سارق القبلات... يدخل «دوامة» الاتهام

نشر في 31-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 31-07-2013 | 00:02
بعض الجرائم لا يمكن الوصول إلى فاعليها، فتظل عالقة في الهواء، لا القانون استطاع أن يكشفها ولا الشهود توصلوا إلى الفاعلين. على الرغم من ذلك يبقى الانتقام الإلهي قادراً، دون غيره، على تحقيق القصاص من المجرمين معدومي الضمير، الذين ساعدتهم الظروف في الهروب من فخ القبض عليهم، ناسين أن العدالة الإلهية لا تعرف عبارة «ضد مجهول».
لم يفرق بينهم الزمن ثلاثين عاماً! وفرقت بينهم امرأة تعلق كل واحد منهم بحبها وحاول استمالتها إليه وعندما اختارت أحدهم ليكون زوجاً لها قتله صديقه.

ثلاثة أصدقاء كانوا حديث كل من يعرفهم... جمعت بينهم صداقة فريدة من المرحلة الابتدائية إلى سنوات الدراسة في جامعة القاهرة... أطلقوا عليهم التوائم الثلاثة من فرط العاطفة التي كانت تربطهم بعضهم البعض... طبائع واحدة... الرياضة نفسها التي يمارسونها... التفوق نفسه سواء في الدراسة أو فريق السباحة في النادي الشهير الذي التحقوا به منذ مرحلة الصبا... معا يمشون ويأكلون ويسهرون ويشتركون في بطولة الجمهورية لسباحة المسافات القصيرة التي حجزوا فيها المراكز الأولى... أسماؤهم كانت هي الأخرى متشابهة ومشتقة من الحروف والمعنى نفسيهما... أحمد ومحمد ومحمود!

فجأة... صار الثلاثة أربعة... كيمياء غريبة ربطت بينهم وبين إنجي، نجمة فريق كرة القدم النسائية في النادي... بدأت العلاقة يوم ذهب الأربعة لاستلام جوائزهم من وزير الشباب... في الطريق الذي طال أكثر مما يجب بسبب ازدحام المرور دار بينهم حوار طويل ومتشعّب وعميق... شعروا جميعاً كأنهم يلتقون منذ سنوات... وفاجأتهم إنجي بدعوتها لهم على الغداء في إحدى البواخر العائمة في النيل... ومنذ ذلك اليوم لم تفارقهم إنجي ولم يفارقوها!

المحيطون انقسموا إلى فريقين... فريق بالغ بسوء الظن في العلاقة التي تربط حسناء النادي بالشبان الثلاثة... وفريق كان قريباً من الأربعة وعلى دراية بأخلاقهم فلم يتطرق إليه الشك من قريب أو بعيد!

لكن جاء اليوم الذي كان على إنجي أن تختلي فيه بنفسها وتتأمل علاقتها بالشبان الثلاثة... كانت الوحيدة التي يمكنها اكتشاف الخطوط الفاصلة بين أحمد ومحمود ومحمد، فالأنثى وحدها قادرة على قراءة الرجل من عينيه، مهما كانت قدرته على التشكل أو التنكر أو التظاهر بغير حقيقته... بل تبقى الأنثى الوحيدة التي يمكنها أن تعرف من أسرار الرجل ما لا يعرفه غيرها!

لم تنم إنجي ليلتها إلا وقد اكتملت الصورة أمام عينيها بوضوح أسعدها وآلمها في الوقت نفسه! إنها لحظة الفرز التي يجب أن تتوقف عندها الأنثى حينما يكون في حياتها أكثر من رجل... اكتشفت إنجي أن صداقتها بالثلاثة صارت عند مفترق طرق... هم رجال وهي امرأة والمجتمع عند لحظة معينة لا يرحم... أدركت أن قطار الزواج قد يفوتها ويعبر محطتها لو ظلت ترفض العرسان واحداً بعد الآخر... لا يشكل الوقت عبئاً على الثلاثة بينما يجبرها على أن تختار شريكاً لحياتها... كانت واثقة من أن اختيارها سوف يذهب إلى واحد من الثلاثة... لكن من يكون؟

يعجبها في محمد خجله ورومنسيته وثقافته وقصائد الشعر التي ينظمها أو يرتجلها... ويجذبها إلى أحمد طموحه المشروع في أن يكون واحداً من كبار رجال الأعمال بعد أن يعتزل الرياضة... إنه نسخة مصغرة من أبيها الذي وهب أسرته جنة يدخلون جميعاً في نعيمها... لكنها كانت مبهورة بقدرة محمود على الإيقاع بالحسناوات وشن الغارات الواحدة تلو الأخرى على سرب الجميلات بالنادي، حتى أصبح فتى أحلام بنات الطبقة الراقية رغم أنه كان أكثر أصدقائه فقراً... وإن كان أعذبهم لساناً وأرشقهم قواماً وأغزرهم خبرة بالنساء!

الحيرة كل الحيرة كادت تعصف بأفكار إنجي وهي تمنح نقاطاً لكل واحد من الثلاثة... إنهم متساوون في الدرجات... لكن عليها أن تختار واحداً! عيون محمد كانت تنطق لها بالحب وتكاد تتوسل إليها أن ترد على هذا الحب الكبير ولو بابتسامة تخصه بها!... وأحمد كان صريحاً حينما حدثها عن مواصفات المرأة التي يتمناها زوجة له وأماً لأولاده، فكل المواصفات تنطبق عليها... ودائماً ما تهرب من الرد مثلما تفعل مع محمد! أما محمود فكان يمثل لها علامة استفهام عريضة لأنه الوحيد الذي جعلها تخاف على نفسها... من نفسها! قلبها يخفق له رغم سوابقه... كانت عيناه هو الآخر ترجوها أن تثق به، لكن ماضيه جعله رجلاً محفوفاً بالمخاطر ومسجلاً خطراً في خداع النساء! وبالفعل أجبرته على ألا يبوح لها بحبه ليلقى مصير صديقيه.

نجحت في أن تجعل الثلاثة يظنون أنها امرأة بلا قلب من دون أن يدرك أحدهم أنهم جميعاً في قلب قلبها بنسب متفاوتة... وأنها تجري عملية اقتراع سري لاختيار أحدهم بعيداً عنهم جميعاً. لكن ذات مساء وقع ما لم يكن في الحسبان ولم يخطر لها ببال أو خاطر!... كان مساء أربعاء لا ينسى أبداً.

حفلة زفاف

كان الثلاثة قد اتبعوا تقليداً حرصوا عليه... كل مساء يوصل أحدهم إنجي إلى بيتها في العاشرة مساء... إنه الموعد الذي حدده أبوها ولا تجرؤ على مخالفته! كل واحد منهم كان يجيد فن القيادة لكن لا أحد يملك سيارة سوى أحمد... وفي اليوم الذي يوصلها فيه أحمد بسيارته الفارهة كان يشبعها كلاماً عن طموحاته التي كانت بلا سقف. وفي يوم محمد كانت تسمع منه أحلى ما نظم من شعر الحب بينما تقسم عيناه لها أنها المقصودة. أما محمود فكانت إنجي تتعمد أن تؤنبه على علاقاته بالحسناوات وخداعه لهن فينطلق لسانه يدافع به عن نفسه مؤكداً لها أنه يهرب من حب امرأة تتجاهله فلا يجد سوى الانتقام منها في زميلاتها من بنات حواء. ولأن إنجي كانت تفهم مقصده ولفه ودورانه كانت تنهي الحوار بابتسامة باهتة ثم تسارع إلى تغيير الموضوع.

 لكن مساء الأربعاء كان مختلفاً... بعدما أوصلها محمود إلى الفيللا التي تسكنها فوجئ الاثنان بأن التيار الكهربائي انقطع عن الشارع بأكمله. أصرّ محمود على أن يرافقها إلى الداخل على ضوء الموبايل. وفي فناء الفيللا الداخلي ارتعدت إنجي حينما وجدت نفسها بين ذراعي رجل... حتى ضوء الموبايل تبدد. نادت على محمود إلا أنها فوجئت بيدين تضمانها بشدة وهمسات بصوت محمود تطالبها بأن تخفض صوتها... أذهلتها المفاجأة... قبل أن ترد شعرت بفم محمود يلامس شفتيها... حاولت أن تقاوم، لكن شفتيها خذلتاها. ربما لأنها أول قبلة تترك بصماتها فوق شفتيها الرقيقتين... وربما لأنه أول رجل يتجرأ وينتزع منها ما ترفضه وتتمناه في الوقت نفسه!

عاد التيار الكهربائي لتكتشف إنجي أنها لم تكن في لحظة مقاومة... خجلت من نفسها بشدة... انهمرت دموعها بعدما صفعت محمود بقوة وطردته شر طردة. صعدت إلى حجرتها تدور بها الدنيا، لا تعلم إن كان جسدها ينتفض من هول الصدمة أم من طول القبلة.

أغلقت تليفوناتها... فكرت في قطع علاقتها بالأصدقاء الثلاثة. لكن ما ذنب الخجول الرومنسي طيب القلب محمد، والطموح الذي يعيش على الأمل أحمد. هل تأخذهما بذنب الجريء... سارق القبلة.

على رغم العاصفة التي اجتاحت أفكارها حتى بزوغ ضوء الفجر شعرت بأنها يجب أن تفتح الطريق أمام أحمد ليطلب يدها... ثم لا تفتح بيتها إلا لمحمد، وعليها أن تستخدم ذكاء الأنثى وخبثها ولؤمها لتفسد علاقة أحمد بصديق عمره محمود، فلا يمكن أن تسمح لمن كسر عينها بدخول بيتها... لا يمكن أن تجلس إلى جوار زوجها حينما يكون زائرهما أول من سرق منها قبلة.

من دون أن يشعر أحمد ومحمد تعمدت إنجي أن تتجنب محمود وتخصه وحده بنظرة احتقار... لكنه نجح في الاختلاء بها على مائدة بجوار حمام السباحة وظل يعتذر لها حتى أشفقت عليه من الذل الذي ارتسم على ملامحه... وعدها بأن يكون إنساناً مختلفاً يولد من جديد على يديها... صارحها بأنه يرغب في طلب يدها... لكنها أطلقت قنبلتها المدوية في وجهه حينما باحت بسرها علناً ولأول مرة... قالت له إنها تحب أحمد... بل كانت واثقة بأن الخبر سوف يطير إلى أحمد فيوفر عليها جهداً ووقتاً ومناورات.

صدق ما توقعته... طار أحمد من الفرحة... ذهب إلى أهلها وطلب يدها... وأقيمت حفلة الزفاف في أحد أكبر فنادق القاهرة. كان من بين المدعوين نجوم وشخصيات عامة إلى جانب الأهل والأصدقاء. لكن ظلت عينا إنجي ترقبان محمد وهو يداري دموعه بعدما أختار مائدة في آخر القاعة... بينما ظل محمود يراقص الفتيات وبراءة الأطفال في عينيه.

مركب صيد

مرّت ثلاث سنوات على إنجي كلمح البصر وهي تعيش في بيت أحمد... أنجبت منه طفلة جميلة... لكنه عاد ينشغل عنها بمشروعاته واستثماراته... لا تشاهده إنجي سعيداً إلا ليلة الخميس حينما يدعو صديقيه للسهر في بيته يجتران معه الذكريات ويلعبون البلياردو بينما تتولى هي إعداد العشاء والحلوى والمشروبات ثم تحكيم المباريات.

كان محمد يحضر وبرفقته زوجته التي اختارتها له إنجي. ولم يكن محمود قد تزوج. كان يؤلمها أن يفرط زوجها في حبه لمحمود ويبالغ بالترحيب به... ربما أكثر من محمد... وإنجي تتمزق... فما زالت عينا محمود تتجرأن عليها خلسة... وما زالت، كلما وقعت عيناها على عينيه، تتوجع شفتاها. لا يمكنها الآن أن تفسد علاقة زوجها بصديق عمره. فات الآوان... لكن الموقف خطير... وفي كل مرة يطلب أحمد أن يسارع محمود بالزواج يجيبه الأخير أنه في أشد الشوق لطلاق حبيبته من زوجها حتى يطلب يدها... كان أحمد يصدقه وهي الوحيدة التي تفهم ماذا يقصد هذا الذئب... وأنها المرأة التي يقصدها!

تروي حزينة

بعد عامين كانت إنجي تجلس حزينة أمام مفتش المباحث الذي طلب منها أن تروي له كل كبيرة وصغيرة وبأدق التفاصيل، عله يجد خيطاً يجعل لبلاغها قيمة قانونية... واستطردت إنجي قائلة:

«سافرنا كالمعتاد إلى شاطئ المعمورة لقضاء إجازة الصيف... أسرتي وأسرة محمد ومحمود بمفرده... ولأن الرجال الثلاثة يجيدون السباحة بمهارة نزلوا البحر كما اعتادوا كل صباح. كانت نظرات محمود ذلك الصباح غير مريحة حينما اتجه مع أحمد ومحمد إلى الشاطئ. ظلوا يسبحون حتى غابوا عن النظر... وقفت أنا وزوجة محمد نرتجف بعد عدة ساعات من اختفائهم... وفجأة. عاد محمد في قارب أحد الصيادين غائباً عن الوعي. كانت الصدمة مروعة حينما عاد محمود، بعد لحظات، منهكاً يعلن أن أحمد غرق وأنه حاول إنقاذه مرات من دون جدوى! عشنا زوجة محمد وأنا أحلك ساعات العمر. أفلحت الإسعافات مع محمد... فتولد لدي شك لأقدم بلاغي ضد محمود بأنه تعمد إغراق زوجي!».

وقال محمد في التحقيقات:

* «... لست واثقاً من إدانة محمود.. لكني رأيته داخل الدوامة يقوم بحركات غريبة... ربما كان يحاول النجاة وربما كان يدفع أحمد إلى الدوامة كلما أوشك على الخروج منها!».

ويؤكد قائد مركب الصيد ما قاله محمد... وتحفظ النيابة البلاغ الذي قدمته إنجي... ويحاول محمود الدفاع عن نفسه أمام إنجي وألا تسيء الظن به، وذلك أمام باب المحقق، لكنها تفاجئه بصفعة قوية. ربما أشد من الصفعة التي نالها يوم سرق منها قبلة أطاعته فيها شفتاها!

back to top