حوار الطرشان: القروض

نشر في 29-12-2012
آخر تحديث 29-12-2012 | 00:01
 فيصل الرسمان يشهد الله أنني لست من الحاسدين الناقمين على أولئك الذين يمتلكون الثروات الرهيبة، كما أنني لا أغبطهم على تلك الثروة، فالأخيرة لا يجذبني بريقها، ولا يفتنني حسن جمالها الأخاذ، لأنها- من وجهة نظري على الأقل- في نهاية الأمر وأوله فتنة لمن لا يحسن تدبيرها، بل هي فتنة مهما اجتهدنا بحسن التدبر، كما أنها- أي الثروة- ليست مجلباً للسعادة.

ولكنني أستدرك عند هذا الحد لأقول- إنني لست مثالياً يحلق بأجنحة من الخيال مستعارة، بل واقعياً يحاول التعامل مع تصرفات واقعه بشيء من الصرامة، فأنا على هذه "الزائلة" أسعى جاهداً لتحقيق قدر من المال يعينني على المشقة، ويعاونني على كفالة العيش الكريم لي ولأبنائي، كما أنني لست بذاك الاشتراكي المزيف الذي يحاول نزع ملك غيره لسد نقص يعتريه.

ببساطة أنا مواطن يرى أن خير هذا البلد لابد أن يتم توزيعه بشيء من العدل النسبي على أفراده، لأنني على يقين مطلق أن التوزيع العادل للثروة فيه من الخير الشيء الكبير.

وأول هذا الخير أنه يحافظ على "الطبقة المتوسطة" من الانهيار، وثاني هذا الخير أنه يجعل الفروقات تنحصر في "المستوى الاجتماعي" وتقف عنده ولا تتعداه إلى فروقات "المستوى الطبقي"، الذي أراه واقفاً ينتظر إذن دخوله من خلال تطبيق "نظام الخصخصة" الذي سيقلب الدولة من مفهومها التقليدي، إلى مفهوم جديد مغاير "دولة الشركات"، وإذا لم تقم الدولة للتحضير بشكل متقن لاستقبال الزائر الجديد، فإن الكارثة الاجتماعية واقعة لا محالة.

* أقول مستعيناً برب الفلق...

في العقد الأخير بدأت القروض تتخذ منحى خطيراً وخطيراً جداً، وهذا المنحى الملتوي قسراً بدأ يسحب الأفراد المتورطين فيها إلى هاوية العوز وكهوف عدم القدرة على تحمل الالتزامات والانهزام أمام طغيانها، نظراً لغلاء السلع، وارتفاع معدلات التضخم، وتعملق حجم القرض الشخصي الذي لا يتوقف نموه، فالقرض الذي بدأ صغيراً، انتهى إلى حجم ديناصور منقرض على سبيل المجاز.

حيث أصبح الدين على المواطن المقترض ثابتاً، بينما متجمد الفوائد تعدى أصل الدين أضعافاً مضاعفة، فالسنون تتحرك وأقساط الفوائد لا تنتهي، وكأن أصل الدين استحال إلى صك عبودية، لا يمكن للمواطن أن يتحرر منه بأية حال من الأحوال.

** لماذا إسقاط القروض؟

لقد كانت الكويت في السابق تنتهج سياسة اقتصادية واضحة إلى حد ما، حيث كانت تفرض على التجار وغيرهم من المواطنين ضرائب جمركية معينة، لأن الدولة تعتمد بصرفها بشكل أساس على تلك الضرائب، وقد استمرت تلك السياسة الضريبية إلى أن تدفق النفط بغزارة، عندها رأى سمو الأمير الراحل عبدالله السالم، رحمه الله، حتمية إلغاء الضرائب، لأنها لم تعد ذات موضوع.

ومن منطلق الأبوة وحنانها من ناحية، ومن أجل رفع قيمة المواطن الكويتي من ناحية أخرى، قام -رحمه الله- بتعويض المواطنين الذين عانوا كثيراً شظف العيش، عن طريق إغداق الأموال عليهم إلى درجة الإسراف في بعض الأحيان، لينسيهم مرارة الحياة السابقة، وبمرور الزمن أصبحت الأفراد "مدمنة" على نمط من العيش لم تكن تعرفه في السابق حتى أصبحت غير قادرة على الفكاك منه "النمط الاستهلاكي"، هذا النمط الذي استطاع أن يتغلغل إلى نخاع العظم حتى بات الشفاء منه عسيراً، لكنه ليس مستحيلاً.

وفي ظل غياب السياسة الاقتصادية الصارمة- بل لا توجد سياسة اقتصادية على الإطلاق- بشكل مباشر أم غير مباشر، وبقصد أم من دون قصد ساهمت الدولة بشكل أساس في خلق مشكلة القروض عن طريق إطلاق اليد للبنوك المحلية.

وللحديث بقية... والسلام.

back to top