التجارة بالدين.... الكل يمارسها

نشر في 03-09-2013
آخر تحديث 03-09-2013 | 13:01
 باسم يوسف نذكر أنفسنا دائماً بأن ما حدث في 30/6 لم يكن الهدف منه هو عزل مرسي بل هو ثورة كاملة شاملة ضد الفاشية الدينية، وضد إقحام الدين في السياسة، وكان أول التصريحات التي خرجت من السلطة الانتقالية أن مصر لن تسمح بتكوين أحزاب دينية لأننا بعد سنتين رأينا أن خلط الدين بالسياسة يفسد السياسة وينفر الناس من الدين.

 كلام جميل، كلام معقول، ماقدرش أقول حاجة عنه.

ولكن من المفارقات الغريبة هو وجود حزب "النور" في المشهد الجامع الشامل لـ 30/6 مع أن حزب "النور"، حسب معلوماتي، ليس من بنود ميثاقه أنه حزب ليبرالي مثلاً، وكنا نراقب في اندهاش في كل مرة يعترض فيها حزب "النور" على اختيار رئيس للوزراء أو اعتراضه على حذف المادة 219، ونتساءل: إذا كانت الثورة لم تقم على "الإخوان" فقط بل على الفاشية الدينية أيضاً فلماذا مازلنا متساهلين جداً مع حزب "النور" وهو الحزب صاحب البنود الأكثر تطرفاً في دستور "الإخوان" وهو الحزب الذي خرجت قيادات دعوته السلفية متمثلة في د. ياسر برهامي، وهو يتفاخر بأنه قام بعملية خداع محكمة من أجل وضع المادة 219 التي لا يوجد لها مثيل في أي دستور في العالم، وخرجت علينا قيادات أخرى تروج لهذا الدستور بأنه أفضل دستور في العالم، أي أن قيادات حزب "النور" ساهمت مع "الإخوان" في التدليس والكذب على الشعب، وهم من كانوا وراء إقصاء المرأة من رؤوس قوائم الانتخاب، بل كان أعضاء حزب "النور" وقياداته وشيوخه من نجوم منصة رابعة، وكانت لهم خطبهم التحريضية مثلهم مثل صفوت حجازي والبلتاجي، ومع ذلك لم يتم تعقب أعضاء حزب "النور" أو حل الحزب أو إعلان الدعوة السلفية كمنظمة محظورة أو إرهابية.

لماذا ونحن نتابع بشكل يومي القبض على الصف الأول والثاني والعاشر من قيادات "الإخوان" بتهمة التحريض على العنف؟ لماذا لا نستمتع أيضاً بتفاصيل القبض على شيوخ السلفيين الذين وقفوا مع مرسي في الصالة المغطاة فدعوا بهلاك متظاهري الثلاثين من يونيو وحرضوا على الشيعة وحرّض بعضهم "الإخوان" على العنف أيام مسيراتهم؟!

وهنا نتساءل مرة أخرى: هل قامت ثورة 30/6 على "الإخوان" فقط أم على الفاشية الدينية ككل ولمنع الأحزاب الدينية كما سبق وذكرنا؟ أم أن الموضوع فيه خيار وفقوس على حسب احتياج الدولة لاستخدام الجرعة المناسبة للفاشية الدينية في وقت لاحق؟

نعود مرة أخرى إلى موضوع حظر الأحزاب الدينية.

في الواقع أنه إذا خرج اليوم قرار جمهوري دستوري برلماني شعبي عسكري بمنع تكوين الأحزاب الدينية فلن يضر حزب "النور" شيئا.

حزب "النور" نفسه قال إنه ليس حزباً دينياً وإنه يرحب بانضمام الأقباط!!!

حد له شوق في حاجة؟ اثبت بقى انه حزب ديني؟

كيف ستحل الأحزاب الدينية ولا شيء في أوراقها يثبت أنها أحزاب دينية، وإذا طالبت بحله فسيقولون إن الحزب قائم على أساس المادة الثانية للدستور، فهل سيجرؤ أحد بالمطالبة بإلغاء هذه المادة؟

هذه المادة التي نضعها عنواناً لنقنع أنفسنا أننا دولة متدينة ولكن لا يرضى الإسلاميون بها لأنها في رأيهم مادة صورية، وفي نفس الوقت يمكن أن يتم استخدامها كسيف مصلت وقت اللزوم، مثلما تم تفريق نصر حامد أبوزيد عن زوجته، وأيامها ولا كان فيه "حرية وعدالة" ولا حزب "نور" ولا مادة 219.

لذلك فربما نكون قد بالغنا في حماستنا بأننا أخيراً سنفصل الدين عن الدولة وأننا سنقضي على التطرف، الحقيقة أن الدين أداة مفيدة جدا سواء كانت سلطة دينية صرفة أو سلطة تتظاهر بالمدنية، ففي كثير من الأحيان تحتاج السلطة إلى "رشة دين جريئة" من أجل تمرير ما تريده من سياسات، فعلها السادات باستخدام "الإخوان" لمواجهة اليساريين وفعلها مبارك باستخدام السلفيين ضد "الإخوان"، لذلك فلا تتعجب حين يخرج شيوخ الدعوة السلفية وأعضاء حزب "النور" أيام مرسي فيصرحون "بأدلة شرعية" أن الهجوم على مرسي و"الإخوان" هو هجوم على الإسلام، ثم يخرج علينا ياسر برهامي رئيس الدعوة السلفية الأسبوع الماضي فيصرح بأن هجوم الغرب على الفريق عبدالفتاح السيسي هو هجوم على الإسلام "برضك".

ده مش اسمه إسلام سياسي ده اسمه جمباز سياسي.

ليس هذا غريباً على فصيل شبّه شيوخه وإعلامه مرسي بالأنبياء والصحابة، وأن الشعب المصري كله متدين و"عايز رئيس ملتحي وبيصلي" ثم يخرج علينا د. ياسر برهامي "تاني" فيقول إن مؤيدي مرسي لا يزيدون على مئة ألف!

أصل حاجة من الاتنين: يا إما الشعب المصري المتدين المؤيد للشريعة والدين هاجر في بلد تاني يا إما والعياذ بالله كفر بالدين والشريعة (بفضلكم طبعاً) ولم يتبق إلا مئة ألف من المؤمنين.

الغريبة أن الدولة التي أعلنت الحرب على الفاشية الدينية تتقارب وتدلل حزب "النور" مع أن سبب اعتراض حزب "النور" على "الإخوان" أنهم "لم يطبقوا الشريعة" كما يرونها، وأنا وأنت عارفين إن حزب "النور" له رؤية للشريعة أقل ما توصف به أنها متطرفة.

ولكن لا بأس فهذا الفصيل له فائدته، فإذا كان شبه مرسي ورفاقه بالصحابة في قنوات "الحافظ" و"الناس" فهم أنفسهم أصحاب الفتاوى الجاهزة لتحريم الخروج على الحاكم قبل أو بعد مرسي، مش فارقة بقى إذا كان الحاكم ملتحياً وبيصلي الفجر أو حيطلع عين اللي جابونا.

وهنا نتساءل عن جدية التصريحات والوعود بأن مصر لن تقع تحت سيطرة الفاشية الدينية مرة أخرى، ففي الحقيقة السلطة في عالمنا العربي مهما تظاهرت بمدنيتها تحتاج إلى الدين لتوفير غطاء شرعي لكل ما تفعله.

أيام مرسي كانت الدعاوى بالتكفير جاهزة لشيطنة أي حراك سياسي ضد السلطة، الآن هناك أيضا من الشيوخ والعلماء من يستدعي أدلة شرعية تشبه "الإخوان" بالخوارج وتحلل قتلهم مثلما فعل "الإخوان" بمعارضيهم بالضبط.

فالدين تحول من وسيلة لتطهير النفس والسمو بالروح إلى أداة طيعة يستخدمها من في السلطة للسيطرة على الناس واللعب بعواطفهم، يستوي في ذلك من جاهر بمرجعيته الدينية أو من يستخدم الإسلام السياسي كفزاعة لتثبيت حكمه.

المضحك أن كلا الطرفين يدعي أنه ممثل للإسلام الوسطي، وفي نفس الوقت يزايد على الآخر ويدعي أنه ضعيف الإيمان ولم يأخذ من الدين إلا قشوره، والمبكي أن كلاً منهما يستخدم الأزهر كورقة مساومة، فتارة يهرعون إلى الأزهر كممثل أوحد للدين، وتارة يرفض الجانب الإسلامي الأزهر بحجة أنه "مش مسلم بما فيه الكفاية" ويسعى إلى تغيير قياداته بقيادات أكثر تطرفاً، وفي نفس الوقت وجدنا التيار المدني بعد "حرقته" على الأزهر يرفض تدخله في السياسة، والغريب أن كلا الطرفين سواء معسكر "الإخوان" أو معسكر الجيش استخدم السلفيين الفصيل الأكثر تطرفاً لتمرير وتحليل سياسته ضد الآخر.

من الآخر كل ما نراه تمثيلية كبيرة، فحتى بعد أن رأينا وتأكدنا أن استخدام الدين في السياسة يهين الدين ويفسد السياسة ستلجأ السلطة له دائما كحل سريع ومضمون.

وينعكس ذلك على الدستور الذي يكتب حاليا، فمنين تقوللي إن المواطنة دي أهم حاجة في الدنيا ثم لا نجرؤ على الاقتراب من مواد الشريعة التي هي في قداستها فوق كل شيء، ومن الممكن أن يكون تفسيرها قمة في السماحة والتعايش أو قمة في الغلو والتطرف على حسب من يحتل كرسي الأزهر، نتكلم عن الحقوق المتساوية بين المواطنين بصرف النظر عن ديانتهم ثم نحدد الأديان السماوية بالاسم بمعنى أنك لو مواطن مصري ومعتنق لدين خارج الديانات الثلاث أو غير مقتنع بهذه الأديان فأنت ليس لك نفس الحقوق والواجبات التي تضمنها المواطنة.

أعلم أن السطر الأخير سوف يثير هجوما شديدا ليس فقط من جانب التيار الإسلامي، ولكن أيضا من أعدائه، فإن لم تكن مشغولا بالمزايدة على وطنية خصومك فيمكنك أن تزايد على إيمانهم.

أجد صعوبة في تصديق أن الدولة ستقف فعلاً ضد الفاشية والتطرف الديني، ليس لعدم الثقة بها ولكن لأن ذلك يتطلب مجهودات صادقة وحثيثة في مجالات التعليم والتوعية وإعلاء قيم المساواة وحقوق الإنسان ومعرفة حقوقك كمواطن، وهذا معناه أن يعرف المواطنون حقوقهم على الدولة وأن ينضجوا اجتماعياً وسياسياً ودينياً.

 وهنا تكمن المشكلة.

فهل ستخاطر الدولة بخلق أجيال شابة تخرج عن طوعها وتتمرد على غسيل المخ باستخدام الدين مرة واستخدام الوطنية ونظريات المؤامرة مرات؟

هل ستخاطر الدولة بمن يقول لا لإعلامها الموجه ويتجرأ فلا يطيع شيوخها وفتاواهم المعدة مسبقاً؟ هل يمكن أن تتخلى طواعية عن أفضل أسلحتك؟ فالتجارة بالدين هي التجارة الأكثر ربحاً على مر التاريخ.

الكل يتاجر الكل يربح وللأسف الدين هو الخاسر الوحيد.

back to top