نظام التنمية المتغير والمسؤولية الاجتماعية

نشر في 16-09-2013 | 00:01
آخر تحديث 16-09-2013 | 00:01
 فيسواناثان شنكار  لقد أنشأت الأهداف الإنمائية للألفية إطاراً ناجحاً للعالم لمعالجة قضايا اجتماعية أساسية مثل الفقر والصحة والجوع والتعليم، ومع بدء المناقشات بشأن شكل أجندة التنمية العالمية ونطاقها والتي ستخلف الأهداف الإنمائية للألفية، والتي تنتهي في عام 2015، فقد يكون من المفيد النظر في الدور الذي يلعبه القطاع الخاص وإعادة النظر في التوجهات العامة للمجتمع الدولي في التعامل مع قضية التنمية. إن التنمية الاقتصادية هي الوسيلة الأفضل- بل الوسيلة الوحيدة- لتحقيق هدف القضاء على الفقر بشكل مستدام، فهي تعمل على خلق حلقة حميدة، ليعم النمو على خلق الوظائف التي يحد توافرها من الفقر.

ويلعب القطاع الخاص دوراً أساسياً في هذا السياق، فتدفقات رأس المال من القطاع الخاص الآن تجعل تدفقات المساعدة من جانب القطاع العام تبدو ضئيلة للغاية، فعلى سبيل المثال، من أصل 200 مليار دولار أميركي هي إجمالي الموارد الأميركية المخصصة للتنمية في عام 2010، كان نحو 87% آتياً من التدفقات الخاصة. وعلى النقيض من ذلك، في ستينيات القرن العشرين كانت مساعدات التنمية الرسمية إلى الخارج تمثل نحو 70% من تدفقات رأس المال إلى الدول النامية.

وهناك صورة مماثلة تسود عالمياً، فتعبئة الموارد المحلية، والتحويلات المالية من العمال المغتربين، وتدفقات الدين الخاص والاستثمار في الأسهم، والمساهمات الخيرية، كل هذا يتجاوز المساعدات الدولية الرسمية بفارق كبير ولم تعد التدفقات الخاصة عند ذيل أجندة التنمية بل إنها الآن في طليعتها.

ورغم هذا فإن قسماً كبيراً من مجتمع سياسات التنمية يظل عالقاً في الماضي البعيد. على سبيل المثال، يصر صناع السياسات على أهمية "الشراكة بين القطاعين العام والخاص" ويزعمون أن القطاع الخاص لابد أن "يتعلم كيف يعمل مع القطاع العام". ولكن الوصف الأفضل للواقع اليوم هو أن "الشراكات العامة للأعمال الخيرية الخاصة" (التعبير عن الأمر بهذا الترتيب يعكس الأهمية النسبية لكل مكون)، ويتعين علينا أن نقنع المؤسسات العامة بالتركيز على كيفية العمل بشكل أفضل مع نظيراتها الخاصة، وليس العكس، لأن القطاعين العام والخاص يعملان وفقاً لمصلحة مشتركة في التعجيل بالتنمية الاقتصادية وضمان استفادة الجميع من العولمة.

ولا يعني هذا التقليل من أهمية الدور الذي يلعبه القطاع العام، فهو وحده القادر على خلق الظروف- سيادة القانون، وسياسات الاقتصاد الكلي السليمة، والأجهزة الرقابية الجيدة- اللازمة لكي يزدهر القطاع الخاص. على سبيل المثال، يعمل هذا على تحفيز تنمية الملكية العقارية الداعمة والأنظمة الجمركية، بما في ذلك تأسيس مكاتب الائتمان والقوانين اللازمة لحماية حقوق الدائنين- وكل هذا يشكل متطلبات أساسية لتوجيه تدفقات التمويل.

ولعل الجائزة الكبرى التي ستعود علينا من التوفيق بين جهود التنمية المبذولة من القطاعين الخاص العام تكمن في المناطق غير المستكشفة نسبياً من التمويل المختلط، وقد بدأنا بالفعل عملية الاستكشاف هذه في دمج جهود مؤسسات التمويل الإنمائي مع مبادرات خاصة وخيرية، وهو ما من شأنه أن يجعل الكل أعظم من مجموع الأجزاء. وفقاً لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي فإن الزيادة السنوية بنسبة 36% فقط في استثمارات القطاع العام في مجال تغير المناخ يمكن تعظيمها إلى ستة عشر ضعف هذا المبلغ من خلال تعبئة 570 مليار دولار من رأس المال الخاص. ولتحسين عملية المواءمة وعكس عمل الشراكات العامة للأعمال الخيرية الخاصة، فلابد من تشجيع الهيئات الحكومية ومؤسسات التمويل الإنمائية على تحديد أهداف واضحة للاستفادة من رأس المال الخاص، وفي عصر الحكومات العجفاء والتقشف العام بصورة خاصة، فإن النجاح في تلبية هذه الأهداف لابد أن يصبح مؤشراً رئيساً للأداء. ولكن ما الذي ينبغي للقطاع الخاص أن يقوم به على نحو أفضل؟ رغم وجود العديد من الأمثلة على الشركات المسؤولة التي تريد "الأداء الجيد من خلال عمل الخير"، فإن الاستدامة وأهداف التنمية لا تتكامل دوماً في الأجندة الأساسية للشركات، وكثيراً ما يبدو التناقض تاماً بين إجمالي العائد للمساهمين والمسؤولية الاجتماعية للشركات.

والفكرة هنا، وهي ضمنية غالباً، هي أن تعظيم إجمالي العائد للمساهمين من خلال تلويث البيئة أمر مقبول مادام تم تقديم بعض المساهمات التعويضية لمبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات- المعادل الشركاتي للاستحمام في نهر الغانغ للتطهر من الخطايا. ونحن في احتياج إلى معيار جديد يلزم الشركات بالإفصاح، ليس فقط عن مقاييسها المالية، بل أيضاً عن أدائها في ما يتصل بالقضايا الاجتماعية والتنموية والبيئية، ولإحداث التأثير الأقصى، ومن أجل استعادة الثقة العامة في الشركات، فإن المعايير لابد أن تكون عالمية وواضحة ومتسقة.

وتتلخص الحقيقة الأخرى في عالم ما بعد الأهداف الإنمائية للألفية في تعددية اتجاهات تدفقات التنمية، فتقليدياً كانت تدفقات التنمية أحادية الاتجاه، من الشمال الغني إلى الجنوب الفقير، ولكن النظام العالمي تغير، فالأسواق الناشئة والدول النامية تمثل الآن نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونحو 75% من النمو العالمي، وسوف تؤكد العوامل الديموغرافية على التحول في مركز الثقل الاقتصادي.

والواقع أن بلدان "الجنوب" مثل البرازيل والصين والهند، على سبيل المثال لا الحصر، تعمل على تعزيز مساهماتها التنموية في الخارج بشكل أكبر. وتعمل الموارد المحلية وتحويلات العاملين المغتربين بشكل متزايد على تمويل التنمية. ومع اعتماد البلدان بنسبة أقل على المصادر التقليدية للتمويل فإنها أصبحت أقل استعداداً لاتباع الإملاءات الخارجية.

والواقع أن الشعوب في البلدان النامية أصبحت تطالب على نحو متزايد بصوت أقوى في تحديد ما يناسبها، والنهج القديم الذي انتهجه الشمال: "نحن نعرف ما يصب في مصلحتكم"، لم يعد ناجحاً أو مقبولاً مهما كان قائماً على الاطلاع وحسن النوايا، وعلى هذا فإن النهج الأكثر شمولاً والذي يعكس الظروف والتفضيلات المحلية يشكل ضرورة أساسية. ويعكس نهج الشراكات العامة للأعمال الخيرية الخاصة الواقع العالمي الجديد، كما يسعى إلى تحقيق القدر الأقصى من الاستفادة من أفضل الصفات في القطاعات الخاصة والخيرية والعامة.

* المدير التنفيذي للمجموعة والرئيس التنفيذي للأميركتين وإفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط لدى بنك "ستاندرد تشارترد".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top