بريطانيا والبيت الأوروبي

نشر في 20-01-2013
آخر تحديث 20-01-2013 | 00:01
 مارتن شولتز لعل خطاب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي طال انتظاره، الذي من المقرر أن يتحدث فيه عن أوروبا من هولندا، يكون بمنزلة نقطة تحول فيما يتصل بموقف بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. ومن المرجح أن تتطلب أي محاولة من جانب المملكة المتحدة لإعادة السلطات والصلاحيات إلى ويستمنستر مفاوضات طويلة ومرهقة. وكما أظهرت التجارب السابقة فإن المناقشات الداخلية بشأن الصلاحيات الدستورية- وهي في الأساس مراجعة ذاتية سياسية مفرطة التدقيق- من الممكن أن تصرف الانتباه عن قضاياً أكثر إلحاحاً بشأن النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل.

والواقع أن محاولة إعادة النظر في أجزاء رئيسية من مجموعة قوانين الاتحاد الأوروبي، وانتقاء واختيار الأجزاء التي توافق عليها المملكة المتحدة، قد يشكل سابقة خطيرة. بل إن هذا قد يؤدي إلى تشريعات مجزأة، وربما تفكك وانهيار الاتحاد. ومهما بدت استعادة الصلاحيات جذابة على السطح، فإن الأمر سينطوي على إجراءات طويلة ومعقدة- وفي غياب أي ضمانة لتحقيق نتيجة إيجابية.

في نهاية المطاف بطبيعة الحال، فإن اتخاذ القرار بشأن استعادة الصلاحيات أو الخروج من الاتحاد الأوروبي يرجع إلى الحكومة البريطانية والشعب البريطاني. ولكن في اعتقادي أن عضوية المملكة المتحدة الكاملة في الاتحاد تصب في مصلحة البريطانيين وأوروبا على حد سواء. فالاقتصاد البريطاني يستفيد بشكل هائل من السوق المشتركة، ويظل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر على الإطلاق للمملكة المتحدة، حيث يستوعب نحو 50% من الصادرات البريطانية.

وفي عالم خاضع للعولمة، فإنه ليس من مصلحة المملكة المتحدة أن تتراجع إلى عضوية من الدرجة الثانية في الاتحاد الأوروبي، إذ لن يؤدي هذا إلا إلى إضعاف نفوذها في أوروبا وخارجها. ومن المؤكد أن أصدقاء بريطانيا يدركون هذه الحقيقة. ففي الأيام الأخيرة، حذرت الولايات المتحدة عن حق من أن الاستفتاء المحتمل في المملكة المتحدة قد يعني أن البلاد تنغلق على نفسها، في حين قال رئيس الوزراء الايرلندي إندا كيني إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون "كارثة".

كما حذر كبار رجال الأعمال البريطانيين كاميرون من أنه يجازف بزعزعة استقرار اقتصاد المملكة المتحدة إذا سعى إلى إعادة التفاوض بالجملة على عضوية الاتحاد الأوروبي. ويتعين عليه أن يلتفت إلى تحذيرهم، على الرغم من مجيئه متأخراً.

إن منطقة اليورو تتكامل بسرعة وبشكل أكثر عمقاً ليس من قبيل النزوة، بل في استجابة لضرورة بحتة. وقد اختارت المملكة المتحدة أن تظل خارج الاتحاد النقدي عندما قررت بوضوح عدم تبني العملة المشتركة. لذا، ففي حين يُعَد دعم حكومة كاميرون لتعميق التكامل في منطقة اليورو أمراً محمودا، فإن منطقة اليورو من غير الممكن، ولا يجوز لها، أن تتشكل من الخارج ووفقاً لمصالح بريطانية.

إن المملكة المتحدة ليست في وضع يسمح لها بمنع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى من تعميق التكامل، نظراً للإرادة السياسية التي أظهرتها أغلب الدول الأعضاء الأخرى للمضي قدماً، والواقع أن مفاوضات العام الماضي حول "الميثاق المالي" لابد أنها أثبتت لكاميرون بالفعل مدى صعوبة ممارسة ما يسمى بحق النقض الوطني.

ورغم هذا، فقد لعبت المملكة المتحدة دوراً رائداً في تصميم سياسات الاتحاد الأوروبي الأساسية، بما في ذلك التدابير الخاصة بالسوق المشتركة، ومساعدات التنمية في الخارج، والتجارة، والتغير المناخي. وكانت زعامة المملكة المتحدة في هذه المجالات محل تقدير كبير، وستُفتَقَد بشكل مؤلم إذا قرر البريطانيون الخروج. ففي مجال العدل والشؤون الداخلية على سبيل المثال، لعبت المملكة المتحدة حتى الآن دوراً رئيسياً في صياغة سياسات الاتحاد الأوروبي التي يتعين على كل البلدان الأعضاء أن تتبناها في غضون فترة لا تتجاوز العامين.

ولكن يبدو أن حكومة كاميرون تعد العدة لاختيار الخروج من هذه السياسات بالكامل. لا شك أنه من غير الممكن أن نتوقع من مؤسسات الاتحاد الأوروبي والبلدان الأعضاء الستة والعشرين الأخرى أن تقف موقف المتفرج بينما تخرج المملكة المتحدة من أكثر من 130 من هذه التدابير- وفي جوهر الأمر تعيد إقامة الحدود الوطنية في إطار مكافحة الجريمة العابرة للحدود- ثم تطلب العودة إلى الانضمام إلى قِلة مختارة من التدابير التي ترى أنها تصب في "مصلحتها الوطنية".

الواقع أن محاولة استعادة الصلاحيات من الاتحاد الأوروبي قد تصب في مصلحة وسائل الإعلام البريطانية المتشككة في أوروبا وبعض المنتمين إلى حزب المحافظين، ولكن أود لو أسأل ما إذا كان هذا يصب حقاً في مصلحة المملكة المتحدة في الأمد البعيد.

إن الاتحاد الأوروبي أكبر كثيراً من مجرد مجموعة من القواعد التي تحكم السوق الداخلية وحرية انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال والبشر. بل إنه مشروع تاريخي فريد نجح في توحيد القارة الأوروبية. وقد عملت الدول القومية في إطار هذا الاتحاد على تجميع السيادة طواعية، لأنها تؤمن بأنها تصبح أكثر قوة في توحدها. وأنا مؤمن بدور المملكة المتحدة في المساعدة في قيادة هذا المشروع- لمصلحة أوروبا ومصلحتها الذاتية.

وأظن أن كاميرون يمارس لعبة خطيرة لأسباب تكتيكية محلية بحتة. وأنا أصدقه عندما يقول إنه يريد أن تظل المملكة المتحدة عضواً في الاتحاد الأوروبي. ولكنه أصبح على نحو متزايد أشبه بصبي الساحر، الذي لا يستطيع ترويض وتسخير القوى التي استحضرها ـ القوى التي تريد ترك الاتحاد الأوروبي لأسباب أيديولوجية، على حساب الشعب البريطاني.

في الأول من يناير 2013 تصادف مرور أربعين عاماً على العضوية البريطانية في الاتحاد الأوروبي. ومن المرجح أن يصبح الاتحاد أكثر قوة وأهمية في الأعوام الأربعين المقبلة، وهذا هو السبب الذي من المحتم أن يحمل المملكة المتحدة على البقاء على التزامها الكامل بصياغة مستقبله.

* رئيس البرلمان الأوروبي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top