نظرية الخوف من السلام
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية خلال الفترة 1937-1945 بدأت حرب أخرى أطلق عليها الحرب الباردة، وانقسم العالم فيها إلى قطبين متنازعين: الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الغربيون من جهة، والاتحاد السوفياتي وحلفاؤه من الدول الاشتراكية من جهة أخرى، وقد أدى هذا الصراع إلى بروز نظرية "الردع النووي"، وسباق التسلح وإنتاج الصواريخ البالستية، كما شهدت تلك الفترة بروز "حركة عدم الانحياز" بقيادة الزعماء عبدالناصر ونهرو وتيتو وسوكارنو، وعقد أول اجتماع لهذه الحركة في مدينة "باندونغ" في إندونيسيا.لعل أهم أحداث تلك الفترة كان الإعلان عن قيام "دولة إسرئيل" وذلك بتاريخ 14 /5 /1948، وفي تلك اللحظة دخلت منطقة الشرق الأوسط في دوامة من الصراع الذي "لن ينتهي" والذي أطلق عليه الصراع العربي الإسرائيلي، والذي مر بمراحل عديدة من سباق للتسلح إلى حروب استخبارية واقتصادية إلى حروب ساخنة كحرب عام 1967 أو نكبة حزيران، وتمكنت إسرائيل خلال خمسة أيام من تدمير جيوش كل من مصر وسورية والأردن والمنظمات الفلسطينية المسلحة، وقامت بابتلاع ضعف مساحتها الجغرافية حتى جاءت حرب العاشر من أكتوبر عام 1973 والتي أطلق عليها اسم حرب التحريك أو الحرب من أجل السلام، والتي أدت بالضرورة إلى دخول مصر والأردن ثم فلسطين في اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وتنفست دول المنطقة الصعداء على اعتبار انتهاء ذلك الصراع الأزلي من أجل الوجود.وفي اعتقادي أن القيادة العليا في الدولة العبرية وخاصة العسكرية أدركت أن السلام الكامل في المنطقة لا يخدم وجودها على المدى البعيد الذي يرتكز على ضرورة وجود التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة، والذي يؤدي إلى الحذر الدائم وعدم الركون للدعة والرفاهية والتخلي عن "الهاجس الأمني" الذي حمى إسرائيل على مدى عقود من السنين، والذي تحصل من خلاله على دعم لا محدود من أميركا والدول الغربية ودول العالم. في فترة السلام المصطنع بين بعض الدول العربية وإسرائيل برزت حركتان مناهضتان لإسرائيل تمثلان أكبر فئتين في الدين الإسلامي, هما حركة "حماس" السنيّة في قطاع غزة، و"حزب الله" الشيعي في جنوب لبنان، وقد تمكنت كلتا الحركتين من الحصول على أسلحة متطورة ومنوعة على الرغم من وجودهما على بعد كيلومترات قليلة من إسرائيل، وفي ظل وجود الاستخبارات الإسرائيلية التي تصنف على اعتبار أنها من أقوى الأجهزة الاستخبارية في العالم.وقد رفضت المنظمتان السلام مع إسرائيل؛ مما أدى بالضرورة إلى عدم استقرار المنطقة، ووجدت الدولة العبرية أعداء جدداً، خاصة بعد ارتباطهما الوثيق مع إيران التي تناصبها العداء أيضاً, فقامت إسرائيل بشن الحرب تارة على "حماس" في غزة، وتارة أخرى على "حزب الله" في جنوب لبنان بهدف استعراض للقوة، ثم لإبقاء جيشها في حالة تأهب مستمر تأكيداً لنظرية "الخوف من السلام".والآن وبعد أن وصل الوضع في سورية الشقيقة إلى ما هو عليه من مأساة بعد أن قام البعض بنفض الرماد عن أوار نار "الفتنة الكبرى" لا بد من طرح عدة تساؤلات منها: هل لإسرائيل دور في ما يدور في سورية؟ وإلى من تميل؟ ومن سينتصر في الحرب الدائرة الآن بين طرفي الصراع؟ ولكن هناك حقيقة مؤلمة هي أنه لن يكون هناك منتصر، بل سيكون هناك خاسر كبير، وهو الوطن السوري, سورية التي كانت وستبقى قلب العروبة النابض ودعاؤنا إلى الله أن يمنّ على الشام وأهلها بكل أطيافهم بالأمن والسلام، فاللهم بارك لنا في شامنا. ونقتبس هنا بعض الأبيات من قصيدة "حديث الروح" للشاعر الباكستاني محمد إقبال:إذا الإيمان ضاع فلا أمان ... ولا دنيا لمن لم يحيِ دينا ومن رضي الحياة بغير دين ... فقد جعل الفناء لها قريناوفي التوحيد للهمم اتحاد ... ولن تبنوا العلا متفرقيناألم يُبعث لأمتكم نبيٌّ ... يوحدكم على نهج الوئامومصحفكم وقبلتكم جميعاً ... منار للأخوة والسلاموفوق الكل رحمن رحيم ... إله واحد رب الأنامحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل الفتن والداعين لها ومن كل سوء ومكروه.