الائتلاف الوطني مطالب بحلول جذرية

نشر في 26-01-2013
آخر تحديث 26-01-2013 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر حاولت حكومة المالكي بشتى الوسائل تشويه صورة الاعتصامات التي تشهدها المدن السنّية في العراق حاليا، باتهامات شتى من بينها أنها اعتصامات طائفية تقف وراءها أجندات خارجية تريد إعادة الاقتتال الطائفي، على الرغم من محاولات المعتصمين الحثيثة لتأكيد عدم ارتباط الموضوع بأي توجهات طائفية لديهم، وتجلى هذا الرفض في مطالبهم العامة التي تخدم كل الشعب العراقي، والشعارات التي رفعوها، إضافة إلى النداءات الكثيرة التي تطالب جميع المدن العراقية بالخروج في تظاهرات مماثلة.

اعتماداً على العلاقة الجدلية للمعادلة العراقية الداخلية نقول إنه حتى لو كانت المنطلقات التي ينطلق منها المتظاهرون هي منطلقات طائفية فلا ينبغي توجيه أصابع الاتهام إليهم بقدر ما يشار بها إلى حكومة المالكي، فهذه الأحزاب الشيعية الموجودة حالياً في السلطة هي نفسها التي كانت تتهم نظام البعث السابق بأنه كان نظاماً طائفياً (رغم علمانية البعث وعدم انتمائه لأي طائفة)، ومن ثم تم تأسيس أحزاب مذهبية شيعية تتبنى الطرح الشيعي المذهبي كمبدأ نشأت عليه كرد فعل للممارسات القمعية لنظام البعث الحاكم.

ويمكن اعتبار الظروف التي يمر بها العراق حالياً من أخطر الظروف التي تواجه العملية السياسية منذ 2003 حتى الآن، ورغم ذلك فإن الائتلاف الوطني والحكومة المالكية يتعاملان معها بالكثير من المراهقة السياسية واللامبالاة التي قد تعصف بكل شيء، فهذه الحكومة تتحرك تماما على هامش الأزمة ولم تستطع حتى الآن الدخول في عمقها. فالتحركات الحكومية تتمحور في توجهات ثلاثة أكثرها جدية يمكن وصفه بالعبث السياسي.

التوجه الأول يتلخص في الاستفادة من عامل الوقت بدلاً من إيجاد الحلول الناجعة لحل الأزمة الراهنة، إذ مازالت حكومة المالكي والتحالف الوطني يماطلان ويمارسان سياسة التسويف التي اعتادا ممارستها مع كل أزمة تواجههما في العملية السياسية. والمراهنة على عامل الزمن في حل الأزمة الحالية هي رهان خاسر لن يكون بالتأكيد في مصلحة الائتلاف الوطني بل سيدخل البلاد في أزمة أعنف قد ينتج عنها اقتتال طائفي حقيقي سيدفع الجميع ثمنه بما فيه الأحزاب الشيعية.

التوجه الثاني، هو شروع الائتلاف الوطني في التفاوض مع بعض الشخصيات السنّية الموجودة أصلاً في العملية السياسية والتي لم تعد تمثل إلا نفسها وبعض المستفيدين منها، وهذا التوجه يعتبر حوارا مع النفس وليس مع الآخر ولا يعني حلاً للمشكلة بقدر ما يشير إلى عدم جدية الائتلاف الوطني في إيجاد الحلول المناسبة للازمة.

التوجه الثالث الخاطئ، الذي تتحرك الحكومة فيه هو ممارستها سياسة توزيع الأدوار بين مكونات الائتلاف الوطني، فمحاولات بعض التيارات الشيعية المنضوية تحت اسم الائتلاف الوطني للظهور كتيارات مؤيدة للاعتصامات لا تعني موقفاً حقيقياً لهذه التيارات، بقدر ما تعني سياسة توزيع الأدوار بينها لتخفيف نقمة الشارع السنّي على كل الطيف السياسي الشيعي، وذلك بالتضحية ببعض الأحزاب في داخل الائتلاف الشيعي بدل التضحية بسيطرة المكون الشيعي كله على الحكم بشكل عام. فمن الصعب فهم موقف التيار الصدري الذي أبدى في البداية موقفاً مناصراً لتظاهرات الشارع السني ثم تردده في تأييدها لمجرد أن "بعض المتظاهرين" رفعوا شعارات مؤيدة للبعث أو صوراً لأردوغان، ثم رجع ليؤكد أنه يؤيد بعض مطالب المتظاهرين وليس كلها، وأخيرا حدد بعض النقاط للمتظاهرين للمطالبة بها بدل مطالبهم الأصلية.

على الائتلاف الوطني استدراك الوضع المتفاقم بسرعة وتلبية طلبات المعتصمين، وبدلاً من الحركات الاستعراضية التي يمارسها أعضاؤه في التوجه غير الجاد إلى المتظاهرين عليهم الانهماك في إيجاد حلول جذرية للمشاكل التي خلقوها هم لا غيرهم، والنظر في المطالب الحقة للمتظاهرين دون فرزها والحكم على بعضها بالمقبول وعلى البعض الآخر بالمرفوض، ليس هذا فحسب بل محاولة إجراء عملية قيصرية ناجحة للوضع السياسي العراقي قبل أن يفوت الأوان!

وأتصور أن من أهم الحلول للمشاكل السياسية المتلاحقة هو تشكيل حكومة إنقاذ وطني يستبعد منه وجوه ائتلاف دولة القانون كافة الذين سئم أغلب الشارع العراقي رؤيتهم وسماع طروحاتهم السمجة. وعلى الساسة في العراق الارتقاء بمستوى طرحهم السياسي ليتناسب مع نضج الوعي السياسي للشارع العراقي بدلاً من محاولاتهم إنزال مستوى هذا الشارع إلى المستوى الضحل للطروحات السياسية التي يتبنونها، فالعراقيون أثبتوا أنهم أوعى بكثير ممن يمثلونهم في العملية السياسية، وعلى ذلك فلم يعد هناك معنى لوجود الوجوه السياسية الحالية، وإذا لم يكن موضوع حكومة الإنقاذ الوطني يتلاءم مع نبض الشارع العراقي فمن الواجب على كل الكتل السياسية إلغاء العملية السياسية كلها وترك الأمر للشارع المنتفض، هذا فهو الأقدر على إيجاد الحلول المناسبة للمتناقضات العراقية.

* كردستان العراق – دهوك

back to top