توم هانكس بنى مسيرته المهنية عبر أداء دور «الرجل العادي»!

نشر في 14-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 14-10-2013 | 00:01
كان توم هانكس مبتسماً أثناء دخوله إلى قاعة الاجتماع في فندق «فور سيزونز». إنه أمر مألوف. فقد اكتسب هانكس سمعة جيدة باعتباره أحد ألطف الممثلين وأكثرهم اجتهاداً في هوليوود.
إنه أول يوم من حملة ترويجية مدتها ثلاثة أسابيع لتسويق فيلم توم هانكس الأخير Captain Phillips، وستأخذه هذه الجولة إلى مختلف أنحاء البلد وإلى الخارج. في وقت لاحق من هذه السنة، سيقوم بجولة مماثلة لتسويق فيلم Saving Mr. Banks، ما يعني أنه سيكون منشغلاً لدرجة أنه لن يتمكن من تقديم دور تمثيلي آخر هذه السنة. 

كان يرتدي اللون الأسود وكان شعره قصيراً لكن برزت بضع شعيرات رمادية على طول عنقه، ما يكشف عن عمره الحقيقي: 57 سنة.

ربما من المنطقي بالنسبة إلى ممثل فاز بجائزتَي أوسكار أن يختار دوره المقبل في وقت فراغه. لكن ليس الوضع كذلك مع هانكس الذي يدقق بعوامل عدة (الكتابة، مدى اهتمام شركة الإنتاج، اسم المخرج أو الممثلين المشاركين) لاتخاذ قراره بشأن الدور الذي سيقدمه. لا يعني ذلك أن هانكس صعب الإرضاء بل إنه لا يريد أن يصرف وقته وطاقته على مشروع قد لا يبصر النور. يقول هانكس: «لا أحد يقصد الميناء ويركب في قارب لن يبحر».

ربما كان ذلك التشبيه مستوحى من جميع المشاهد التي مثّلها في المياه أثناء تصوير Captain Phillips. يرتكز الفيلم على قصة حقيقية عن الاعتداء الذي أطلقته مجموعة من القراصنة الصوماليين في عام 2009 ضد سفينة شحن، وقد كان أول اعتداء مماثل ضد سفينة أميركية منذ قرنين.

كما سبق وفعل هانكس في أفلام عدة (بدءاً من Saving Private Ryan وصولاً إلى Cast Away)، يؤدي دور رجل يعيش حياة طبيعية لكنه يضطر إلى القيام بأمور مذهلة بسبب ظروف خارجة عن إرادته.

يقول المخرج بول غرينغراس إن هانكس أفضل من يمكن أن يؤدي دور «الرجل العادي». كان اختياره لأداء دور فيليبس أحد أبرز الأسباب التي دفعت غرينغراس إلى قبول مهمّة الإخراج.

يوضح غرينغراس: «هو لا يؤدي دور بطل خارق ولا دور شاب له قوى خاصة. هو مجرد رجل عادي. توم هانكس أفضل ممثل يستطيع أداء دور أي رجل عادي. يثبت توم مجدداً، مع أنه لا يحتاج إلى إثبات ذلك بشكل متكرر، أنه أحد أعظم الممثلين الأميركيين على الإطلاق لأنه يجسد أفضل ما لدينا».

«القبطان فيليبس» أحدث دور يؤديه هانكس، وهو مقتبس من شخصية حقيقية. سبق وأدى أدواراً مماثلة في أفلام مثل Apollo 13 وCharlie Wilson’s War. وقد أدى دور والت ديزني في فيلمSaving Mr. Banks.

يرد هانكس ساخراً عند ذكر الأدوار الواقعية التي يؤديها: «يجب أن أتخلى عن هذه الأدوار وأبدأ بتجسيد شخصيات مزيفة!».

صحيح أن دورَيه المرتقبَين مقتبسان من شخصيات حقيقية، لكن يقدم هانكس كل شخصية بطريقة مختلفة. يقول هانكس: «فيليبس حي ووالت ديزني ميت. فيليبس هو مصدر ملموس لكل شيء: طريقة تفكيره، أفعاله، الأمور التي يحبها، طريقة إتمام عمله. مع والت ديزني، ارتكزنا بدرجة معينة على الناحية الرمزية. من جهة، أؤدي شخصية تاريخية ضمن إطار محدد جداً حيث تكون المشاهد مُصمَّمة خصيصاً للدور. لكن من جهة أخرى، نحاول استيعاب جوهر ما كان يدور في عقل ريتشارد فيليبس».

يعتبر أن تجسيده لشخصية ديزني يقدم «نسخة كلاسيكية» بينما يطرح في المقابل «نسخة عاطفية» عن شخصية فيليبس.

 

حقيقة الرجل

 

اجتمع هانكس مع فيليبس مرتين (فضلاً عن قراءة كتابه) لاستيعاب حقيقة الرجل. أكثر ما أذهله حس الفكاهة لدى فيليبس. يبدو هانكس مقتنعاً بأن هذا العامل هو الذي ساعد فيليبس على تجاوز المحنة. يقول هانكس: «هو رجل مرح بطبيعته. يمكن أن أصفه بالرجل المبتهج. مضحك وكل شيء يمكن أن يربكه. لكن حين يكون على متن السفينة، تسود أجواء جدية جداً. حتى إن زوجته أخبرتني بأنها لم تعد تزوره حين يكون على السفينة لأنه يركز هناك على العمل حصراً. قد نظن أن البحّارة التجاريين يشبهون الرجال المستهترين الذين لا يكفون عن تدخين السيجار، لكن يبدو ريتشارد محترفاً جداً. لقد استحق هذا العمل الشاق».

صُور معظم المشاهد على ساحل مالطا، وقد اعتبر هانكس تلك التجربة مجهدة من الناحية الجسدية. أجواء التصوير غير المريحة مألوفة بالنسبة إليه، فقد أمضى ساعات في طائرة استُعملت لمحاكاة انعدام الجاذبية أثناء تصوير فيلم Apollo 13.

حين سُئل إذا ظن يوماً (أثناء دراسة المسرح في كلية شابوت في هايوارد، كاليفورنيا، أو جامعة ولاية كاليفورنيا، سكرامنتو) أن العمل في مجال التمثيل سيعني مواجهة أحداث مزعجة، أجاب هانكس أنه لم يعتبر يوماً تلك المتطلبات سلبية. يتذكر كيف مثّل أول مشهد خارجي له (في فيلم Splash)، ففكر حينها أن أفضل ما يمكن أن يحصل هو الذهاب إلى العمل بسروال السباحة وقميص قطني.

أدى هانكس أدواراً درامية في معظمها خلال السنوات الأخيرة. في المرحلة الأولى من مسيرته المهنية، كان يميل إلى الكوميديا في أفلام مثل The Burbs و Turner and HoochوDragnet. يقول هانكس بكل أسف إن تلك الأيام انتهت لأن معظم الأعمال الكوميدية اليوم يشمل ممثلين من فئة الشباب ويُطلب منهم القيام بأمور مشينة. يشعر أنه بلغ مرحلة عمرية لم تعد تسمح له بتقديم أعمال كوميدية. المنفذ الكوميدي الوحيد الذي تبقى له الآن يتمثل بسلسلة Toy Story.

 لكنه لا يتذمر من المنحى الدرامي لأعماله. يوضح هانكس: «الأعمال الكوميدية صعبة لأنها تحتم وجود جوانب مضحكة. وإذا لم تكن مضحكة، لا يمكن التعويض عن ذلك. لقد قمتُ بما يكفي منها. أبلغ 57 عاماً. لا أجلس وأفكر أنني أريد القيام بعمل كوميدي عن عمّال مناجم الفحم مثلاً. لا أفكر بهذه الطريقة، بل أراجع العروض التي أتلقاها وأقيّم مدى قدرتي على أداء الدور».

 

شخصية درامية

 

يؤدي هانكس شخصية درامية بامتياز في دور فيليبس وتسري منذ الآن أنباء عن ترشّحه لجائزة الأوسكار (تعلّم هانكس عدم الاهتمام بهذا الجانب من حياة الممثلين). رغم كل النجاح الذي حققه، لا يزال الشخص المتواضع والودود الذي أصبح ممثلاً محترفاً في عام 1980 بفضل فيلم الرعب المنخفض الميزانيةHe Knows You’re Alone.

يعتبر أن تسلقه سلم النجاح بشكل تدريجي ساعده على التمسك بتواضعه. يقول هانكس: «كنت محظوظاً لأنني تمكنت من العمل لفترة طويلة من دون مواجهة تداعيات حمى الشهرة. كنت شخصاً يظهر على التلفزيون لفترة. ثم بدأتُ أظهر في الأفلام. ثم قمت بأعمال كافية كي أصبح تحت الأضواء. أشعر بالسوء تجاه كل من يحقق «النجاح بين ليلة وضحاها». أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن يفكر الفرد بأنه يستحق النجاح بطريقة ما. يمكن أن يفكر كل من يحقق الشهرة سريعاً بهذه الطريقة. لكن لا يمكن المبالغة في التركيز على الأمر».

بعد انتهاء الجولات الترويجية، سيعود هانكس إلى عالم التمثيل. لا يفكر بمشروع معين لكنه سيقوم بفيلم آخر على الأرجح. ولا يتوقع أن يشارك بأعمال تلفزيونية مستقبلاً.

يحب هانكس التلفزيون وقد كان تأثيره كبيراً في شبابه، فقد سُلّطت الأضواء عليه في البداية بفضل المسلسل التلفزيوني الكوميدي Bosom Buddies حيث تنكر هو وبيتر سكولاري بزي النساء. لكن لم يعد هذا المجال يناسبه الآن.

يقول هانكس: «في مرحلة شبابي، كان التلفزيون يشبه المجلات القديمة التي نجدها في مكتب الطبيب، بمعنى أننا نشاهد بعضها مئات المرات إلى أن نقع على مجلات مثل National Geographic التي تتضمن معلومات كثيرة تكون كفيلة بتغييرنا. يمكن أن نجد دوماً برنامجاً تلفزيونياً مذهلاً لدرجة أننا قد لا نصدق أنه يُعرض على التلفزيون. لكن يُعتبر التلفزيون «وحشاً»، وقد اكتسبت المسلسلات الآن مفهوماً جديداً بالكامل. قد يدوم المسلسل 10 حلقات وينتهي. ما من حاجة ملحّة لتقديم 22 حلقة. لا يهدف العمل إلى ملء الفراغ بل سرد قصة محددة».

حتى مع ظهور النموذج الجديد لعالم التلفزيون وعودة ممثلين سينمائيين مخضرمين مثل روبن ويليامز إلى الشاشة الصغيرة، لا يهتم هانكس بالمشاركة في مسلسل تلفزيوني.

يقول هانكس مبتسماً: «لا أريد أن أجتهد لهذه الدرجة. أحب الذهاب إلى مالطا وأخذ عطلة لبضعة أيام!».

back to top