاتبين من الأدباء الشباب في مصر هما يوسف نبيل وزينب محمد. تعدّ الرواية تجربة غريبة في الكتابة المشتركة تعتمد على التجريب في استخدام تقنيات جديدة في السرد.

 تبدأ فصول الرواية بما سماه الكاتبان: استهلال ثنائي، وفيه يجريان حواراً في السرد في مقاطع صوتية متوسطة الحجم بصوتين مختلفين، وتُحكى الرواية من منظورين مختلفين: ذكري وأنثوي: عيسى حبيب ونور عزيز.

 بعد ذلك ينطلق البطلان عيسى ونور في سرد تجارب روحية ونفسية وجسدية تشكل حجباً ضخمة تفصلهما عن الحقيقة، إلى أن تحين نقطة اللقاء التي تتم بهدوء، لتنتهي الرواية بما سماه الكاتبان ختاماً ثنائياً، يعودان فيه إلى إجراء حوار سردي بأصوات مختلفة من دون إشارة أو تمييز إلى صاحب الصوت، سوى نوعية الخط، فقد عمد الكاتبان، منذ البداية، إلى الكتابة بخطين مختلفين، ويشير كل منهما إلى صوت ما، إما عيسى أو نور.

{زنجبيلك}، كتابة مشتركة لإيمان الدواخلي وياسر رزق. ينتمي الكتاب إلى الأدب الساخر، ويدور حول علاقة زوجين. يبدأ بانتظار فتاة العريس، ثم اللقاء الأول، ثم الزواج، ثم الخلافات الزوجية و{الردح} بين الزوجين والأبناء، ذلك كله على شكل {اسكتشات} أشبه بـ{اسكتشات} شويكار وفؤاد المهندس.

سبق هذه الأعمال صدور قصيدة مشتركة بعنوان {حلم الجمال}، من تأليف الشاعرة العراقية سمر جبوري والمصرية ميمي قدري جاء فيها:

حبيبي...

لم أجد حين نزع روحي من قربك...غير التعجب أرحل به مكتومة الأنفاس...

أعرف كم يخذلك الحق... وكم كنت تصبر حتى تأتيك تلك لحظات السفر...

... وهاهي جاءت وشاءت... أن أكون كما عودتني الأيام...

... أسافر وحدي... لأرجع للأوراق والقلم...

... ثم أخطك وشاحاً يكمل ما سكن من صراخ شوقي

تتسارع نبضاتي بوحي الأزرق من مداد الروح... يضربني رأسي بذكرى كادت أن تكون لولا... بعض الرياح العاصفة.

كان الأديبان اللبناني سيمون سعد والسوري صالح دحدل قدما روايتهما المشتركة {أحلام نازفة} منذ سنتين التي فازت بالجائزة الأولى في المسابقة السنوية التي تنظمها {الجمعية الدولية للفنون} في اليونان.

 تتناول الرواية قصة طبيب عربي يسافر إلى إحدى الدول الأجنبية للعمل بهدف تحسين أوضاعه المادية، وتطرح المصاعب التي تواجهه في الغربة، إذ يستغلّه الأشخاص الذين ساعدوه في السفر، فيقرر الانتقال إلى إحدى جزر اليونان حيث تواجهه مصاعب جديدة.

كذلك أصدر الأديبان اللبنانيان نزار دندش ود. نضال الأميوني دكاش رواية مشتركة بعنوان {ربيع المطلقات}، تدور حول تجارب المطلقات والثورة التي تعتمل في نفوس النساء اللواتي خضن تجربة الطلاق لأسباب عدة.

التجريب مستمر

يقيّم الأديب يوسف نبيل التجربة المشتركة في الكتابة ويقول: {القلق والاضطراب هما من علامات الولادة الجديدة، ولادة نفسية وفكرية، لا تمرّ من دون اضطراب وسط كل تلك الحجب والتشوهات، وكلما يمر الوقت تزيد تلك الحجب التي تفصلنا عن فهم ذواتنا وعن فهم الآخر. تتجلى الكينونة في العلاقات، وكل ما نفعله الآن هو إقامة الحواجز، حتى أصبحت العلاقات فارغة وخالية من أي مضمون، يتجلى فيها فراغ مخيف في داخلنا}.

بدورها تقول الكاتبة زينب محمد: {ينتمي مفهوم العشق في {في مقام العشق} إلى شقين: إلهي وإنساني، تفصل بينهما تلك الحجب التي صنعتها عقول البشر. حاولنا أن نعرض لتلك الهوّة ونحلل الحجب النفسية والروحية التي تزيد منها، لنتجاوزها إلى منطقة رحبة من الحب وقبول الآخر. تتناول الرواية رحلة روحية للبطلين تمر عبر مفاهيم حول التصوف والدين والجنس والجسد والألم والهوية.}

جبرا ومنيف

تعدّ التجارب الجديدة إحياء لظاهرة الكتابة المشتركة التي كان الروائيان جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف من ألمع أبطالها، إذ تضافرت مواهبهما بشكل مذهل في {عالم بلا خرائط}، عمل إبداعي وصفه النقاد بالمتفرد، يتناول قصة عمورية، تلك المدينة المسكونة بالأحلام والأوهام.

مثلت هذه الرواية مرتكزاً مهماً في ظاهرة الكتابة الإبداعية المشتركة التي اختلف حولها النقاد، فثمة من يرفضها مؤكدا أن القطعة الأدبية التي يؤلفها أكثر من أديب هي كالابن الذي له أكثر من أب، وأن الإبداع عمل ذاتي بالأساس يحمل رؤية خاصة للحياة والكون، ومن ثم يتناقض هذا الاشتراك مع الرؤية الخاصة للمبدع. وثمة من يقبلها مشيراً إلى أن الكتابة المشتركة فكرة جيدة، تزخر ببعض التجريب، وأن صراع الروائيّين المشاركين ينتج رؤى فنية ثرية بالإبداع... وما زال الاختلاف سيد الموقف.

back to top